.....................
رشيد مصباح (فوزي)
.................
ضائعٌ بين أقرانه
(رواية قيد الإنجاز)
............................
رشيد مصباح (فوزي)
***
مداوروش في:
٣ صفر ١٤٤٣ هـ
الموافق لـ
10 سبتمبر 2021
***
(2)
مكثتُ في المستشفى شهرا كاملا تقريبا، ثم جاء أبي صباحا يطلب منّي الاستعداد للخروج.
فرحتُ كثيرا وتبعته إلى حيث الباب الخارجي.
في طريقنا إلى البلْدة، كنتُ أحاول تارة تقليد مشية أبي الذي "كأنّما أُنشِط من عِقال"، وتارة أنظر في وجهه المتهلّل، وقد خيّم الصّمتُ لفترة وكرهتُ ذلك، وكنا قد انتصفنا الطريق المعبّد المؤدّي إلى وسط المدينة، بعد قطعنا مئات الأمتار منه.
فتنبّه لي، وارتأى له أن يبادرني إلى الحديث، فقال لي بصوت متموّج يخفي من ورائه مشاعر جيّاشة والابتسامة لا تكاد تفارق مُحيّاه: " هل تستطيع الرجوع وحدك لو طلبتُ منك ذلك؟".
يقصد أن أعود إلى المستشفى عبر نفس الطّريق دون مساعدة رفيق ؟
فأجبتُه دون تردّد؛ إجابة الواثق من نفسه الذي كبُر وبلغ سن الرّشد ولم يعد في حاجة إلى مساعدة من أحد: "أسهل مايكون يا أبي".
فيردّ بابتسامة عريضة تحمل في طيّاتها كثيرا من الإعجاب والرّضا.
وجاء موسم الخريف، وأرتديتُ مئزرا أسودَ فوق بذلة جديدة وحذاءً برّاقًا والتحقتُ بالمدرسة. لا أتذكّر كيف ولا متى ولا مع من وصلتُ إلى المدرسة، غير أنّي حين سمعتُ أسمي وأنا في السّاحة سارعتُ إلى معلّمي واصطففتُ أمام الفصل مع بقية التلاميذ.
وكان معلّمي ( سي الطيّب) رحمه الله فنّانًا بما تحمل الكلمة من معانٍ جميلة، يعشق كل أنواع الفن بما في ذلك الرّسم، وكم تفاجأتُ حين ولجتُ إلى داخل القسم بتلك اللّوحات الجدارية المميّزة التي ازدانتْ بها جدرانه الأربعة.
انشغلتُ بالواجبات المدرسية، عن اللّهو واللّعب في الخارج. لكن بقي هناك إشكال في اللّغة العربية التي وجدتُ صعوبة في التأقلم معها، سيّما وأن بعض الألفاظ "الشّاوية" التي حسبتني قد تخلّيتُ عنها بمجرّد احتكاكي بأقراني "البلْدية" بقيتْ عالقة بلساني. وكانتُ والدتي -طيّب الله ثراها- تشجّعني على المثابرة وتشاركني في تهجئة الكلمات. وجاء اليوم الذي طلبتْ منّي أن أُعرّف لها بعض الصور، وحين وصلتُ إلى صورة الهلال وبدلا أن أسميّه باسمه خانني لساني "الشّاوي" أو "الشّعراوي" وتلكّأ ثم انطق ليقول: "يورٌ" وهو اسم الهلال بالشّاوية. وعلى الرّغم من ذلك فقد كانت نتائجي في السنة الأولى ابتدائية طيّبة، وكنتُ أحصل على المراتب الأولى. وكذلك في السنة الثانية، لكن في هذه السنة تتلمذتُ على يد(سي السبتي) وكان قمّة في اللّطافة والأخلاق، ولايزال حيّا يُرزق-حفظه الله ورعاه وأمدّه بالصحّة والعافية-، وهو ابن "الطّالب" (سي أحمد) الشيخ معلّم القرآن الذي كان له الفضل فيما أحمله الآن من بعض السوّر -عليه رحمة الله الواسعة- وكانت النّتائج نفسها تقريبا ومع ذلك فقد حصلتُ على المرتبة الأولى في الثلاثي الثاني على ما أذكر، لكنّي لم أكن مقتنعا بهذه المرتبة لأنّه كان هناك من هو أفضل منّي. وكذلك في السنة التي تلتها، غير أن مستواي أخذ يتذبذب شيئا فشيئا نتيجة خلافات نشبتْ بين الأبوين، وكانت نتائجها عليّ وخيمة.
يتبع .../...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق