..............
محرزية القريتلي قدور
..............
الحناء ، عبق أنفاسي ..
الجارة " قميرة " أرملة أنيقة ، ظريفة ..
رغم ترملها و إصابتها بإعاقة البصر، فإنها ظلت على خفة روحها و دلال أنوثتها.
لا تترك مناسبة إلا و تجملت و تزينت و تعطرت (حرقوس بالحاجبين سواك وزيت محلب ، خزامى و حناء لضفيرتيها ) ...
من عائلة بسيطة، توفي زوجها و ترك لها بنتا سرعان ما تزوجت، و انتقلت إلى قرية مجاورة غير بعيدة عن بيت أهلها. تقطع المسافة مشيا لمدة ساعة تقريبا..
بقيت الخالة " قميرة " وحيدة في مسكنها المتواضع .. كفيفة البصر لكنها تعودت القيام بشؤونها بمفردها. جاراتها لا يبخلن عليها بالمؤانسة الحلوة و المعونة إذا ماقتضت الحاجة إلى ذلك .
دأبت على زيارة الأجوار، معتمدة على عصاها و ذاكرتها و حدسها ..
تجلس مع النسوة في السقيفة تغزل الصوف ، تتندر ضاحكة و تروي الخرافات و الأمثال الشيقة بلباقة جذابة .
و كانت مناسبة الاحتفال بالعيد . في آخر زيارة ابنتها لها ، اتفقت معها أن تعود إليها يوما قبل الاحتفال لتحني لها يديها و قدميها .
في اليوم الموعود ، اغتسلت الخالة " قميرة " و أسرعت بعجن الحناء بالماء الدافئ بعد أن أضافت إليها رشة ملح كما جرت العادة للوقاية من العيون الحاسدة، ثم قلبت الصحفة على وجهها حتى لا تجف العجينة ووضعت بجانبها خيوط الرشمة و المناديل الحمراء التي ستلف بها يديها و قدميها .
ألهت نفسها بأشياء عديدة لكي لا تشعر بوطأة الانتظار ...
و حان المغيب , و لم تأتي ابنتها . في ذلك الزمن لم يكن هناك وسائل الاتصال و الطمأنة ( هاتف.. حاسوب .. ).
عندها يئست من قدوم ابنتها . إذ لا يمكنها المجيء في ذلك الوقت و قد انتشر الظلام و لا وجود للنور الكهربائي و لا لطرقات معبدة . كل ما هنالك، مسالك ترابية تحيط بها طابية من الجانبين مزروعة هندي و صبار ، و من وراء الطابية نخيل و زياتين ...و كل ما في المحيط يثير الخوف و الوحشة .. ( بعض كلاب سائبة ..و أرواح شريرة ..)
عندها أخذت الخالة " قميرة " الصحفة و معها إبريق الماء و جزئت عجينة الحناء إلى لقيمات صغيرة
.. و أخذت تبتلعها الواحدة تلو الأخرى ، مع شربة ماء في كل مرة.
و أقبلت من الغد ضاحكة وهي تقول " اقتربوا مني و تنعموا .. من اليوم أصبحت أنفاسي تفوح بعبق الحناء .."
محرزية القريتلي قدور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق