..............
د. أسامه مصاروه
..............
قالت:
16
حبيبي، أنا في دوّامةٍ تدورُ برأسي، إنّها دوامةٌ فكريّةٌ، فلسفيّةٌ، أخلاقيّةٌ وإنسانيَّةٌ، دواماتُ البحارِ لا شيءَ بالمقارنة بها. وأنا متأكِّدةٌ أن الكثيرينَ غيري قد مرّوا بها وغيرُهم بالتأكيدِ سيمرّون بها. والسؤالُ الذي لا بدَّ منه ما هي نسبة التأثر بها. فالبشرُ ليسوا على طبيعةٍ واحدةٍ أو مزاجٍ واحدٍ أو عقليّةٍ واحدةٍ.
والآن أدخلُ وادخِلُكَ معي إلى قلبِ الدوّامة أو بتسميةٍ أخرى عيْنُ الإعصارِ.
العدالةُ وما أدراكَ ما العدالةُ؟ أمسِ شهدتُ محاكمةَ أحدِ جيراني، لا تسألْني عن ماهيّة القضية، هذا ليس مهمًا بالنسبة لي طبعًا، ما يهمُني بشكلٍ خاصٍ، أنَّ المحكمة أدانتْ جاري وحكمت لصالح الطرف الآخر، مع أنّني متأكدةً أن جاري هو صاحبُ الحقِّ في القضية، كيف عرفتُ؟ لأنّني أنا من دفعَهُ للجوءِ إلى العدالة. أنا المسؤولة عن ذلك بل وأكثر من ذلك، أصبحتُ المسؤولة عن خسارتهِ القضيّةِ. حتى وإنْ لمْ يتهمْني أو على الأقلِ يلومْني، رأيتُ كلا الأمرْين في عيْنيْهِ. والغريبُ أنَّ جاري كان يصرخ " أهذه هي العدالةُ يا ربي؟" والآخر يضحكُ ويحاولُ إقناعي بأنّ العدالة إلى جانبهِ.
فما هيَ العدالة، يا حبيبي؟ ما هيَ؟
في الحقيقة يا حبيبي سبقَ لي أنْ صرختُ داخل نفسي أو بصوتٍ مسموع لستُ أدري، سبق لي أن صرخْتُ "أينَ العدالةُ يا ربي؟ عدالتُكَ أينَ هيَ، أين هيَ؟ كيف ترى الظلمَ ولا تفعلُ شيئًا، كيف؟ وكنت أقولُ أشياء أخجل من ذكرها، لكنَّ الإحساسَ بالظلمِ والغُبيِ والقهرِ جميعها أخرست لساني فتردّد الصراخ داخلي ولم يسمعْهُ أحدُ غيري.
أحبُّككككككككك
قال:
حبيبتي، إنّكِ فعلًا تدخلينّني في أكثرَ من دوامةٍ أوْ إعصارٍ. وأنا الغريبُ في وطني في كلِّ مجالٍ من مجالاتِ الحياةِ محرومٌ من كلِ شكلٍ من أشكالِ ما يُسمّى العدالةُ. فللعدالة مفاهيمُ وجوانبُ ومعانٍ وتفسيراتٌ مختلفةٍ ومتناقضةٍ بل ومتصارعةٍ.
أحدُ مفاهيمَ العدالةِ أو مبادئِها أو تجلِّياتِها أو فلسفاتِها يقولُ إنَّ العدالةَ بشكلٍ عامٍ تعني أنّ البشرَ ينالون ما يستحقّونَهُ. ما تفسيرُ ذلك؟ هل للمحتلِّ المستعمِرِ لإسرائيليِّ على سبيلِ المثالِ الحقَّ في قتلِ الفلسطينيِّ، هدمِ بيتِهِ، طردِهِ منهِ ومن أرضِهِ، قطعِ أشجاره ومنعِهِ أوْ حرمانٍهِ من أبسطَ حقوقه كإنسان. بكلماتٍ أكثرَ بساطةً ووضوحًا، هل يرى القانونُ الإسرائيليُّ في قتلِ فلسطينيٍّ على يدِ مستعمرٍ إسرائيليٍّ جريمةً بنفسِ درجةِ الخطورةِ، لو أنّ القاتلَ كانَ فلسطينيًا والمقتولُ مستعمِرًا إسرائيليًا؟ بدون أيّة محاولةٍ للشرحِ أو التفسيرِ أو الإقناعِ الجواب لا طبعًا والإسرائيليُّون قبل الفلسطينيّين يعرفون ذلك، فهم أصلًا لا يرونَ بذلك جريمةً. هذه عدالتُهمْ التي تقضي بما ذكرته أعلاهُ من قتل وهدمٍ وطردٍ إلى آخره، فالفلسطينيّون إذًا يستحقونَ ذلك كلَّهُ، العدالةُ تقولُ ذلك؟ عدالةُ من. هههههه طبعًا العدالةُ الإسرائيليّةُ.
للعدالِةِ المُطلقَةِ أيضًا علاقاتٌ بمفاهيمَ أخرى، الأخلاقِ مثلًا. يجبُ أن تحكُمَ الأخلاقُ العدالةَ، وسؤالي من يحدّدُ هذه الأخلاقَ، وهل تدعو الأخلاقُ الإسرائيليةُ على سبيلِ المثال إلى احتلالِ أراضي الغيرِ بأيِّ وسيلةٍ فكلُّ وسيلةٍ متاحةٌ ومقبولةٌ وشرعيّةٌ طالما مصلحةُ إسرائيلَ على المحكِّ. كلُّ إسرائيليٍّ أو صهيونيٍّ حتى وإنْ لم يكنْ إسرائيليًا يعرف ذلك ويؤمنُ بهِ، فلا فرق بينهما، مصلحةُ إسرائيلَ تأتي في المقام الأوَّلِ. وللحقيقةِ أقولُ إنّني سمعتُ أحدَ عظماءِ إسرائيلَ يقولُ ذلك في إحدى القنواتِ العبريّة. ثُمَّ تفضلوا واسألوهم واحدًا واحدًا.
ثمَّ هل يعرفُ أصدقاءُ إسرائيلَ والمدافعونَ عنها بل والمستميتونَ بالدفاعِ عنها كانّ العربَ يريدونَ القضاء عليها، تذكرونَ ادّعاءَهم بأنّ العربَ يريدونَ قذفَ اليهودِ في البحر. كيف ذلك والدولُ العربيّة تتهافتُ تهافتَ الذبابِ على إسرائيلَ وتتنافسُ على التطبيعِ معها.
أيّةُ عدالةٍ تعرفُها الولاياتُ الأمريكيّة وحلفاؤها الغربيّونَ؟ عجبي!!! طبعًا سأقول أنَّ المصالحَ هي ما تربط الدولَ بعضَها بعضًا وتحكمُ سياساتِها. جميلٌ، لكن أنْ تنصروا الظالمينَ على المظلومينَ!!!! كيف تفسّرون وقوفكمْ إلى جانبِ إسرائيلَ المحتلّة للأراضي الفلسطينيّةِ ومنع الفلسطينيّينَ من نيْلِ استقلالهم؟ كيف يفعلون ذلك؟ طبعًا لولا هوانُ العربِ وضعفُهم وخياناتُ حكامِهم وذلُّهم وأحقادُهم وفسادُهم لما تجرأ أيٌّ كانَ على المسِّ بكرامتنا.
سأكتفي حبيبتي بهذا القولِ فالحديثُ يطول ويطول.
أُحبُّكككككككككِ
د. أسامه مصاروه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق