الخميس، 30 يوليو 2020

...............

ــ د. صالح العطوان الحيالي
............






التاريخ الإسلامي في جزيرة سردانية
،ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 18-تموز 2020
جزيرة سَرْدانِيَة أو سَرْدِينيَة ؛ هي ثانى أكبر جزر البحر الأبيض المتوسط من حيث الحجم بعد جزيرة صقلية، وتُشكل أحد الأقاليم العشرين في إيطاليا، وهي واحدة من خمسة أقاليم منها تتمتع بالحكم الذاتي، وتقع بين إيطاليا، وإسبانيا، وتونس، وجنوب جزيرة كورسيكا.
يعود الاسم سردينيا إلى الاسم "سارد" ما قبل الروماني (باللاتينية ساردوس ومؤنثه ساردا). يعتقد أن لهذا الاسم دلالة دينية بسبب استخدامه أيضا كصفة للبطل الإله سردوس باتر "الأب السرديني" من الميثولوجيا السردينية يساء فهمها من جانب الكثير من السردينيين والطليان بأنها "الأب سردوس")، فضلاً عن كونها أصل الصفة "ساردونيك" "تهكمي". دعيت سردينيا "إكنوسا" وهو اللفظ اللاتيني ل"هيكنوسا" اليونانية ودعيت أيضاً سنداليون وسردينيا وساردو من قبل الإغريق والرومان.
الغزوات الإسلامية في جزيرة سردانية:
وقد غزاها المسلمون عِدَّة غزوات، وسكنوها على فترات مُتَقَطِّعة؛ حيث لم يَكَد المسلمون يستقرون بها في وقت من الأوقات إلا ويُسْرِع النصارى في استرجاعها.
فقد غزاها ولاة بني أمية على إفريقية المرة بعد المرة، وذكر الذهبي في العبر أنها فُتِحت سنة 87هـ، ونَصَّ ياقوت الحموي على تَمَلُّك المسلمين لها في سنة 92هـ، على يد جيش أرسله موسى بن نصير ، وحاول الأغالبة فتحها عقب فتح صقلية ؛ حيث غزاها أسد بن الفرات رحمه الله تعالى، وكاد أن يفتحها، فلما كانت سنة 323هـ أخرج إليها المنصور بن القائم العُبَيْدِي، صاحب إفريقية، أسطولًا من المَهْدِيَّة، عُدَّتُه ثلاثون حربيًّا ، بقيادة يعقوب بن إسحاق، فمَرُّوا بجَنَوَة، ففتحوا المدينة، ثم أوقعوا بأهل سَرْدانِيَّة، وسَبَوا فيها، وأَحْرَقوا مراكب كثيرة، وأَخْرَبوا جَنَوة، وغَنِموا ما فيها .
سردينية في العهد العبيدي الفاطمي:
وكان قد اسْتَقَرَّ بها ولاة من قِبَل العبيديين لبعض الفترات، لكن الظاهر أن سيطرتهم عليها -أو على قواعد مُحَصَّنة فيها- في تلك الفترات كانت مُحْكَمة، حتى أن المُعِزَّ العُبَيْدِي المُلَقَّب بالخلافة قد نزل بها حوالي أربعة أشهر، وذلك في أثناء انتقاله إلى مَقَرِّ الحُكم الجديد للدولة الفاطمية في مصر، عقب توطئة جَوْهَر الصِّقِلِّي الأمور هناك، وبنائه مدينة القاهرة، فانتقل المُعِزُّ إلى سَرْدانِيَة، وأقام بها؛ ليجتمع رجالُه، وأتباعه، ومن يَسْتَصْحِبُه معه، واسْتَخْلَف على إفريقية بلكين ابن زيري بن مناد الصِّنْهاجِي .
سردينية في العهد الزيري:
وقد اتخذ حفيد بلكين المذكور: باديس بن المنصور بن بلكين الصِّنْهاجِي، صاحب إفريقية، الذي حكم بعد وفاة أبيه من سنة 386هـ إلى سنة 406هـ من الجزيرة سَكنًا له . وهذا إن دَلَّ على شيء، فإنما يدل على شدة سيطرتهم عليها.
مجاهد العامري فاتح سردينية:
ثم غزا الجزيرة مُجاهِد العامري ، صاحب دَانِيَة ، وجُزُر البليار، " هو أبو الجيش، مجاهد بن عبد الله، أو ابن يوسف، العامِري بالولاء، مؤسس الدولة العامرية في دانية، وجزر البليار، كان مولى لعبد الرحمن الناصر رُومي الأصل، ولد ونشأ بقرطبة، ورَبَّاه المنصور بن أبي عامر مع مَواليه، فنُِسب إليه ، وكان من أهل الأدب، والشجاعة، والمحبة للعلوم وأهلها، وكانت له هِمَّة، وجَلادة، وجُرأة، فلما جاءت أيام الفتنة، وتغلبت العساكر على النواحي بذهاب دولة بني أبي عامر، قصد هو فيمن تبعه الجزائر التي في شرق الأندلس، وهي جزائر خصب وسعة، فغلب عليها، وحماها، ولما استولت النصارى على سَرْدانية عاد مجاهد إلى الجزائر الأندلسية التي كانت في طاعته، واختلفت به الأحوال، حتى غلب على دَانِيَة، وما يليها، واستقرت إقامته فيها، وكان من الكرماء على العلماء، باذلًا للرغائب في استمالة الأدباء،وقد أَلَّف في العَروض كتابًا يدل على قوته فيه، ومن أعظم فضائله: تقديمه للوزير الكاتب أبي العباس أحمد بن رشيق، وتعويله عليه، وبسطه يده في العدل، وحُسْن السياسة، وكان موته بدانية في سنة ست وثلاثين وأربع مائة." مُنْطَلِقًا من تلك الجزر في سنة ست -أو سبع- وأربعمائة استغرق فَتْحُ مُجاهد للجزيرة نحو ثلاثة أشهر، حتى تَمَّ له فَتْح جميع الجزيرة، فأفزع ذلك الجمهوريات الإيطالية، ودعا البابا إلى حملة صليبية لإخراج المسلمين من الجزيرة، وتطوع الكثيرون في الحملة التي انطلقت في سنة ثمان وأربعمائة من الهجرة، ، فغَلَب على أكثرها، وافتتح مَعاقِلها ، ثم اختلفت عليه أهواء الجُنْد، وجاءت أَمْداد الروم، وقد عزم مجاهد على الخروج منها؛ طَمَعًا في تَفَرُّق من يُشَغِّب عليه من جُنْده، فعاجَلَته الروم، وغَلَبَت على أكثر مَراكبه؛ إذ عَصَفَت الرِّيْح بها، وكسرتها على جزيرة سُمِّيَت فيما بعد بجزيرة الشهداء، وقتل العدو من المسلمين خلقًا كثيرًا، وأسروا آخرين، منهم: أخو مُجاهِد، وابنه علي ، وكان ذلك في نهاية العام الذي غزا مجاهد فيه الجزيرة .
" دانِيَة" ميناء هام في شرق الأندلس يقوم في رأس مثلث بارز في البحر، وركناه الآخران هما لقنت، ومرسية، وقد استغل مجاهد العامري رحمه الله تعالى هذا الموقع الجغرافي الحيوي الذي سيطر عليه في جزر شرق الأندلس، فقام بغارات بحرية واسعة على كل شواطئ فرنسا وإيطاليا، مُنْطَلِقًا من جزر البليار، وسردانية إبَّان سيطرته عليها، ونجح في ذلك نجاحًا كبيرًا، حتى ذاع صِيْتُه، وصار اسمه رعبًا لكل بلاد سواحل أوروبا، وصارت له اليد الطُّولى في الحوض الغربي للبحر المتوسط
وذكر الحِمْيَري في الرَّوْض المِعْطار أن مُجاهدًا العامِري قد دخلها مرة أخرى سنة 409هـ، وافتتح أكثرها، وجَدَّد إحدى مدنها، فأصاب المسلمين فيها جوع ووباء، فخرج عنها بمن معه من المسلمين في سنة 410هـ، فهَدَم الروم بعد ذلك مدينته، قال: فهي اليوم خِرابَة .
والمشهور أن سَرْدانِيَة لم تُغْزَ بعد مُجاهِد العامري رحمه الله تعالى، ولكن يحيى بن تميم بن المُعِزِّ بن باديس، الصنهاجي، صاحب إفريقية، الذي اتَّسَم بالعقل، والشجاعة، ومَحَبَّة الفَتْح، كان قد بنى أُسطولًا ضَخْمًا، وغزا به جنوة، وسَرْدانِيَة، وضَرَب على أهليهما الجِزْيَة .
ملخص التواجد الإسلامي في سردانية:
ويذهب الدكتور علي المنتصر الكتاني رحمه الله تعالى إلى أن إبراهيم بن الأغلب قد فتحها سنة 193هـ / 809م، وظَلَّت في يد الأغالبة، إلى أن وَرِثها عنهم العُبَيْدِيِّون سنة 296هـ / 909م، فبقيت في أيديهم إلى سنة 393هـ / 1003م حين استولى عليها الأمويون -يقصد من أهل الأندلس- ثم سيطر عليها النصارى، ثم حاول مُجاهِد العامِري استرجاعها سنة 405هـ / 1015م، ولكن محاولته باءت بالفشل، وهُزم جيشُه من الحِلْف النصراني المُكَوَّن من عدة دول .
ويرى أرشيبالد لويس أن جزيرة سَرْدانِيَة لم تحتلها قوات إسلامية بالمعنى الصحيح، وأنها التزمت -وفقًا لتعبيره- جانب الحِياد في الصراعات الدائرة للسيطرة على مياه البحر المتوسط آنذاك، ويرى أيضًا أن ما يُقال في شأن سَرْدانِيَة يُقال في شأن جَزيرتي قبرص، وكورسيكا.
وقال الأمير شكيب أرسلان رحمه الله تعالى : قيل لي: إنه يوجد في ولاية غالياري (كالياري) من سَرْدانِيَة قُرى أصل سكانها من العرب
المصادر
1- الكامل في التاريخ لابن الأثير
2-كتاب صبح الأعشى في كتابة الإنشا للقلقشندي
3- معجم الأدباء لياقوت
4- الأعلام للزركلي
5- أطلس تاريخ الإسلام لحسين مؤنس
6- معجم البلدان ياقوت الحموي
7- تاريخ غزوات العرب
8- العبر
9-تاريخ الإسلام للذهبي
10-تاريخ ابن الوردي
11-البداية والنهاية لابن كثير
12-القوى البحرية والتجارية لأرشيبالد لويس
13- وفيات الأعيان لابن خلكان
14- جذوة المُقْتَبِس للحُميدي
15-بُغْيَة المُلْتَمِس للضبي
16- الذَّخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسام
17-المغرب في حلى المغرب لابن سعيد المغربي
18- القوى البحرية والتجارية في البحر المتوسط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق