...............
حشاني زغيدي
..............
قبسات من أخلاق الرسول صلى الله عليه و سلم
لا عجب أن يثني الله عز و جل على رسوله محمدا صلى الله عليه بأفضل المزايا و بأفضل وصف ، يثني الله عز وجل على رسوله بتلك التزكية الربانية ، يثني عليه بتلك الشهادة التقديرية الرائعة في قوله تعالى ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4﴾ من سورة القلم . كأن تلك الشهادة عنوان كبير تتمحور حوله صناعة الحياة ، فإذا كان أسمى الغايات توحيد الله و إقرار عبوديته ، فإن ملاك ذلك لا يكون إلا بتلك الثمار التي يولدها صدق الإيمان و تلك الأخلاق التي يولدها صدق التعبد مصداقا لحديث رسول الله الجامع فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً , فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ, وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ , وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ " .
. و لكم أن تتمعنوا في الصور المشوهة في حياتنا ، نماذج مشوهة ، و حقائق مزورة ، تدعي صدق الوصال و حبالها مقطوعة ، نعرف من صفاتهم و تنكر.، و العجيب أن تأثير تلك الصور المشوهة ولدت ردود أفعال عكسية ، في أذهان غير المسلمين ، هول تلك صور مشوهة وتلك القصص المرعبة المخيفة ، نماذج مشوهة لبست ثوب الإسلام زورا . فخداع الناس بالصور المشوهة يصرف غير المنتسبين عن معرفة جماليات الإسلام ، المشكلة يزيد وقعها حين يكون للمبادئ الصحيحة قدوات مشوهة ، لهذا خص الله رسوله بميزة متفردة ينبني عليها دستور الأمة ، فالأمم تبنى بمعالم الصلاح ، فكان حسن الخلق الركن الحصين في حياة الأمة و الناس جميعا .
إن إهمال الجانب الخلقي في حياتنا له تأثير كبير على صرف المدعوين فالخلق الفاضل له مفعوله قوي في التأثير ، أن صاحب الخلق المتين ، يأسر المشاعر لأن النفس السوية ترفض سوء الخلق ،في التعامل ، يكفي المرء نبلا أن ينزع شهادة حسن خلقه من زوجته و أهله و قومه ، ينتزع من جيرانه ، ينتزعها من خصومه و أعدائه ، بل يفتكها افتكاكا من محيطه الاجتماعي ، شهادة إقرار و عرفان ، و هذا ما أتبنته السنة المطهرة ، حين تقف عند هذه الكلمات القليلات الحاملة للرسائل من خلال وصف السيدة خديجة رضي الله عنها لرسول الله تخصه بأوصاف حملة الرسالة الهادية ، تخصه بأوصاف لا غنى عنها لكل مسلم ، بل بأوصاف الإنسانية في أمس الحاجة إليها ، أوصاف يحتاجها الدعاة اليوم في تبليغ الحق و الهدي ، فلنمعن النظر في هذه الكلمات المسكنة لروع رسول الله تقول رضي الله عنها : "كلا ، أبشر ، فو الله لا يخزيك الله أبدا ؛ إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق".
. و في السياق نفسه نستعرض وصف السيدة صفية بنت حيي رضي الله عنها لرسول الله قالت "ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم " - رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن
و حين سئلت أم المؤمنين عائشة عن خلق رسول الله فكانت الشهادة ناطقة قالت رضي الله عنها رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام ، قالت : " كان خلقه القرآن " صحيح مسلم.
و لما سأل رسول الله قومه و هم على كفرهم و هو يدعوهم ، كانت هذه الشهادة المدونة في كتب الحديث
وقد روى البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : "لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] صعِد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا ، فجعل ينادي : يا بني فهر ، يا بني عدي -لبطون قريش - حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا ؛ لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش ، فقال: «أرأيتكم لو أخبرتكم أنَّ خيلًا بالوادي تريد أن تُغير عليكم أكنتم مُصدقيّ َ؟ » قالوا : نعم ، ما جرَّبنا عليك إلا صدقًا. قال : «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد » . فقال أبو لهب : تبًّا لك سائر اليوم ، أ لهذا جمعتنا ؟ فنزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ . مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}
إن الأعداء لسوا بلهاء أو حمقى كما نعتقد ، إنهم يسألون عن حقيقة هذا الدين و أهداف هذا الدين من صور أهله ، من صور من يمثلونه ، فالمسلم في تصورهم سفير دعوته ، سفير دعوته بأخلاقه عند الأمم الأخرى ، فإن رأوا جمال أخلاقه كان الإقبال و الترحيب ، و إذا كان العكس كان التشويه و النيل من سمو و علو مبادئ الإسلام الحنيف . و من هنا فعلى كل مسلم أن يستشعر عظمة الرسالة السمحاء ، التي وكلنا لنكون سفراءها لهذا العالم ، ليكون الأتباع مثالا صحيحا للإسلام الذي جاء به صاحب الرسالة الخاتمة في كماله و تمامه . و قد وجدت من خلال التقصي في السيرة النبوية رسالة رسول الله لهرقل التي دعاه فيها للإسلام ، فكان التقصي و البحث من هرقل نفسه ليستجلي حقيقة هذا الدين ، بالسؤال عن هوية صاحب الرسالة من الصحابي الجليل أبي سفيان وكان يومها على دين قريش .
روى البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن عبد الله بن عباس : (أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ؛ وكانوا تِجَاراً بـالشام في المدة التي كان رسول الله عليه الصلاة والسلام مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش ...) هرقل جاءته رسالة النبي عليه الصلاة والسلام فأراد أناساً من قوم النبي عليه الصلاة والسلام ؛ ليسأل عن حاله ، فعُثِر على أبي سفيان وكان مشركاً مع بعضٍ من كفار قريش؛ وقد كانوا تُجَّاراً بـالشام ، فأُتِي بهم إلى هرقل .قال : (... فأتوه وهم بـإيلياء ، فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ، ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال : أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان : فقلت : أنا أقربهم نسبا فقال أدنوه مني ، وقرِّبوا أصحابَه فاجعلوهم عند ظهره ، ثم قال لترجمانه : قل لهم: إني سائلٌ هذا عن هذا الرجل ، فإن كَذَبني فكذِّبوه ...) سأسأل صاحبكم الذي يجلس أمامكم وهو أبو سفيان عن صاحبكم ، الذي هو النبي عليه الصلاة والسلام ، فإن كَذَب في الإجابة فبيِّنوا لي أنه قد كَذَب .(يقول أبو سفيان : فو الله لولا الحياء من أن يأثِروا عليَّ كذباً لكذبت عنه.ثم كان أول ما سألني عنه أن قال : كيف نسبه فيكم؟قلت : هو فينا ذو نسب. قال : فهل قال هذا القول منكم أحدٌ قط قبلَه ؟ قلت : لا. قال : فهل كان من آبائه من ملك؟قلت : لا.قال : فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم ؟ فقلت : بل ضعفاؤهم.قال: أيزيدون أم ينقصون ؟ قلت : بل يزيدون .قال : فهل يرتد أحدٌ منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه ؟ قلت : لا . قال : فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟قلت: لا.قال : فهل يغدِر ؟ قلت : لا. ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعلٌ فيها -نحن الآن في مرحلة صلح الحديبية في هدنة معه لا ندري ماذا يفعل فيها ؟ - قال أبو سفيان : ولم تُمْكِني كلمةٌ أُدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة) أي : ما استطعت أن أدخل دسيسة في الجواب إلا في هذا الموضع . (قال : فهل قاتلتموه ؟ قلت : نعم . قال : فكيف كان قتالكم إياه ؟ قلت : الحرب بيننا وبينه سجال – يعني : تناوب في الانتصار ، مرة لنا ومرة له- ينال منا وننال منه .قال : ماذا يأمركم ؟ قلت: يقول : اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة ، و الزكاة ، والصدق ، والعفاف والصلة " .
و لهذا كان من ركائز التربية الإسلامية التركيز على مبدأ التربية قبل التعليم لأن النبيَّ صلى الله عليه و سلم لخص شريعة الإسلام وعقيدة الإسلام ، وأحكامَ الإسلام في هذه كلمات " إنما بُعِثتُ لأُتَمِّمَ مكارم الأخلاق "
الأستاذ حشاني زغيدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق