...............
طارق منور
.............
#رحلة الحروف الحلقة 22
رن الهاتف في يوم الخميس بمركز البريد بالضلعة فهو الهاتف الوحيد في البلدية فرفع عامل المحول السماعة : الو من معي؟؟ الطرف الآخر : الضلعة؟؟ العامل : نعم.. الطرف الآخر : معك مديرية التربية لام البواقي، العامل : اهلا وسهلا... كان صحراوي رئيس المركز بجانب العامل و بيده بعض صكوك البريد، العامل : مديرية التربية من ام البواقي سيدي ،صحراوي : وماذا يريدون؟ ؟"العامل : لا ادري سيدي... ثم سلمه السماعة، صحراوي : صباح الخير يا مديرية التربية نعم كيف لي أن اخدمك؟؟، الطرف الآخر : نبحث عن معلم اسمه بولشواط عصام... بهت صحراوي لسماع هذا الاسم ثم قال : واين يدرس بولشواط هذا؟؟ الطرف الآخر : يدرس في مدرسة بقلي العيد فقط أبلغوه أن يلتحق يوم السبت بالمديرية يا سيدي... مضطر لاقفال الخط لأنهم يحتاجونه سيدي... نهارك طيب، صحراوي : شكرا... ثم التفت لعامل المحول وهو متعجب : من هو المعلم بولشواط عصام هذا؟؟ العامل : انه ذلك الشاب الذي يمشي دائما مع نورالدين مدير مدرسة بقلي العيد، صحراوي : اسمع تخرج حالا من هنا وابحث عنه لتخبره انه مطلوب في مديرية التربية يوم السبت.. فهمت؟؟ العامل : حاضر سيدي... أعلم جيدا اين ساجده... ثم خرج مهرولا نحو مقهى المحور دخل يلهث وهو يمسح وجوه الزبائن لكن عصام و نورالدين لم يكونا حاضران فسأل ياسين : ألم يمر السيد نورالدين او معلمه الجديد من هنا؟؟؟ ياسين : لا والله، عمار سنان كان داخلا للمقهى حين سمع ذلك العامل فقال : انا ذاهب إلى دوار البلالطة لاسترجع بعض الصناديق سآخذك إليهم في المدرسة وما هي إلا لحظات حتى وصل عامل البريد للمدرسة فخرج عليه نورالدين حين سمع صوت شاحنة عمار أمام باب المدرسة.. العامل : سيد نورالدين صباح الخير، نورالدين : صباح الخير ما وراءك؟، العامل : لقد وصلت مكالمة من مديرية التربية لام البواقي يقولون ان معلمكم الجديد مطلوب يوم السبت القادم عندهم!!! تعجب نورالدين لهذا الكلام ورد قائلا : ما الأمر لم يمض على الدراسة الا شهر... اي حكاية تخبئها هجه المديرية؟؟
اكمل عصام حصة الصباح فخرج مع الاولاد في الفناء فقابله نورالدين وهو متعجب : عصام... احتاجك قليلا، عصام : ما الأمر يا نورالدين؟ نورالدين : لقد أتى عامل البريد للتو واخبرني انك مطلوب في المديرية يوم السبت القادم!!! عصام : وماذا يريدون مني؟؟، نورالدين : والله اني قلبتها من كل جهة فم أجد الإجابة.. خلاصة القول يستوجب عليك الحضور عندهم يوم السبت على الساعة الثامنة فرد عصام : والأولاد من سيدرسهم؟ نورالدين : سانوبك حتى تأتي فلا تشغل بالك.
في مساء ذات الخميس كان عصام يقل الحافلة و هو يمعن في حقول الجزر بالزبار وفكره مشغول بهذا الاستدعاء المفاجئ حتى أنه لم يخرج عند وصوله إلى عين البيضاء وساله سي منور : ما الأمر يا بني أراك شارد الذهن؟ عصام : لا شيء يا ابي لكن بلغني استدعاء من مديرية التربية ليوم السبت لكني لم أفهم لحد الساعة سبب هذا الاستدعاء، سي منور بحنكته وخبرته المتراكمة هو أيضا تعجب لهذا الأمر واخذ يستنطق ابنه لعله ارتكب خطأ أو بدرت منه اشياءا سلبية لكن عصام أكد انه يدرس ومتابع لبرنامجه حتى أولاده تجاوبوا معه.. غريب والله أمر هذا الاستدعاء ومثلما في البيت جلس في الدكان مع صاحبيه كركوبة و زينو وهو شارد الذهن يفكر في القضية ونفسه ومنى عينه ان يصل السبت في أقرب وقت.
هاهو عصام يشق الرواق بجثته المستديرة وصوت حذاءه الأسود الجديد يثير انتباه الموظفين والمارين.. كان متجها لمصلحة الموارد البشرية التي كان رئيسها السيد بلعابد واستقال بسببه، لقد عينوا مديرا تفوح من سلوكاته رائحة الرشوة والفساد... انه سعداوي الربيع.. دخل عليه عصام والقى التحية فرحب به سعداوي و دعاه للجلوس، عصام : استدعيتموتي اليوم سيدي ولا ادري سبب الاستدعاء... كانت فرائس عصام ترتعد وعرق بارد بقطرات صغيرة شفافة ينزل من جبينه لكن سعداوي لاحظ ذلك ورد : لا تقلق يا عصام استدعيناك للمشاركة في ايام تكوينية ستقام هذا الأسبوع ابتداءا من يوم الثلاثاء، عصام : ولكن يا سيدي أولادي ودروسي في انتظاري، سعداوي : والله ان التعليمة صادرة من مدير التربية وعلى كل حال ستقام هذه الأيام التكوينية في ثانوية الحرية بقسنطينة و يحضرها معلمون من الشرق كله، عصام : وماذا سيكون موضوعها سيدي؟؟ البيداغوجيا في الابتدائي بين الأمس واليوم و سينشطها الدمتورالسوري الياس الأحمر.. صاح عصام بعفوية : الدكتور الياس!!!! انه نابغة البيداغوجيا انا اتابع كل مرة مقالاته في الشرق الأوسط والقبس... سعداوي : إذن ابشر لقد وجدت ضالتك يا عصام... فالسيد غليون حريص على اطلاع مستخدمي التربية وأسرة التعليم على كل ماهو جديد... خرج عصام من المديرية منتشيا بهذا الخبر وركب مباشرة إلى مسكيانة و منها إلى الضلعة فوثل عند الزوال دخل إلى المقهى وسأل عن نورالدين فلم يجده وحين الخروج اقترح عليه بدة السوفي ايصاله في طريقه للمدرسة فعصام شاعت صورته وكل أهل الضلعة يريدون خدمته.. وصل عصام إلى المدرسة ودخل مسرعا نحو قسمه فوجد نورالدين قد أتم الدرس و يدردش مع التلاميذ فدخل عليه وأخرجه، نورالدين : هاه... هات ما عندك يا عصام... عصام كانت غبطته تشع من قسماته فرد فرحا : تخيل اننا سنلتقي الدكتور الياس الأحمر في أيام تكوينية في قسنطينة يا نورالدين ،نورالدين : جميييل لكن متى.. هذه الأيام؟؟ عصام : ابتداءا من يوم الثلاثاء في ثانوية الحرية بقسنطينة، نورالدين : إذن وجب علي النيابة عنك في دروسك!!! عصام : لا تقلق كل ما فاتهم ساعوضه يا نورالدين فلا يمكن أن اضيع هذ اللقاء مع شخص سيفيدني كثيرا في عملي.
في يوم الثلاثاء سافر عصام باكرا إلى قسنطينة فشغفه كان يؤزه ليكون القادم الأول للثانوية الحرية وقلبه مفعم بالحماس للقاء قدوته واحد رجالات العلم لديه...
بدا الوافدون بدخول المدرج واختلفت اللكنات الحاضرة و تقاطعت بين السكيكدية والجيجلية والتبسية... في جلبة كثيرة لكنهم ركنوا للصمت حين دخل مدير ثانوية الحرية إلى المنصة ي أفقه سيد خمسيني محترم لكنه ليس الدكتور الياس الأحمر فهذا الرجل نحيل الجثة عكس الدكتور الياس.. كان الاستغراب يلف كل الوجوه قطع استغرابهم قول المدير : ناسف لكم السيدات والسادة المعلمات والمعلمين لقد اعتذر الدكتور الياس في آخر لحظة لكننا عوضناه بالدكتور عمروس الطاهر دكتور علم النفس التربوي... نزل هذا الكلام كالصاعقة على عصام و تكسر حلمه بلقاء استاذه الذي يعتبر مرجعيته في البيداغوجيا لكن حين احتك بالمشاركين اخبروه بأن السيد الياس الأحمر عوض وكانوا على علم قبل قدومهم إلى قسنطينة.... هنا احس عصام ان هنا أمرا قد حيك في المديرية لكنه لا يعلم تفاصيله غير انه قرر إتمام التكوين لعله يستفيد من هذا السيد الجليل.
في مساء يوم الثلاثاء كان نورالدين يتبضع في سوق مسكيانة حين ناداه شخص من بعيد فالتفت : هاه... هذا انت يا استاذي كيف حالك؟؟ انه الأستاذ رافعي الطيب مدير مدرسة عوادي العربي بمسكيانة رجل خمسيني شارف على التقاعد له من الوقار نصيب : كنت سانتقل إلى الضلعة لأجلك يا نورالدين ،نورالدين : ماذا هناك يا استاذ؟ رافعي : كنت صباحا في المديرية امضي أوراق المحاسبة حين التقيت السيد سعداوي الربيع مدير الموارد البشرية الجديد واوصاني ان ابلغك انك مطلوب لديهم غدا، نورالدين : عجيب أمرهم استدعوا معلمي ثم هاهم يستدعونني ،رافعي : لقد حاولوا الاتصال بك لكن خط الضلعة كان مقطوع... تفارق الرجلان و غاصا في زحمة السوق وأكثر ما كان يشغل نورالدين هو ترك التلاميذ بلا دراسة ليوم كامل.
وصل نورالدين صباحا إلى مكتب سعداوي... لكن السكرتيرة حين تعرفت على هويته اتصلت بحسينة و هو واقف ينظر : الو حسينة لقد وصل السيد نورالدين مدير مدرسة بقلي العيد.. حسينة : ابعثيه حالا فالسيد غليون بانتظاره،... التفتت السكرتيرة لنورالدين : السيد غليون مدير التربية في انتظارك في مكتبه يا سيدي، ففاطعها نورالدين : لكنهم أبلغوني ان لقائي سيكون مع مع السيد سعداوي، السكرتيرة : ستجده عند المدير يا سيدي... حسينة كانت واقفة تنتظر نورالدين وحين لمحته هرولت اليه وقالت : هيا يا سيدي ادخل فالمدير ينتظرك منذ الصباح، دخل نورالدين فوجد المدير في مكتبه وجنبه يجلس السيد سعداوي ورشيد واقف يعد الخطى على طول المكتب.. كانت الحيرة تلف ملامح الرجل وسؤاله ما خطب هذا الجمع؟؟ وقف الطاهر غليون وأسرع ليسلم على نورالدين بضحكة صفراء على غير العادة ثم تلاه الرجلان بعدها جلس مقابلا اياهم، الطاهر غليون : اهلا بمديرنا الشاب اهلا بالمكافح.. كيف حالك وحال مدرستك؟؟ نورالدين : بخير يا سيدي.. لكني لم أفهم استدعاءكم هذا... الطاهر : لا تقلق يا نورالدين سيشرح لك رشيد كل شيء... تنحنح رشيد وهو واقف عند كتف نورالدين ثم قال : لقد ارتات الوزارة هذا العام إعادة بعث مسابقة ما بين المدارس وقد تم اختيار مدرستكم لتمثيل ولايتنا في الجهة الشرقية مع ولايات أخرى... كان نورالدين يتابع كلمات رشيد ومازال لم يستوعب حجم الموقف ثم قاطعه بعد مدة قائلا : وكيف تم هذا الاختيار يا رشيد؟ مدرستنا هي من آخر المدارس في الترتيب انتم تجازفون باسم المديرية وسمعتها بهذا الاختيار والتفت ينظر إلى المدير الطاهر غليون وكأنه يوجه له الكلام... ضحك الطاهر وهو ينظر اليه ثم رد بكل أريحية : هههه... يعجبني في شباب اليوم عنفوانهم واصرارهم للوصول ثم وقف من كرسيه واتجه صوب نورالدين و وضع يده على كتفه : لا تخش شيئا سيكون لك الوقت لتحضير التلاميذ للمنافسة.، وأضاف رشيد : ضف إلى ذلك لقد أرسلنا لك احسن معلم ابتدائي في الولاية إذن كل مقومات النجاح في صفك... اخذ الطاهر غليون الكلمة وهو يضيف.. : والأجمل من كل هذا اني حضرت لك مفاجئة... افتح يا سعداوي
ذلك الملف الذي بجنبك وأخرج مافيه... فتح سعداوي الملف وأخرج مطويات تبدو مطويات إشهار لسلعة ما ثم ناولها للمدير وبدوره ناولها المدير لنورالدين وهو يقول : هذه المطويات هي لمطابخ عصرية وأسرة ارسلها الي مستورد يريد أن يظفر بصفقة لتجهيز المدارس الداخلية و اول من بدر في ذهني هو انت... نعم انت... انت الذي كان حلمك تجهيز مدرستك لنظام داخلي حتى تستوعب كل أطفال الدوار والمشاتي.
كان انبهار نورالدين بجودة المطابخ ونوعية الأسرة ظاهرا لكل حاضر.. حلمه لنظام داخلي سيتحقق و سيضم كل طفل للدراسة... انجرف بحسه نحو هذا الحلم الوردي ولم يسمع نداء عقله الذي صاح يقول انها مسابقة انتحارية لتلاميذه... غليون لاحظ ذاك الأنسياب الذي بدى على نورالدين نحو تلك الصور فانقض عليه ليستثمر في انبهاره : هاته المعدات لك يا نورالدين ان شاركت و شرفت ولايتنا انت و تلاميذك بل وأكثر سامنح لك من الميزانية الخاصة للمديرية مبلغا لإنجاز مكتبة بكتبها... ثم ضحك حتى لمع نابه وقال : هاه... ما قولك يا نورالدين... ؟؟؟
طارق منور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق