................
طارق منور
.................
رحلة الحروف الحلقة 23
حملقت عينا نورالدين في صور المطويات و صار يخالج نفسه يا إلاهي ما أروعها!!! ما أجملها!!! آآآآه لو تركب في مدرستنا سيستفيد كل أبناء الضلعة منها و سيدرس كل طفل عندنا في نظام داخلي... لم تخاطبه خوالجه بثمن هذه التجهيزات و لم يمض تفكيره إلى صعوبة المشاركة في مسابقة جهوية بكمشة تلاميذ لا يقوون أمام تمرين بسيط.. لقد غزا حلم تجهيز المدرسة دواخله لقد نهشه خياله و حمله ليركض به بعيدا يمنيه بتحقيق مبتغاه... نعم حلمه الذي ضحى بمستقبل اوروبي مغري لأجله
في زخم هذا التدافع الذي رنح عقل نورالدين ذات اليمين و ذات الشمال ضرب رشيد بخفة على كتفه فقطع له حبال الخيال الوردي فألتفت إليه غاضبا فقال رشيد: أرى أن عينيك جحظت في هاته المطويات يا نورالدين لكن... فنظر نورالدين بشيء من الخوف فهو يريد الحصول عليها بأي طريقة.. ضحك رشيد حتى برز نابه : لكن يجب عليك أن تمضي على هذا الألتزام.. ثم وضع فوق تلك المطويات الساحرة ورقة مكتوب عليها ألتزام.. فحملها نورالدين و أخذ يقرأ بلهفة يريد أن يتمها بسرعة :
انا الممضي اسفله التزم....... و أن لم أشارك فسأتعرض لمساءلة قانونية وعقوبات إدارية صارمة.... حين أتم القراءة ألتفت إلى الطاهر مدير التربية و صاح بحسرة ملفتة: لكن يا سيدي هذا شرط إنتحاري و تلاميذي ليس لديهم إمكانيات ذهنية لمنافسة تلاميذ المدارس النوابغ... نهض الطاهر غليون و هرول إليه نازعا من يديه ذلك الإلتزام ثم قال بكل وقاحة : إذن للحاجة لك بالتجهيزات و لا حاجة لمدرسة بقلي العيد أن توسع طاقات إستيعابها ثم أضاف رشيد : بل قل لا حاجة لأطفال الناحية بالعلم يا سيدي و دعهم في عمل السخرة أحسن ههههه... ثم تعالت قهقهات الإثنين و نورالدين ناره تتأجج و هو يرى كيف سيتبخر حلمه و تضيع فرصته فحركه جنونه و ساقته عبثيته فوقف و صاح : بل سألتزم و أشارك لأخذ التجهيزات و فورا أعطاه رشيد الإلتزام فأمضى عليه و هو يرتجف.
... عاود صراع نورالدين يطفو في أفكاره : ماذا فعلت يا غبي هل فقدت جادة الصواب؟؟؟ كيف ستشارك في مسابقة بتلاميذ أبرياء لا يتقنون الحساب و الإعراب.. كيف... كيف؟؟؟؟. سيكون خصومهم من جهابذة العلم من مدارس المدن هل أتى عليك الجنون؟؟؟ ألهذا الحد؟؟؟ فيقاطعم صوت الأحلام : سيكون لي وقت لإعدادهم و تدريبهم... سيشاركون بروح عالية و سيفوزون و بهذا أحقق حلم المدرسة بنظام داخلي.
ألتحق عصام في يوم الجمعة و هو لا يدري شيئا من حوار مديرية التربية مع مديره نورالدين.. دخل المقهى و سأل ياسين عن نورالدين فأخبره أنه لم يأت... خرج عصام و قلبه مقبوض و حدسه يتكهن بوضع ليس بالجديد.. و بيننا هو في حافة الطريق أمام المستوصف ينتظر من يوصله من السيارة و إذا بنور الدين يلوح بسيارته الزرقاء و مين ألتفت لمح عصام فتوقف و أقله .. و بعد السلام.. أنفجر الإثنان في وقت واحد يريد كلاهما أن يكون له السبق في السرد و الأخبار لكن عصام أسدى الدور لنورالدين فأستهل قائلا : لقد أستدعوني للمديرية ليمنحوني عرضا.... كان نورالدين يتكلم و هو يسوق فثار فيه عصام كالثور الهائج وكأنه بدأ يتحسس خيوط المكيدة و قال : أوقف السيارة يا نور الدين... نورالدين : ماذا ؟؟؟ عصام بنبرة عالية : قلت لك أوقف هذه السيارة اللينة أرجوك... تنحى نور الدين جانبا و أوقف محرك السيارة قائلا : ماذا جرى ماذا بك يا عصام؟؟ عصام : أي عرض هذا الذي منحوك يا نورالدين؟ ؟؟ نورالدين : هون عليك لم كل هذا الصراخ؟؟؟... زاد صياح عصام و هو يقول : حلفتك بالله يا نورالدين تكلم فقد فاض كيلي...أحس نورالدين بأنه وقع في شرح الغدر حين رأى عصبية عصام فرد بصوت خافت متضعضع : لقد أقترحوا علي تجهيز المدرسة بمعدات و أثاث لتطبيق النظام الداخلي و إستيعاب عدد أكبر من التلاميذ، عصام : و كيف تفطنت هذه المديرية الجزيلة العطاء و تفكرت أن هناك أطفال بلا دراسة..تكلم يا نورالدين.. و ماذا كان المقابل ؟؟؟ هنا دارت عينا نورالدين في كل صوب إلا صوب عصام و أحمر وجهه كما الطماطم فأمسك عصام على ذراعيه بقوة و هو يصيح : تكلم ياااااا نورالدين مااااذا كان المقابل ؟؟؟ و إلا لكمتك في وجهك هيااا ا أنطق... نورالدين : لقد جعلوني أمضي على إلتزام... هاج عصام و أحمرت عيناه و صاح : إلتزام؟؟!!!! أي التزام؟؟ تلعثم نورالدين في كلامه و رد بإستسلام : إلتزام يشارك بموجبه تلاميذنا في مسابقة ما بين المدارس للجهة الشرقية.. هتا نزل عصام و هو يصيح أمام هول ما سمع.. ماذا تقول؟؟؟ مسابقة؟؟... كان يضرب يديه في رأسه و صياحه ملأ المدى بعد أن غربت الشمس على اراضي البلالطة... عصام : تقول مسابقة!!!! ثم صار يضحك بهستيريا مجنونة و يقول لنورالدين انت تمزح يا صاحبي... صح؟؟؟ ههههه. صح.. انت تمزح.... نزل نورالدين مطأطأ الرأس و هو يقول : لا يا صديقي أنا لا أمزح هي الحقيقة... صار عصام يجري و يدور و يضرب التراب بحذاءه و هو يقول هل فقدت عقلك لكي تمضي هذا الإلتزام؟؟؟ أتشارك بعيسى قشقوش و الظاهر بولخرد؟؟؟ أتقحم هؤلاء الأبرياء في لعبة إنتحارية؟؟؟ أنظرت إليهم؟؟ مساكين لم يعرفوا حتى أبجديات الدراسة... لكنك لم تفكر فيهم... فحملق فيه نورالدين متعجبا، عصام : نعم لم تفكر فيهم.. كل ما كان يهمك ان تصنع حلمك أن تحقق مجدك فتظهر في النهاية البطل الهمام.. هنا رفع نورالدين يديه و ضربها بقوة على غطاء المحرك : كلا و الله.. كلا لم أفكر في نفسي و لا إنجازي.. ثم راح يقترب من عصام و أمسكه من سترته قائلا : لو فكرت في نفسي لذهبت إلى أوروبا و كونت مستقبلي هناك يا رجل.. لو كنت أنانيا لما أقحمت نفسي في تعليم لا طائل منه سوى المتاعب، فقال عصام بغضب : غير صحيح... هذا غير صحيح... فتأججت نار نورالدين و رد بشيء من الحزن لما يسمعه : و الله إني لصادق في قولي يا رجل أعلم أنهم أوقعوني في الفخ لكني كنت أصبو لتوسعة المدرسة... كنت أحلم أن يتعلم كل أبناء قريتي كان هدفي إخراجهم من قبضة الجهل و الأمية..
وفجأة أنهار نورالدين ساقطا أمام عجلة السيارة و هو متحسر.. فأحس عصام أنه نال من الرجل و جرح إحساسه و تمادى في إستفزازه فهرع إليه و أوقفه عانقه و هو يقول : آسف و الله لأني جرحتك.. أعلم نقاء سريرتك لكن هؤلاء الأشخاص لا يحبون الخير لهذه المنطقة.. هيا قم و هدىء من روعك و أحك لي تفاصيل القصة.
نهض نورالدين و سرد ما جرى له في مكتب الطاهر غليون فسأله نورالدين : هل كان رشيد حاضرا؟ فرد نورالدين : بالطبع فهو من سلمني ورقة الالتزام... هنا صاح عصام : الان فهمت كيف حيكت خيوط اللعبة.. فرد نورالدين : كيف ذلك؟ لم أفهم.. ، عصام : ساقول لك.. لقد استحدثوا ندوة وهمية كي يبعدوني عن المشهد ويستفردوا بك انت وحدك فحين ذهبت لقسنطينة فورا بعدها ارسلوا في طلبك ليقترحوا عليك هذا العرض،، نورالدين : لكن لم وقع اختيارهم على مدرستنا... عصام : هذا الاختيار كان مد وسا فحين ذهبت إلى قسنطينة وحين احتكاكي ببعض الزملاء اتضح ان السيد بولقرع سينظم مسابقة ما بين المدارس لعل الوزارة تتفكره بمنصب أعلى ومما سبق لي أن سمعت في رواقات مديرية التربية أن الطاهر غليون يلهث لمنصب مدير المسابقات للشرق فقاطعه نورالدين : انت لم تجبني يا عصام.. لم اختيرت مدرستنا؟؟ فضحك عصام ضحكة ماكرة : اسمح لي أن اهنئك على غباءك.. غليون وجب عليه أن يظهر بثوب الخادم الطائع فالسيد بولقرع من قسنطينة ولهذا وجب علىى فريق مدراء التربية أن يختاروا اضعف التلاميذ كي يضمنوا له الفوز وهو الشيء الذي فعله غليون حين اختار تلامذتنا قربانا لسيده... افهمت؟؟
اطرق نورالدين راسه وهو يقول : وكيف الخروج من هذه الورطة يا عصام؟.. عصام : إن سرت مع عرضهم فهذا لن يفيد لا المدرسة ولا التلاميذ لانك لن تحصل على شيء وإن استجبت فستدخل في عقوبات إدارية قد تصل لغلق المدرسة أو على الأقل طردك واهمالها و بهذا يضيع مستقبل الاولاد... سار عصام وسط اقلام الأرض المحروثة راح وغدى وهو يفكر ثم قال : اسمع ما رأيك أن نشرك التلاميذ في القرار ونسمع رأيهم؟؟؟ نورالدين : وماذا يفقهون في ذلك يا عصام؟؟؟ عصام : لن نخسر شيئا فلنذهب الان و لنكلمهم غدا ونرى بعدها ما تؤول له الأمور.
في صباح يوم سبت بارد علت جلبة التلاميذ الستة في قسمهم وهم يتساءلون عن تأخر معلمهم عصام وهم متذمرون.. فدخل فجأة عصام بمئزره الأبيض الناصع وبعدها دخل المدير نورالدين يجر الخطوات من وراءه سريعا فوقف التلاميذ للأستاذ والمدير وحين جلوسهم نظر نورالدين إلى عصام وكأنه يحيل له دوره في الكلام فنطق عصام و التلاميذ شاخصة ابصارهم في وجهه : بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين... قبل أن نبدأ درسنا في الحساب أود أن استشيركم انا والسيد المدير في قضية هامة.
فنطق الطاهر بولخرد : قضية ؟؟ اي قضية يا سيدي ؟؟ فرد عصام : لا تتعجل يا الطاهر ارجوكم اسمعوني ولا تقاطعوني.. لقد قررت مديرية التربية أن تسجلنا في مسابقة ما بين المدارس وإن فزنا ستحصل المدرسة على تجهيزات واثاث لتحتضن النظام الداخلي وتكبر طاقة استيعابها يعني انها ستستقبل المزيد من التلاميذ فنطق المكي بشيء من الاستغراب : وما دورنا نحن يا سيدي؟ ؟ عصام : انتم الذين ستشاركون في المسابقة وأضافت نوارة : وهل سنذهب لام البواقي يا سيدي ؟؟؟ عصام : نعم لام البواقي و مدن اخرى... نوارة : مدن أخرى!!! ياااا هذا راائع... عصام : ستكون المسابقة حتما على مراحل... وقبل ان يمتد حبل الأسئلة قطعه عيسى : فلنشارك إذن يا سيدي!!! عصام : انا لا اثبط عزائمكم لكن مشاركتكم ضد تلاميذ آخرين شبه مستحيلة فالمستوى عالي... بل عالي جدا... هنا نطقت عيشة وكانها واثقة : نحن أيضا يمكننا أن نفوز.. فقاطعها بولخرد بضحكات وهو يقول : انت تهذين ان تلاميذ المدينة يعرفون كل العلوم اما نحن فليس لنا سوى الرعي.
وسط احتدام النقاش نطق نورالدين
مصارحا تلاميذه : اسمعوني جيدا... لقد امضيت التزاما للمشاركة فإن فزتم تحصلنا على التجهيزات وإن لم تشاركوا اصلا فساتعرض لعقوبات وافصل من منصبي وقد أردنا ان نسمع رايكم انا ومعلمكم... فصمت الجميع ولم يدركوا بعد جلل الأمر.. فقد رد تيتية : وهل راينا مهم؟؟ عصام : بالطبع فأنتم المشاركون... نظر عصام إلى نورالدين وخرجا الاثنان و اغلقا الباب أملا منهما ان يتفق التلاميذ على رأي وبعد دقائق عاد عصام و نورالدين على أمل اخذ رأي التلاميذ لكنهما لمسا عبثا وعدم اكتراث للأمر منهم فسأل عصام : إذن ما رأيكم؟؟ سكت الجميع برهة فالتفت عصام إلى نورالدين : إذن اذهب يا سيدي فسابدا درسي في الحساب.. وكأنه يئس من افتكاك رأي من التلاميذ او بالأحرى قرارهم و حين بدا يكتب أرقامه على السبورة وقال : افتحوا كتبكم على الصفحة السابعة... وما ان التفت حتى قامت نوراة فقال لها : ما بك يا نوارة؟؟ نوارة : انا... انا موافقة يا سيدي ساشارك في المسابقة و لو لوحدي... ابتسم عصام وقال : هههه لا ينفع ان تكوني وحدك فهذه مسابقة فرق.. وامرها بالجلوس.. فأخذت تحملق في باقي التلاميذ بينما وضع عصام عينيه على الكتاب واذا بالظاهر بولخرد يقف ويقول بصوت عالي : ليس تلاميذ المدينة احسن منا يا سيدي!!! ثم نهضت عيشة والمكي ثم تيتية و عيسى.. صاحت بعدها نوارة أمام ذهول عصام : ها نحن فريق يا سيدي نرفع التحدي و نشارك و بإذن الله سنفوز... كانت عينا عصام ترقص فرحا أمام حماس تلاميذه لكنه أراد التأكد فقال : مستواكم مازال بعيدا عن المنافسة فهو بعيييييد... فرد عيسى : البركة فيك يا معلمي و زاد المكي : سنبات هنا أن تحتم الأمر.
أنقضى نهار مدرستك يا بقلي العيد على وقع حماس ثوري لكمشة أطفال و معلم أخضر العود ربما ستكون الخطوة الأولى في دروب التحدي.. نورالدين وقع ضحية لمكيدة لكن تلاميذه أعتبروه تحديا و أصروا أن يمضوا لرفعه... ماذا سيكون سلاحهم لذلك ؟؟؟....
طارق منور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق