الخميس، 8 ديسمبر 2022

 ..................

د / محمد البكرى

..................



::: {{ المخابرات تحكم العالم - سلسلة مقالات للدكتور / محمد البكرى - }}
[ 5 ] مشكلة المخابرات ..
( خرق الشفرة السرية يساوى نهاية دولة .. فهل تغير الوضع الآن !!! )
[][][][][][][][][][][][][][][][][][][][][][][][][][][][][][][][][]
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
المتابع للحرب الروسية الأوكرانية سيكتشف بسهولة هذا التغير الجذري فى الآتي :
$ أولا : وسائل نقل المعلومات أثناء العمليات العسكرية على الأرض ، وتقنيات الاتصال بين قادة الجنود والمقاتلين ، فى دباباتهم ، ومدرعاتهم ، والمترجلين منهم ، والطيارين المكلفين بالوصول الى مواقع المدفعية ، وبطاريات إطلاق الصواريخ ، لتدميرها والتى غاليا ما تفير إحداثياتها بمجرد إطلاق القذائف .
$ ثانيا : المحاولات الدؤوبة للوصول إلي نوايا العدو ، والأهداف الكامنة لحركته على الأرض ، وهل هي على سبيل التمويه والخداع ، أم أنها تنبأ حقيقة عن الهدف الظاهر والمعلن الذى تشي به النشاطات البادية على الأرض ، حتى أننى لم أتمالك نفسى من الضحك على المقال الذى نشرته منذ نحو عشر سنوات ، عن الصراع علي المعلومات بين الألمان ودول الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية .
*********************
القادة فى ميادين الحرب اليوم ، والمحللين الهواة للمعارك يمتلكون تقريبا نفس المعلومات ، من خلال الأقمار التجارية ، فتلك الأقمار الخاصة تبين للجميع المعارك على الأرض والخسائر لدى الأطراف المتنازعة .
هذا السيل الذي لا ينقطع من صور الاقمار الصناعية ، غيّر المشهد مائة وثمانون درجة ، ولم تعد الجيوش وحدها هى الجهة الوحيدة القادرة علي جمع معلومات استخباراتية عن سير المعارك ، ولم تعد الدول قادرة على إخفاء المعلومات وسير المعارك على الارض .
والحقيقة أن ما أحدثته الأقمار الخاصة لا يوفر ميزة لأحد على الآخر فجميع الأطراف قادرة على الحصول عليها واستغلالها ، وسيجد الجميع أن كل المعلومات الحساسة أصبحت ملكية عامة للجميع .
*********************
بالطبع أنا لا أنكر أن الدول ما زالت تعتمد وسائل جمع المعلومات الاستخباراتية السرية ، وقد رأينا عشرات الجواسيس الروس بين القوات الأوكرانية ، واعترفت أوكرانيا بهذا وقامت بتوقيف من تم اكتشافهم ، وفى المقابل على الجبهة الروسية سمعنا عن الجينرالات الروس الذين تم اسقاطهم من شرفات بمستشفيات يتلقون العلاج فيها ، أو حتى إغتيالهم أثناء المعارك ، نفس الأسلوب القديم ، واعتماد التصفية الجسدية المكشوفه ، لبث الرعب فى النفوس وإحكام السيطرة بأخصر طريق وأقل جهد .
إنها حروب المخابرات التقليدية التى ما تزال معتمدة ، ويكمن وراءها العديد من الجواسيس والعملاء ، فالدول لا تزال تعتمد بشكل كبير على أساليب جمع المعلومات الاستخبارية السرية ، رغم التطور الكبير الذى لحق بوسائل جمع المعلومات ، وليس أدل على هذا من توصل أمريكا لكشف دلائل عن نية الروس لغزو أوكرانيا ، فقد كان المحللون العسكريون الأمريكان يجلسون أمام جوجل خرائط ، ويشاهدون ازدحام المرور فوق العادى على الطرق الروسية المؤدية الى أوكرانيا ، واطلقوا تحذيرات مبكرة عن نوايا الروس .
*********************
* دعونا ننتقل سنوات إلي الوراء لأحدثكم عن الشفرات السرية ..
فمنذ أقدم العصور حرص القادة الميدانيون على استخدام شفرة سرية لحماية الأخبار ، منذ أن كانت تُكتب على جلد رؤوس العبيد بالكى بالنار ، ثم ترك شعرهم لينمو بعد ذلك ليخفي الرسائل ، وحتى العصر الحديث ، حيث ظهرت أجهزة خدمة خاصة مهمتها وضع شفرة سرية ، وفك شفرات العدو ، وبرع الألمان فى هذا ، وفى وقت مبكر ، وبعد الحرب العالمية الأولى كان لديهم مكتب الترميز فى وزارة الخارجية ، ومركز ترميز قيادة الجيش .. الذى كان مندمجا فى جهاز المخابرات – قسم مكافحة التجسس – وتحول قبل الحرب الثانية من المكافحة الى – خدمة اتصالات قيادة القوات المسلحة فى أركان القيادة العليا -
____________________________________
* كان الألمان من قبل ، وفى غمرة الحرب العالمية الأولى ، قد طوروا آلات تشفير جديدة ، وبعد انتهاء الحرب وسنة 1928 م أدخل الجيش الى الخدمة آلة تشفير أسماها ( أنيجما ) .. وهى كلمة يونانية تعنى " الأحجية " .. وهى عبارة عن جهاز مفاتيح نصف أوتوماتيكى ، طبق ما عُرف باسم الاستبدال ، واستخدمه حتى نهاية الحرب الثانية .
وإن كان الجيش الألمانى قد أدرك مبكرا أن حصانتها ليست مؤكدة ، ففى ظل شروط محددة كان من الممكن فك رموز البرقيات . فاستخدم الى جانب ال ( أنيجما ) الإضافة " ج " الى المُبرق ، مما جعلها عصية على الاختراق ، واستخدمت من قِبل دوائر القيادة العليا ، وأيضا أثناء العمليات الحربية ،
وإن كان الإصدارات الإنجليزية والفرنسية والأمريكية الحديثة تؤكد أن البريطانيين استطاعوا فك البرقيات الألمانية فى أوائل الحرب ، منذ سنة 1941 م ، ولعبت الخيانة دور البطولة فى هذا .
____________________________________________
واليكم الأسباب جميعها التى مكنت الحلفاء من هذا :
""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""""
أولا :
الخيانة التى ارتكبها قبل الحرب الثانية ، ألمان عملوا مع أجهزة الاستخبارات المعادية ، وأوصلوا مستندات حول بناء الآلة التقنى .. وقد وثقت السينما لهذا فى أكثر من فيلم .
ثانيا :
الانتهاك المريع الذى مارسته المراكز اللاسلكية فى القوات المسلحة الألمانية تجاه اللوائح التطبيقية المتعلقة باستخدام ( أنيجما ) ، فكوادر سلاح الاشارة لم يكونوا مدربين بالشكل الكافى .. بسبب التوسع الهائل للقوات المسلحة قبل وأثناء الحرب .
ثالثا :
الانجازات البارزة لأجهزة فك الشفرة الفرنسية والإنجليزية ، وقد نجح الإنجليز فى بناء آلة حسابية شبيهة بالكومبيوتر أسموها ( القنبلة ) وكانت قادرة على إجراء عمليات حسابية كبيرة بسرعة ودقة .
رابعا :
الحفاظ على السرية المطلقة ، فى كل ما يتعلق بطريقة عمل آلتهم ونتائجها ، حتى أن الإنجليز لم يخبروا حلفائهم السوفيت ، بنجاحهم فى فك شفرة ( أنيجما )
_____________________________________
# وبالطبع يبالغ الانجليز يحين يقولون أن جهاز فك الشفرة الخاص بهم كان له الدور الحاسم فى المعركة ، ويتناسون دور الاستطلاع الأرضى ، والجوى ، والاستخبارات السرية ، فضلا عن أن القوات الألمانية كانت ، تمتلك وحتى آخر يوم فى الحرب ، شبكة سلكية ممتازة غطت سائر الجبهات تقريبا ، وكانت الفيالق المدرعة تتصل من خلالها بالقيادة ، خلال حرب الحركة السريعة ، حتى أن رئيس اتصالات القوات الألمانية الجنرال " إيريش فلجيبل " كان يقول : " الإبراق خيانة وطنية " ، وكان هذا متأصلا فى دم ولحم كل قائد فى سلاح الإشارة .
وايضا كانت هناك رسائل ترسل فقط بالبريد مثلما كان فى هجوم الأردين ، الذى فاجأ الحلفاء تماما .
ولكن الكل يقر بمدى الضرر الفادح الذى سببه بالفعل ، خبراء الشفرة الإنجليز والفرنسيين للجانب الألمانى .
_____________________________________________________________________
* [ د / محمد البكرى .. عضو اتحاد كتاب مصر ، ورئيس منظمة قبول الآخر لحقوق الإنسان ، ومدير المركز القومى للدراسات الإستراتيجية والأمنية والسياسية ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق