.....................
أشرف الفضالي
....................
معاني أسماء الله الحسنى
اليوم السابع عشر
أيها الأصدقاء موعدنا اليوم مع معانى خمسة أسماء جديدة من أسماء الله الحسنى حتى نحصيها معا فمن أحصاها حقا دخل الجنة
81 ــ المنتقم :
******************
النقمة هى العقوبة ، والله المنتقم الذي يقسم ظهور الطغاة ويشدد العقوبة على العصاة وذلك بعد الإنذار بعد التمكين والإمهال ، فإنه إذا عوجل بالعقوبة لم يمعن فى المعصية فلم يستوجب غاية النكال فى العقوبة .
والله يغضب فى حق خلقه بما لا يغضب فى حق نفسه ، فينتقم لعباده بما لا ينتقم لنفسه فى خاص حقه ، فإنه إن عرفت أنه كريم رحيم فأعرف أنه منتقم شديد عظيم ، وعن الفضل أنه قال : من خاف الله دله الخوف على كل خير .
والمنتقم اسم من أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين. و قد أوردها الترمذي في حديث عن أبي هريرة مرفوعا : وذكر فيه من ضمن التسعة والتسعين : المنتقم وذو الجلال والإكرام. لكن العلماء اختلفوا في تصحيح حديث الترمذي هذا، فمنهم من رآه صحيحا ومنهم من اعتبره مدرجا، أي أن أحد من روى عنهم الترمذي هذا الحديث هو الذي اجتهد في استنباط هذه الأسماء من الكتاب والسنة. وعلى تقدير صحة الحديث تكون الأسماء كلها صحيحة ولا يجوز نفي شيء منها، لأن أسماء الله توقيفية ولا يجوز التغيير فيها.
82 ــ العفو :
****************
اسم الله ( العفو ) سبحانه وتعالى اسم محبب إلى القلوب ، اسم لا يمكن أن نعيش بدونه وإلا شعرنا بالأسى والاختناق من كثرة الذنوب والمعاصي التي تؤدي إلى خندق قد لا نخرج منه أبدا ، خندق المعاصي والذنوب.
لكن يتبادر للذهن في ذات الوقت سؤال : ما الفرق بين اسم الله العفو واسم الله الغفور ؟
فلنتخيل إنسانا له لائحة من المعاصي والمخالفات. إذا أراد الله أن يغفر فإنه بكل بساطة يكتب على هذه اللائحة : غفرنا له. بمعنى لا توقعوا عليه العقوبة. لكن هذه اللائحة تظل موجودة في سجلاته رغم إزاحة العقوبة عنها. أما في العفو فإن هذه اللائحة تمزق فلا يبقى لها أثر في سجلاته فيأتي يوم القيامة فلا يجد أثرا لذنوبه.
عندما يعفو الله سبحانه وتعالى فإنه يمسح من صفحة الانسان كل ذنب فعله فلا يتذكره وينسي الله الملائكة الكتبة ذلك الذنب فلا يتذكروه. ويرفعه الله تعالى من سجله فلا يُعرف له أثر. لأن العفو هو المحو والإزالة. عفت الرياح بمعنى مسحت الرياح الآثار.
أمنا عائشة رضي الله عنها عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دعاء تدعوا به في ليلة القدر فجاء الجواب بهذا الدعاء : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني. هذا يدل على عظم شأن العفو.
العفو ليس فقط هو مسح وإزالة كل أثر للذنب ، بل هو إضافة شيء جديد في حياتك. العفو بمعنى أن تغفر وتسامح وتصفح ثم تهدي وتزيد الفضل فضلا. يأخذ الله سبحانه وتعالى بزمام هذا العبد الذي عفي عنه ويجعل له أمرا آخر ومكانة أخرى وفتوحات جديدة وطاعات جديدة وقربات جديدة.
( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ )
إن لم يكن الله سبحانه وتعالى يزيل تلك الآثار لتراكمت هذه الآثار علينا حتى تهلكنا. لكن العفو سبحانه وتعالى يعفو ويعالج بطريقة أو بأخرى.
العفو منزلة عالية ورفيعة. يتدرج فيها الإنسان من الاستغفار ثم الإنابة ثم التوبة ثم العفو. وبعد العفو تأتي الهداية. والهداية رتب ومنازل ودرجات. الهداية لها بداية لكن ليس لها نهاية.
من الأمور العجيبة أثناء قراءة العفو في القرآن الكريم أننا نشعر بأن العفو صعب فيما يخص التعامل مع البشر. لذلك يقول الله سبحانه وتعالى عن نفسه ( إن الله كان عفوا قديرا ). العفو من القدرة ، الانسان الذي ليس لديه قدرة لا يستطيع أن يعفو.
نسأل الله تعالى أن يَمُنَّ علينا بالتحلى بهذا الخُلق العظيم، خُلُق العفو، ونسأله جلَّ في علاه أن يعفو عنا ويغفر لنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
83 ــ الرءوف :
*******************
قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [البقرة: 143].
الرؤوف صيغة مبالغة من اسم الفاعل رائف ، وهو الموصوف بالرأفة فعله رأف ، يرأف ، رأفة ، فهو رؤوف
يشار إلي اسم الله الرؤوف في اللغة بأنه شديد الرحمة فالرأفة تشمل جميع أوجه الرحمة في حق البشر والتي تصل لأعلى الدرجات فقد قال الله تعالى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ.}
تم تقديم الرأفة على الرحمة في وصف نبينا محمد ، كما قال تعالى {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} وذلك على اعتبار أن الرأفة مبالغة في الرحمة، والمبالغة في الرحمة تتعلق بخاصة المؤمنين، أما الرحمة في اسمه الرحمن فإنها تتعلق بالخلائق أجمعين .
يوجد معنى آخرللرؤوف سبحانه الذي يعني العطوف على عباده المؤمنين بحفظ سمعهم وأبصارهم وحركاتهم وسكناتهم في توحيده وطاعته .
تشمل صفات الله الرؤوف الذي يعطف علي المذنبين من عباده ويقبل توبتهم علي أن تكون التوبة نصوحة مع الابتعاد عن هوى النفس الذي يغرغر بالإنسان فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ تَابَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ»
والرَّؤوف هو الذي يخفف عن عباده، فلا يحملهم ما يشق عليهم أو يخرج عن وسعهم وطاقتهم.. قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} وقال {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ..}
واسم الرَّؤوف يعني أيضا المتساهل على عباده فالله عزوجل لم يُحملهم ما لا يُطيقونه ، بل حَمَّلَهم أقل مما يُطيقون بدرجاتٍ كثيرة، ومع ذلك غلَّظ فرائضه في حال شدة القوة، وخَفَّفها في حال الضعف ونقصان القوة، وأخذَ المُقيم بما لم يأخذ به المسافر، والصحيح بما لم يأخذ به المريض فالدين يسر ومن هنا جاء معنى اسم الله الرؤوف .
ومن أبرز مظاهر رأفة الله بعباده إنزاله القرآن الكريم هدى ورحمة للعالمين؛ ليفك تلك الأغلال التي تُقيد القلب.. قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} فتدبُّر القرآن يُخرِج القلب من ظلمات النفس والإغراق في المعاصي إلي نور اليقين.. فإذا امتلأ القلب بهذا النور، تنزلت عليه الرحمة وصار قلبًا نقيًا طاهرًا سليمًا.
84 ــ المقسط :
******************
المقسط : اللغة تقول أقسط الأنسان إذا عدل، وقسط إذا جار وظلم ، والمقسط فى حق الله تعالى هو العادل فى الأحكام ، الذى ينتصف للمظلوم من الظالم، وكاله فى أن يضيف إلى إرضاء المظلوم إرضاء الظالم، وذلك غاية العدل والإنصاف، ولا يقدر عليه إلا الله تعالى، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فى الحديث بينما رسول الله جالس إذ ضحك حتى بدت ثناياه ، فقال عمر: بأبي أنت وأمي يارسول الله ما الذي أضحكك؟ قال: رجلان من أمتي جثيا بين يدى رب العزة فقال أحدهما ( ياربي خذ مظلمتي من هذا ) فقال الله عز وجل: رد على أخيك مظلمته، فقال ( ياربي لم يبق من حسناتي شيء) فقال عز وجل للطالب: (كيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟) فقال ( ياربي فليحمل عني أوزاري ) ثم فاضت عينا رسول الله بالبكاء، وقال: ( إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس أن يحمل عنهم أوزارهم) قال فيقول الله عز جل _ أى للمتظلم _ ( أرفع بصرك فانظر فى الجنان )، فقال (ياربي أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة بالؤلؤ ،لأي نبي هذا ؟ أو لأي صديق هذا؟ أو لأى شهيد هذا ؟ ) قال الله تعالى عز وجل ( لمن أعطى الثمن ) فقال ياربي ومن يملك ذلك؟ قال :أنت تملكه، فقال: بماذا ياربي؟ فقال بعفوك عن أخيك، فقال: ياربي قد عفوت عنه،قال عز وجل: خذ بيد أخيك فأدخله الجنة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ، فإن الله يعدل بين المؤمنين يوم القيامة
85 ــ الجامع :
****************
الجمع في اللغة معناه الضَّم فعندما تقول جمعتُ يديَّ أي ضممتهما، أي تجميع أجزاء الشيء بعضها إلى بعض, ويوم الجمع هو يومِ القيامة حيث يجمع الله كلُّ الخلائق في يوم الحساب .
– الله سبحانه وتعالى في هذا اليوم يجمع الأوَّلين والآخرين، ويجمع الإنس والجن، ويجمع أهل السماء وأهل الأرض , كما يقصد به الجمع بين العبد وعمله
﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً )
وقد ُسمي يوم القيامة بيوم الجمع لأن الله يجمع فيه بين القوي الظالم والمستضعف المظلوم ويجمع بينهم ليقتص من الظالم ويحاسبه علي ظلمه كما يجمع بين الشخص المتواضع والمتكبر ويجمع الله عزوجل فيه أيضا كل نبي مع أمته ليكون شهيدا عليهم
يجمع الله عزَّ وجلَّ في هذا اليوم بين ثواب أهل طاعته، وعقاب أهل معصيته
الله سبحانه وتعالى جامعٌ بمعنىً آخر فهو جامع للكمالات كلَّها، ذاتاً، وصفاتٍ، وأفعالاً، حيث إن كلَّ إنسانٍ يتفوَّق في جانبٍ من جوانب الكمال، أما أن يجمع الكمالات كلَّها هذا مستحيل، لكنَّ الله سبحانه جلَّ في عُلاه جمع الكمالات كلَّها، أجل جمع كل ذلك أسماؤه كلُّها حُسنى
جمع بين المتباينات، بين المتماثلات، وبين المتضادات ، حيث أوجد الله الشيءٌ ومضادٌه للشيء الآخر.. كالحرارة والبرودة، ويأتي الظلامٌ دامسا بعد الشمسٌ المشرقة كما أن الليل يأتي بعده النهار .
الجمع مع الوساطة.. فمثلاً الحجر، وهو أساسي في حياتنا، فبناؤنا من الحجر، والحديد هذا أساسي كذلك في حياتنا، فكيف تستطيع أن تجمع بين الحديد والحجر ؟ لو أردت أن تُثبت سورا حديديًا على جدار حجري فكيف ذلك ؟ خلق الله لك معدناً للجمع بينهما وهو معدن الرصاص، فتجد الرصاص ينصهر ببساطة عند الدرجة مائة مئويَّة ويصبح سائلاً
هناك شيء آخر متعلق باسم الله الجامع… فالله سبحانه وتعالى يجمع ولكن مع الجمع هناك تنسيق.. فليس من السهولة أن تكون مديراً لمؤسسة ويعمل لديك مائتان من الموظَّفين وكلُّهم في مكان واحد، وكل إنسان يعمل في عمله دون أن يتضارب عمل مع عمل آخر، أو أن يتناقض عمل مع عمل، فالجمع يتبعه التنسيق.
يوجد معني آخر لإسم الله الجامع وهو أن الله جمع قلوب الأحباب حيث جمع بين قلب الزوج والزوجة فهذا من أسرة وهذه من أسرة، هذا من بيئة وهي من بيئة أخرى، فتجد أقرب إنسان للرجل في الحياة زوجته وأقرب رجل في حياتها زوجها، فمن ألَّف بين القلوب فقد قال تعالى:
﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )
******************************
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
وإلى اللقاء غدا بعون الله في خمسة معان جديدة لأسماء الله الحسنى
محبكم في الله/ أشرف الفضالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق