الأربعاء، 31 مارس 2021

 ..............

صالح سعيد/ تونس الخضراء

................



مَسَّاحُ الشَّوَارِعِ.
هذا مَسَّاحُ الشَّوارِع،
في الطَّريقِ لا يُخادِع،
يَحْمِلُ الحُلْمَ دفيئًا ويُصَارِع
يَكْنِسُ بَغْيَ السَّبَايا وَحَمَاقَاتِ التَّوَابِع..
فِي دُرُوبِ الشَّوْك يَسْرِي مِثْلَ رَبَّاتِ المَزَارِع..
هَذَا مَسَّاحُ الشَّوَارِع، يَرْفُضُ البُدْلَة الجَدِيدَة
وَالثَّنَاءَات العَدِيدَة..
يَرْفُضُ الجَلْسَة الوَثِيرَة وَالوَلاَءَات الحَقِيرَة
وَيُمَانِع وَيُصَارِع كُلَّ أَشْكَالِ الرَّذِيلَة.
قَالَ لِي ذَاتَ صَبَاحٍ وَأَنَا أَعْتَامُ أَشْوَاقَ النَّهارِ:
"عِمْ صَبَاحًا أيُّها المَفْتُونُ بِالدَّرْبِ الطَّويلِ،
حَاجَتِي سِيجَارةٌ تُشْفِي الغَلِيل،
كَدَّني اللَّيْلُ الطًّوِيل،
هَدَّني يَأْسٌ عَمِيقٌ مِنْ صِرَاعَاتِ الحَمير".
وقَف الدَّربُ بخَطْوي وانْثَيْتُ..
وتَنهَّدْتُ عَمِيقًا وَاهْتَدَيْتُ..
كَانَ فِي جَيْبي بَقايا مِنْ نُقُودٍ
وبِتَارِيخِي شُعَاعًا مِنْ كَرَاماتٍ وَجُودٍ.
قُدْتُ مسَّاحَ الشَّوارع لِمَكَانٍ لاَ يُضَارَع،
جَلَسَ المِسْكينُ شوْقًا لِأَحادِيثِ المَوَانِع..
أَخَذَ نَفَسًا عَمِيقًا وارْتمَى يَشْكُو الفَوَاجِع..
قَالَ: "للرَّبِّ دُرُوبٌ لاَ أرَاهَا،
حَازَها الأَرْبَابُ قَهْرًا واسْتَمَرُّوا فِي حِمَاهَا..
صَادَرُوا حَقَّ اليَتِيم..
أبْرَمُوا حِلْفًا جَديدًا،
سَلَّمُوه للرَّجِيم.
سَانَدُوا الشَّيْطَانَ قَصْدًا، شَجًّعُوهُ كَيْ يُقِيم.."
كُنْتُ أُصْغِي باهْتِمَام،
كانَ في الصَّدْعِ جُرُوحٌ غائِرَة،
هُوَ مِنْ جُرْحِي الأَلِيم
هُو جُرحُ الأنْبِيَاء فِي مُنَازَلَةِ الطُّغَاةِ
وَمُبَارَزَةِ العُتَاةِ
هُوَ مِن جُرْحي الكَلِيم..
هُوَ جُرحُ الفَقْد أدْمَاهُ اليَتِيم...
قُلْتُ فَضْلاً: "عِشْ عَزيزا، أيُّها المَسَّاح..
أنْتَ فِي الأَرْضِ نِبْراسُ الفَلاَح..
إِنَّ إبْلِيسَ خَبَّرني ذَاتَ صَبَاح،
أنَّ أرْبَابَ المَدينَة لَبِسُوا حُزْنَ الوِشَاح..
أيُّهَا المَسَّاحُ، يَا بَوْحَ الضَّمِير،
فِي ثَنَايَاكَ بَذْرَةُ الخَلْقِ الأَصِيل،
سِرُّكَ سِرُّ السَّمَاء
سَتُشِعُّ ذَاتَ يَوْمٍ مِثْلَ بَدْرٍ فِي عُلاَه.."
ضَحِكَ المِسْكِينُ شَوْقًا لِزَمَانِ الأَنْبِيَاء..
ثُمَّ عَادَ لِلطَّريق، يَكْنسُ شَوْكَ الشَّقِيق..
يَدْحَرُ بَعْرَ النَّهِيق
ويُغَنِّي لِلطَّرِيق...
صالح سعيد/ تونس الخضراء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق