..................
حسام الدين فكري
..........
ألفٌ ياءٌ – كان
شعر : حسام الدين فكري
*********************
(ألفٌ ياءٌ – سوف يكون)
في البدء كانت كلمة وحيدة
نهضت من الثرى، لا شيء حولها
انقسمت ذاتياً على نفسها
فصارت تُؤنس وحدتها، كلمة أخرى
تُشبهها تماماً
البردُ من حولهما يخرقُ العظام
تدفّأت إحداهما، في صدر الأخرى
فأنجبا كلمة ثالثة، تحملُ الملامح المُوّحدَة
لكنّ في جبهتها، حرفٌ واحدٌ يزيد
الكلمة الثالثة، تتغذى على الشجرة الوحيدة
التي نبتت – حين ولادتها – من أجلها !
الثالثة تحبو في وداعة، فوق الثرى الرطب
تنمو شيئاً فشيئاً، جسدها وعقلها ينضجان
قامتها صارت أطول، والمسافة بين منكبيها، اتسعت أكثر
ثُمّ، في لحظة سحرية
انقسمت بدورها، ذاتياً على نفسها
فصار كُلّ سُكّان الكون
أربعُ كلماتٍ فقط !
...........................
(ألفٌ ياءٌ – يكون)
الزمن يُحرّك البرد، والحرّ، والريح
والحنان في القُلوب، والأفكار في العُقول
تراصّت الكلمات الأربع، في صفٍ واحدٍ
فتكونّت عِبارة ذات مغزى
ثُمّ تبادلت أماكنها، فنشأت عِبارة أخرى
تحملُ معنىً جديداً
اللعبة عينها يومياً، وكُلّ ساعة، وكُلّ دقيقة
والفراغُ لا شيء يملؤه، إلا لعبة "التبادلات" !
كُلّما زادت التبادلات، كُلّما وُلدت العِبارات
بعد حين، مِن رحم اللعبة
اكتشفت الكلماتُ حاجتها، إلى كلماتٍ أخرى
" سوف نجعل لعبتنا، أكثر إمتاعاً وتشويقاً " !
راحت كُلّ واحدة منهن، تنقسمُ على نفسها
ثُمّ الكلمات الجديدة، تنقسمُ على نفسها
واللعبةُ ما تزالُ مُستمرة
التبادلات صارت لا نهائية، والعبارات اكتسبت أثراً ساطعاً
في كُلّ ألوان الطبيعة من حولها
عِبارة منها، جعلت الأشجار تُورق
وعِبارة أخرى، دفعت الأسماك الصغيرة فوق أمواج البحر
وعِبارة ثالثة، أحالت التُراب إلى ذهبٍ سائل !
ثُمّ فجأة، تغيّر العالم
جاء البشرُ، واستعمروا الأرض
بدأوا باثنين فقط، ثم صار عددهم يزداد
كُلّ بضعة أشهر، تنبثق أصواتٌ جديدة، من المِهاد !
لكن الكلمات تتضاعف بالحد الأقصي للمعادلات
صار كُلّ إنسان، تُقابله ملايين الكلمات
هُنا، في لحظة قَدَريّة عُليا، هبطت الرسالات
في رأس كُلّ كلمة، قِنديلٌ صغيرٌ مٌضاءٌ
والكلماتُ نُجومٌ لامعةٌ، تحت السُحُب البيضاء
كُلّ يوم تصعد زرافات، بقناديلها الشاحبةُ، إلى السماء
ثُمّ تعودُ دائماً، قبل الغروب، وكُلّ قِنديلٍ منها مُضاء
لتسقط من فورها، فوق رؤوس يابسة، خاوية
كانوا يحلقونها تماماً، فتصيرُ صُخوراً صلدة
لا شيء يخترقها..لا كلمات، ولا هواء !
تعودُ الكلماتُ مُنهكة، كسيرة، نحو السُحًب البيضاء
فتستقبلها رسالة نورانيّة حازمة :
" لا تيأسن، عُدن من جديد
سوف تجدن، من يؤمنون "
تنهمرُ الكلمات – هذه المرّة – بقناديل مُشعّة
منحها النورُ الغامرُ، أجنحة فتيّة
تشُقّ بها دياجير الفضاء !
.................................
(ألفٌ ياءٌ – كان)
انقطعت الرسالاتُ
فصار البشرُ، كائنات غير الكائنات !
والكلماتُ – بدورها – فقدت بريق الكلمات
تنثني، وتنحني
تتقزّمُ، وتتطاولُ
ترتدي وجوه بعضها بعضاً
تتداخلُ أحياناً
تتشاجرُ أحياناً
وما عادت لها هيئاتٌ
تُشبهُ ما كانت عليه، من هيئاتٍ
أصبح كُلُّ بشَريّ، يضعُ كلمته بين أسنانه
ثُمّ يمضغها جيداً، فتكتسبُ روحه وشخصيته
قبل أن يسمعها الناسُ !
تلوّنت الكلمات بكلّ ألوان البشر
فتحولّت إلى (أدوات) !
تُعلي، وتُخفضُ
تُدني، وتُبعدُ
وتضعُ الرؤوس الخاوية فوق قمم البلدات !
فلما ضاقتُ الكلماتُ، بما صار يُشبه الكلمات
بالزيف الذي يمتصُّ رحيق المعاني
والكِبر الذي يطمسُ الألسنة العرجاء
راحت تجتمعُ، كُلّ يومٍ، فوق هامات الجبال
تتناجى، تتشاكى
تنتحبُ، تصطخبُ
ثُمّ تُرسلُ أعناقها إلى السماء
وهي ترثي لعهدٍ، كانت فيهِ
تخترقُ الفضاء، نحو السُحُب البيضاء !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق