الأربعاء، 29 سبتمبر 2021

 ..................


على غالب الترهوني

..............




مشاوير ..33..
____________
كان عاشور آخر من تكلم في الفصل .لكنه لم يكتب شيء مما ذكره عن تارغلات قبل قليل .رفع الأستاذ كفيه إلى أعلى ثم قال .لاتصدقون الأساطير. اعتمدوا دائما على الذاكرة .خصبوا خيالكم قدر ما تستطيعون .انهلوا من الواقع ما يزرع في قلوبكم حب الأرض. حب الوطن .حب الخير للجميع .ثم أشار بيده إلى باب الفصل وقال باسما. هيا اخرجوا إلى الدنيا غدا أراكم من جديد ..
أعتدت على المشوار وحدي .لم أنتظر أحد من رفاقي. قطعت الساحة واتجهت إلى المفرق .
مازال الطريق لم يعبد حتى ذلك الحين .غبرة ورمل تنقله الرياح ليسقط على رؤوس الناس مثل الرصاص .لكن شيء ما يدفعني بقوة .أشعر كأن بداخلي حالة من النشوى. هذه الحالة لم أشعر بها منذ زمن .منذ أن كنت رفقة أمي حين قررت ذات صباح أن تزور خالتي في البر الآخر. كانت المسافة لاتقل عن ستة عشر ميلا .كان علينا أن نمر على رأس العيد .حيث تقام على الهضبة مراسم الصلاة مرتان في العام .إختزنا السياج الصنوبري وقطعنا مزارع الزيتون. وكانت فرحتي عارمة حين صعدنا الهنشير. وقفت على الربوة وصرت أتأمل مشوارنا الذي قطعناه. بدا لي أننا أنفقنا أكثر من نصف ساعة .ولكن حين تأملت جيدا رأيت باحة بيتنا تبدو قريبة جدا .قالت أمي بيتنا بعيد الآن لكن الأرض ارتفعت قليلا .والبيت يقع على المرتفع المقابل لذا يبدو لك البيت قريبا .
بعدها قطعنا مسافة أخرى قبل أن نصل إلى مكان الصلاة .جثت أمي على ركبتيها. وقد فعلت مثلها تماما ولم يخطر لي أن أسألها أيضا. تمتمت كثيرا وأخرجت صرة وبعثرت محتوياتها على اللحود. سكان القبور كانوا نائمين جميعا حتى الولي الكبير صاحب الحضوة كان نائما. فقلت .أمي هل أوصيتهم أشياء عني .أسمعها تردد دائما هذه العبارة ..السلام عليكم .السلام عليكم ..ولم أسمع أحد يرد عليها ..
أزالت الغبرة عن ثيابها وعن ثيابي أيضا. ثم استدارت بي خلف اللحود وتفحصنا الطريق مجددا .من هنا .من هذا الطريق هيا نكمل مشوارنا .وأخذت أمسك بتلابيبها حتى وصلنا النهر .مثلما وصلته انا ايضا حيث التقى الواقع بالخيال في ذات اللحظة التى إستعدت فيها ذكرياتي ..
على ضفة النهر كانت الارض أكثر تماسكا .حيث كانت أشجار الزيتون واللوز تميل مع هبوب الريح لتلثم الضفة المنحسرة منذ أكثر من ألف عام ثم تتراجع الأغصان الخضراء مرة أخرى بحركة بهلوانية. استوقفتني الضفة المتوجة بالعشب ورائحة الرثم وكأنما طليت بلون أخضر منقط بصبغة صفراء وحمراء وزرقاء. لوحة سقطت من مدارس الفن لتصبح حكرا على الله المبدع في كل شيء. .
جلست على الأرض كأنني أنتظر من يصف لي المكان. .كم من جميلة من الجميلات إستحمت وخرجت تحجب عريها بدثار من الحرير .كم فارس استوقفه خرير الماء وهو يتدفق بين ضفتين ويحمل أمنيات الناس إلى مواطن مجهولة ..كم من موسيقى عزفت بالقرب منه فأثارت حنين العذارى فرقصن خلف الحجب ..فقلت لو طلب الأستاذ موضوع الإنشاء سأكتب له عما يجيش بخاطري ...
_________________
على غالب الترهوني
بقلمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق