الأربعاء، 31 مارس 2021

 ..................

أ. عبدالاله ماهل

..........



يوميات سائق
الحلقة العاشرة
ومن بعيد لاحت له سيدة، ترتدي جلبابا يميل إلى السواد، تمسك بيد حقيبة غليظة، تكاد تهويها ارضا، وتلوح باليد الأخرى، وبصوت مخنوق: تاكسي... تاكسي...
لم يشأ أن يستوقف عندها؛ لاعتبارات يخبرها هو وحده دون سواه.
تجاهلها على التو، وتجاوزها إلا أن نداء الضمير لم يستطيع معه صبرا، مما جعله يتراجع إلى الوراء إلى حيت هي.
سيدة في مقتبل العمر، ترتدي عباية، حجبت كل معالمها اللهم تلكم العينان البراقتان، اللتان توحيان ان تمة جمال فائق الخيال، يختبئ وراء هذه السترة.
واقفة متسمرة مكانها، تنتظر وعلى أحر من جمر الغضا من يقوم بإيصالها آخر الشارع حيت محطة القطار.
تلتفت ذات اليمين وذات الشمال؛ وكأنها تتهرب من واقع مدركها لا محالة، ولا ملاذ لها سوى الهروب ولا شيء غير الهروب.
وعلى عجلة من أمرها، دحرجت الحقيبة إلا أنها لم تقوى على حملها. هزت تلكم العينين الى السائق؛ تستنجده الخلاص.
لم يعبء لنظراتها ليس عفة منه وإنما خوفا على نفسه من الزلل.
تردد كثيرا؛ ليترجل أخيرا من على السيارة. وضع الحقيبة بالأعلى وانطلق صوب الجهة المطلوبة.
إلا أن المسكينة وما كادت تستقر بالأماكن الخلفية حتى خانتها دموعها، فانهارت عن آخرها، وأخذت تنتحب وكأن بها ظلم دفين كان يمارس عليها، أعياها كتمانه ولم يجد إلا التاكسي لينفجر فيه.
عزت عليه، فأشقق لحالها. مد إليها علبة المناديل، فالتقطت بعضها وبالكاد مررتها على وجنتيها.
حاول التخفيف من معاناتها موظفا مصطلحات فضفاضة من قبيل: الحياة جديرة بأن تعاش بحلوها ومرها- كم من حاجة قضيناها بتركها ...
وبعد جهد جهيد خرجت عن صمتها لتخبره أنها مسافرة عند ذويها؛ هربا من جحيم زوج خمار قمار مرتشي.
استمع إليها، ولم يقاطعها إلا لماما لكي لا يفسد عليها حلاوة اللحظة، وهي تفضفض وتخفف من معاناتها.
تابع سيره إلى حيت المحطة، ولم يشأ قطع خلوتها، فاكتفى بها وحدها دون الاستجابة أو الالتفات إلى بقية الركاب.
...وهو على مشارف محطة القطار، إذ بسيارة تعترض طريقه، وبطريقة هوليودية يقفز منها رجل غليظ سمين.
رمى في وجهه بورقة نقدية من فئة عشرين درهم ليجدب المسكينة من شعرها، ويمسك باليد الأخرى بالحقيبة، ويسوقها إلى حيت سيارته، ومن ثم ينطلق بها إلى حيت لا يدري.
عندئذ وقف السائق مشدوها ولم يتفوه ببنت شفة، لا لشيء إلا إيمانا منه، أن صاحب هذه الفعلة لا يعدو أن يكون إلا زوجها ذلك القمار الخمار المرتشي.
...مرت سنين وسنين وذات يوم ومن قريب، لاحت إليه سيدة لم يخطئ التعرف على صورتها جالسة على كرسي بالحديقة العمومية، تداعب صغيرا لها، وعلى الجانب الآخر منها كرسي متحرك يشغله ذلك الشخص القمار الخمار المرتشي.
وكأنه استعبدها وهو في أوج قوته ليستغلها وهو في أوج ضعفه.
راضية مرضية، وكأن لسان حالها يقول: اللهم ظل رجل أو ظل حائط.
كان الله في عونها...
تأليف: أ. عبدالاله ماهل
الدار البيضاء/ المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق