الأربعاء، 31 مارس 2021

 .................

طارق منور

...............



#رحلة الحروف الحلقة 12
هاهي العطلة الصيفية تسحب أيامها وعصام يمضي جل وقته صحبة رفيقي دربه كركوبة و الزين... انها ايام مستنسخة من يوم حرارته عالية مقاهي متخمة بالشباب وكل الحوارات تدور حول البحر و رحلاته.. تونس للمقتدرين وشواطىء عنابة و سكيكدة لقليلي الدخل، أما عصام فاوشك ان يصبح عاملا في دكان كركوبة.. ربما يريد أن يملأ يومه يقتل وقته لكي لا يفكر!!! لا يفكر في ماذا؟ لا تكن غبيا.. لا يفكر في حبيبته مريم...فقد غاب الصوت ورحلت الصورة... نعم هو السبب في الخلاف لكن القلب يرق و يحن فما بالها نسيت او تناست؟؟؟
هاهو ينزل السلعة الجديدة مع كركوبة حين وصل الزين يدخن سيجارة و يحمل كوب القهوة الذي لا يفارق انامله :صباح الخير عليكم يا شباب...، كركوبة : مالك منفوخ العينين كانك ملاكم أنهى لتوه منازلته؟؟ أجاب الزين بصوت متثاقل يسحب الكلام سحبا : لقد استيقظت الآن فقط!!!... سهرت البارحة مع عدة افلام... ضحك كركوبة ثم التفت إلى عصام و هو يقول : انظر إلى مستقبل البلاد شباب الجامعات... هذا هو الذي سيحول الجزائر إلى يابان!!!! عصام لم يكترث لهذا الحوار.. فنظر كركوبة إلى الزين باستغراب لهذا الصمت الذي لم يكن مالوفا على عصام فنطق الزين : آااااي... نحن هنا يا عصاااااام اين انت سيدي المعلم؟؟؟ فلتقتطع لنا من وقتك قليلا !!! لكن عصام لم يجبه قط فاعاد كركوبة السؤال وقال : با عصام ماذا بك يا رجل صاحبك يكلمك.. فرفع راسه والتفت لينظر في الزين: ماذا؟؟؟ كلمتني؟؟ فرد الزين : ياااااا سيدي !!!! يبدو أنك مغيب تماما.. ما الأمر؟؟ لم ينبس عصام ببنت شفة لكن سريعا كان رد كركوبة : انه القلب يا صااااح.. نعم القلب.. صاحبنا نهشته الوحدة و الحنين اطبق على فؤاده... هههه،الزين : هل هو الحنين لمريم يا عصام؟؟؟ هنا اطرق عصام راسه في الأرض و رد بحرقة العاشق الولهان : سبحان الله... لم تكلف نفسها حتى الاتصال والاطمئنان علي!!!
صاح في وجهه كركوبة : والله ان لوجهك من القصدير!!! تعنف الفتاة و تهجرها ثم تستغرب لجفاءها و البعد.. هنا نطق الزين بنبرة الغاضب : انك تظلمها، يا عصام... لقد التقيتها مرتين أتت على نفسها و كسرت حاجز الحياء كلمتني لتسال عنك و عن أحوالك لذا ارجوك... لا تسق اتهاماتك الجائرة.. سكت عصام ولم يدافع عن موقفه لكن الغبطة غشت على قلبه وتيقن ان جذوة حبه مازالت مشتعلة عند حبيبته و الود مازاااال حيا فيها.
في تلك الأيام.. أتم نور الدين ورشة البناء في المدرسة... جاء الجريدي و ركب باب الغرفة و النافذة.. وهاهو نورالدين سيبدأ دهن الجدران فانتقل بسيارته الى الضلعة ليحضر مواد الدهن و مستلزماته فتفطن حين سيره لنظرات المارة و المواطنين تلفها ريبة جد غريبة تنم ربما عن استحقار لشخصه.. تذمر منه!!!! نورالدين شخص محبوب و كل الشرائح تتجاوب و تتواصل معه.. ما الأمر ؟ ماذا جرى؟ هل وباء الحاج حسين البلوطي عم في دواخل الناس؟ لم يطل عليه التعجب فقد دخل إلى دكان الوردي الشمامي لاقتناء الزيت و بعض المستلزمات التي اوصته عليها امه الغالية فراى نفس النظرة عند الحاج الوردي فلم يحتمل كتمان السؤال : ما الأمر الحاج الوردي وكأني عدو كل اهل الضلعة اليوم؟؟؟ هيا هات ما عندك وافصح... تنحنح نورالدين اطرق راسه و هو يلف قالب الصابون في ورق جريدة ثم نطق على استحياء : لا يوجد شيء... لكن كل الاهالي يستغربون لهرعك و حماسك لهذا المعلم بينما تغيب عن مجالس أخرى و تختفي... احمرت عينا نورالدين واحس ان ضغط دمه يتصاعد بوتيرة كبيرة ولم يتمالك شعوره الا و هو يضرب طاولة الحانوت comptoir بيده حتى تطايرت حبات الحلوى التي كانت متراصة في أكياسها ونطق بصوت عالي : سبحان الله.. حين يأتي معلم ليدرس لابنائكم واحاول ان اوفر له ضروريات الإقامة كي لا يهرب كسابقيه تغتاظون لهذا التصرف و تصنفون نورالدين في خانة المداهن و المقصر.. مقصر لاني غبت عن مجلس مساندة العيد الشمامي في الانتخابات او الذوادي ولد العربي الصرحاني او... او... الله عليك!!! اي قوم انتم؟ اي صنف من البشر تكونون؟؟؟ دفع له ثمن السلع وقال له الحقني إلى المقهى.. عرج على دكان سيوفة (سيف الدين) اقتنى لوازم الدهن وأخبره هو كذلك بالالتحاق بالمقهى... دخل نورالدين إلى المقهى وقد كانت الساعة تشير للساعة العاشرة صباحا حر قائظ في الخارج اما في الداخل كان المقهى يعج بمرتاديه وسط دخان السجائر و جلبة الجالسين صيحاتهم و قهقهاتهم.
ضرب يده على الطاولة بقوة فالتفت الجميع يرمقونه بالاعين هو الذي قطع حبل الحوارات و الجلسات، مسح نور الدين بعينيه يمينا و يسارا كل وجه كل سحنة كان يمعن في الأعين و يركز ثم قال : ايها الناس انتم لا تريدون التغيير... نعم انتم قوم تجيدون الشكاوى، البكاء و التنظير هي الثلاث التي تجيدونها هنا قاطعه يوسف الصرحاني وهو عضو في جبهة التحرير : توقف عن الصياح يا نور الدين.. فصاح فيه نور الدين : لن اتوقف يا يوسف لن اتوقف.. انت أولادك درسوا وهم في الجامعة وأراك الآن تشغل اولاد الفقراء في أرضك خماسين لذا فانك لست اهلا للكلام... انكتم صوت يوسف و كأنه بلع لسانه، ثم ادار نورالدين يخاطب الجميع : اسمعوني جميعكم حان وقت تغيير ذهنياتكم سلوكاتكم.. انظروا لاولادنا ليس فيهم من تعلم و سار إلى الجامعة... وهنا لمح الحاج عمران وهو أمام الضلعة لمحه مارا جنب المقهى فناداه وهو يقول : تعال يا حاج.. حضر الحاج عمران وقف في مدخل المقهى أراد نورالدين اشهاد الأمام على أقواله ثم واصل بنبرة اللائم : يا شيخ ألم تكن اول كلمة في القرآن اقرا؟ بدت علامات الحياء على السيد الإمام وكأن نور الدين قد أصابه في الصميم ثم اردف نورالدين : الا تستحون؟...الا تخشون سؤال الله تعالى عن أولادكم؟ وكيف ربيتموهم كيف درستوهم؟؟؟ آآآآآه... فهمت... انتم بارعون فقط في جمع المال و زيادة الاغنام... انا سانصرف الآن لكن قبل ذلك أدعوكم لارسال أولادكم يدرسون... و احذر كل من تسول له نفسه ان يسيء لهذا المعلم و الذي لعلمكم ابن سي منور بولشواط الشمامي.. يعني هو منكم و إليكم.
طارق منور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق