الجمعة، 30 أبريل 2021

 ..................

عبده داود

...................



يوميات مضيقة طيران
لمسة ناعمة
الجزء 10
زميلات سحر المضيفات يشجعنها باستمرار أن تتجاوب مع الكابتن سليم، ويحببنها به: لأنه عريس لقطة، شاب وسيم، يناسبك بالعمر، وبالثقافة، ومن ذات البيئة الاجتماعية المتقاربة، وهو شاب خلوق، ومحترم، وأيضا هو أبن حارتك، وواضح أنه يحبك...
لكن الذي لا يعرفنه زميلاتها، هو خفايا قلبها العاشق المتعلق بذاك الحب الذي آمنت بأنه مسئولية ملقاة على عاتقها دون سواها... ولن تتخلى عن تلك المسئولية ابداً. لقد وهبت ذاتها لتقوم بمهمة الأم الراحلة، وعاشقة الأرمل حبيبها...
بعد عودتها من قبرص، ذهبت سحر واختها لزيارة الأبونا ميشيل مرشدها الروحي لتستشيره وتسمع رأيه.
أصغى الأبونا بعناية لكلام سحر وقصة عشقها وحبها الكبير.
قال: وماذا الآن؟ أنا اقنعت ابوك بصعوبة بأن تعملي مضيفة طيران، أما أن يقبل أهلك أن تتزوجي رجلاً عنده أربعة أطفال، هذا ضرب من المحال. أنا شخصياً لا أنصحك أبدا، الاستمرار في هذا الأمر أمر غير هين. صحيح لويس شاب مميز، محترم، ثري وكريم، وأخلاقه عالية، ويملك قصراً فخماً...وعنده مزرعة تدر عليه الكثير...وهذا سيجعل العديدات من الصبايا يحمن حوله طمعاُ في ثروته...
سأل ابونا سحر، هل تتخلين عن وظيفتك في الطيران وتتفرغين لتربية الأولاد الأربعة؟
هنا احتارت سحر بماذا تجيب؟ السؤال صعب جداً...
صفن الأبونا وسألها ثانية، قولي لي بصراحة ماذا قال لك لويس بالتفصيل؟
أجابت سحر، هو لم يقل لي شيئاً صريحاً، لكنني شعرت بنبضات قلبه، احسست من عيونه التي فضحت مشاعره نحوي...
قال الأبونا هذا لا يكفي، في بداية تعارفكما احسستِ بأنه العاشق الولهان، واكتشفِ لاحقا، بانها مجرد مشاعر مبنية على تخميناتك أنتِ، توخي الحذر يا سحر... ولا تتسرعي ابداً...
قالت سحر معك الحق أبونا، أنا سأكتم مشاعري، وسأنتظره... إذا كان حدثي صادقاً هو سيبحث عني، عندها سأوافق مهما كانت المعارضة شديدة، أنا لا تهمني ثروته، ولا يهمني قصره، ولا مزرعته... أنا اريد أن أكون زوجته وحبيبته وأم أطفاله...وسوف اتدبر اموري سأجد الطريقة المناسبة التي تجعلني احتفظ بعملي، وأكون ربة منزل هذا الرجل الذي عشقه قلبي...
وأعدك، عندما لويس يطلب يدي، أول انسان سيعرف بالأمر هو أنت، لأنك أنت هو رجل الأمور الصعبة، وأنت الوحيد الذي يسمع منه والدي الذي يعتبر كلامك مقدساً، ألهمتك به السماء...
قال الأبونا: بصراحة يا ابنتي، سأخبرك أمراً، لويس قلبه رحل مع زوجته الراحلة، أو بمعنى آخر هي لا تزال تعيش في قلبه لا يسمح لها أن ترحل. ولا أظنه يفكر بالارتباط مجدداً...كانت حبه الأول وأظنه الأخير.
وأضاف هذا الموضوع صعب وشائك، لكن لا يجب ألا نستبق الاحداث، ولندع الأمور بيد الله وهو سيهدينا إلى صواب الرأي...
الآن تابعي عملك واتركي الزمن، يوضح لنا ماذا يخفي لك المستقبل...
ثم سألها: وماذا ستفعلين بالكابتن سليم؟ على فكرة سليم شاب تتمناه كل الصبايا. شاب وسيم، لطيف، ذكي، يعيش هو وأمه في بيت واسع تزينه الورود، وقريب من بيتكم، ويبدو انه اختارك لتكوني شريكة حياته...
قالت سحر هذا هو المستحيل، أنا خاطبة إلى لويس شاء هو أم أبى، ستأتي الساعة وسوف أجبره أن يعترف لي بحبه، لا يمكن أن تكون نظراته لي كاذبة، العيون دائماً صادقة، تستنهض المشاعر من القلب إلى العيون... لا حاجة للسان أن يقول، العيون هي التي تقول...
أخيرا أقنع الأبونا سحر بأن تترك شؤون المستقبل بيد الله تعالى.
مضت أشهر. دون أن تعرف سحر شيئاً عن لويس... تناست الأمر رغم آلامها، واخذها عملها، وهي تتمتع برحلاتها عبر العالم، وانشأت صداقات مختلفة هنا وهناك، وهي تنمي هوايتها التعرف على الحضارات المختلفة... وكانت تزداد عشقاً لعملها وشغفاً به... وتتشكر العذراء مريم لأنها ارشدتها لهذا العمل الذي يسعدها.
الكابتن سليم أدرك بإحساسه بان هناك حبيباً آخر يقطن قلب سحر...لذلك أخذ يسحب ذاته تدريجياً من حياتها، ويخفي آلامه وحبه. ولم تعد طلباته موجهة إلى سحر مباشرة... لكنه ما فتئ يكمن لها من مشاعر الصداقة والاحترام الكثير...
حبيبها لويس لم تعد تسمع عنه، وكم كانت تتمنى أن تلقاه حتى تكشف لتضع النقاط على الحروف...
إلى أن جاء ذلك اليوم، كانت سحر واقفة عند مدخل الطائرة المغادرة إلى الصين تستقبل الركاب، وتدقق أوراقهم، وإذ بها وجهاً لوجه مع لويس... خفق قلبها بشدة، وتلعثمت بالكلام...
ضحك لويس وقال: مرحباً يا سحر.
قالت: مرحباَ أستاذ لويس أهلا وسهلاً...
قال: كنت أتساءل هل حظي جميلاً هذه المرة. وألقاك...لقد جئت عدة مرات إلى الصين ولم يصادفني الحظ وتكونين موجودة...
قالت: جميع المضيفات خير وبركة يا أستاذ.
قال: لا شك، لكن لسن جميعهن ملكات جمال... ضحك، وضحكت، وتابع هو إلى الداخل...
بعدما استقرت الطائرة في العالي، قال الكابتن يمكنكم فك الاحزمة... سحر دفعت العربة، رغم إنه لم يكن دورها بخدمة الركاب ذلك النهار، وبدأت بتوزيع الضيافات المعتادة، وكانت تنتظر بفارغ الصبر أن تصل إلى لويس...وهي تتمتم كلماته، أسيكون حظي جميلاً هذه المرة...
وصلت إليه، وشعرت بنظراته المليئة بالحب. ماذا تحب أن تشرب أستاذ؟
قهوة من فضلك، وسألها: متى ستعود رحلتك إلى سورية؟
قالت: غداً في التاسعة صباحاً.
قال: صديقنا مدير المعمل وزوجته دائما يسألانني عنك، ودائما يهديانك تحياتهما، لقد احباك بالفعل ودائما يمدحانك... وأنا لا اعرف بماذا أجيبهما...
أنا مدعو على العشاء عندهم هذا المساء، ما رأيك ترافقينني؟
اعتذرت، وتشكرت لويس...قال هو أنا سأبقى اياماً في بكين حتى انهي اعمالي...
سحر بقيت مشغولة الفكر ذلك اليوم، لا بد لها أن تضع النقاط على الحروف، لا بد لها أن تنهي هذا الهاجس الذي يملأها ليل نهار، لا بد أن تغتم هذه الفرصة وتكتشف السر الحقيقي الكامن وراء نظرات لويس، هل هو اعجاب، هل هو حب حقيقي؟ بعدها قد يتلاقى القلبان إلى الأبد، أو ينفصلان...
في صباح اليوم التالي، اعتذرت سحر عن العودة إلى دمشق، وقالت بانها متعبة وستمكث في الفندق حتى موعد الرحلة القادمة...
في الصباح، نزلت إلى المطعم وجدت لويس جالساً وحيداً... هو دعاها ليحتسيا القهوة سوية وتناول الافطار...
قال: أنا اعتذرت عن العشاء أمس حتى أبقى معك، لقد اشتقت لك، اليس عندك رحلة هذا الصباح؟ أرادت أن تقول بانها هي ايضاً اعتذرت عن الرحلة حتى تبقى معه ذلك اليوم، لكنها تماسكت وقالت: شعرت بأنني منهكة وبقيت لأرتاح...
قال لويس في الواقع أن اتوق للتنزه في الشوارع الآن، ما رأيك ترافقيني...
الشوارع في بكين دائما مكتظة بالناس، وبينما كانا يقطعان أحد الشوارع، اضيئت الإشارة البرتقالية، وحتى يستعجلا قطع الطريق، مسك هو يدها وسحبها ليجعلها تحث الخطى ليصلا للرصيف المقابل.
تابعا المسير ولا يزال لويس ماسكا بيد سحر، ولا تزال سحر مسرورة بتلك اللمسة الناعمة...لمسة تقول كل الكلمات...
وسحر تقول بصمتها، أليست هذه لمسة الحب التي تبوح بأسرار القلوب؟
كتب الرواية : عبده داود
إلى اللقاء بالجزء الحادي عشر
الراغبون بقراءة حلقات سابقة تجدونها في:
(مجموعة يوميات مضيفة طيران)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق