الأحد، 29 ديسمبر 2019

................
مبارك البحري
............

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شخص أو أكثر‏ و‏هاتف‏‏‏



الخطأ
حمدا لمن هو موصوفٌ بكلِّ كمالٍ، وبعيدٌ عن كلِّ نقصٍ، وصلاة وسلاما على رسوله القائل :: كلُّ بني آدم خطّاء، وخير الخطائين التّوّابون.
وأرى ممّا يليق بي ويلزمني أن أعبر عمّا في قلبي بعدما رأيتُ شخصا يسرّ بخطأ أخيه، وقد نسي أنّ من أعجب بخطئه له أجرٌ لحديث رسول اللّه ﷺ إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانٍ وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ﷺ
نَفْهَمُ مِنْ هَذَا الْحَدِيْثِ أَنَّ أَجْرًا لِلْحَاكِمِ الَّذِي اجْتَهَدَ فِي الْحُكْمِ، وَلَمْ يُصِبْ، ثُمَّ أَخْطَأَ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ قَدْ ظَنَّ أَنَّ الْحَقَّ فِي جِهَةٍ فَصَادَفَ أَنَّ الَّذِي فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَدْ وَقَعَ فِي الْمُخَالَفَةِ، لاَ غَمَيْزَةَ فِيْهِ وَلاَ وَهْنَ إِذْ لَهُ أَجْرَانٍ، أَجْرُ الْاِجْتِهَادِ، وَأَجْرُ الْإِصَابَةِ

ويا قارئي العزيز لا يليق أن تشتم أخاك إذا أخطأ بل صححه، واعف عنه. وكن بنصيحته في السّرّ لا في العلانيّة لأنّ من ضوابط النّصيحة أنْ لا يجهر بنصيحته بل ينبغي أن يسرّ بنصحته للمنصوح له، ولا ينصحه أمام الملأ
وقال الشّافعي
تَعَمَّدني بِنُصحِكَ في انفِرادي
وَجَنِّبني النَّصيحَةَ في الجَماعَه
فَإِنَّ النُّصحَ بَينَ الناسِ نَوعٌ
مِنَ التَّوبيخِ لا أَرضى استِماعَه
وَإِن خالَفتَني وَعَصِيتَ قَولي
فَلا تجزَع إِذا لَم تُعطَ طاعَه
وقال أيضا ( من وعظ أخاه سرّا فقد نصحه وزانَه، ومن وعظه علانيّة فقد فضحه وشانه ) لأنّك لم تبرأ منه من حيث لا مبرأ من سهوٍ وزللٍ ولا سليم من نقصٍ وخللٍ، ومن رام سليما من هفوةٍ والتمس بريئا من نبوةٍ فقد تعدّى على الدّهر بشططه، وخادع نفسَه بغلطه، وكان من وجود بغيته بعيدا وصار بافتراحه فردا وحيدا، سترى من هذا أنّ الكمال لمن هو موصوفٌ به، وبعيدٌ عن نقصٍ
وبدون إسهابٍ وإطنابٍ في الكلام أبيّن الخطأ، خلق اللّه الإنسان بطبعه خطّاء حتّى لا معصوم من الخطأ باستثناء الأنبياء والمرسلين. ومن طبيعة الإنسان الوقوع في الخطأ والذّنب. والخطأ كما بيّنه الشّرع أنّه ما صدر عن المرء بغير قصدٍ وعمدٍ، وهو يمكن أن يصحّح بالأدب والنّصح لا بالشّتم والهزء لأنّك يمكن أن لا تكتب ما يكتب، وما فخرك ؟ أو لم تعلم أنّ العاقل هو من عقلُه في إرشادٍ ورأيُه في إمدادٍ وقوله سديدٌ وفعله حميدٌ، والجاهل هو من جهله في إغواءٍ وهواه في إغراءٍ وقوله سقيمٌ وفعله ذميمٌ، وهو شامت أخيه إذا أخطأ. وواجب على المرء أن لا يعود إليه من حيث يتعلّم منه حتّى لا يصدر منه مرّة أخرى، وإذا قام بفعلٍ طيّبٍ وأخطأ فيه له أجرٌ من حيث يمكن أن يريد ما يحسن فعله ويقع منه خلاف ما يريد، وهو قد أصاب الإرادة، وأخطأ في الفعل ومع ذلك له أجرٌ لحديث الرّسول ( لمن اجتهد فأخطأ فله أجرٌ )
والخلاصة "" الخطأ هو أن تريد وتقصد أمرا فوقعتَ في ما لا تحبّ وتودّ أو كلّ ما يصدر عن المكلّف من قولٍ أو فعلٍ خالٍ عن إرادته.
وبه يعلم المرء أنّ الكمال خصائص البشر لأنّ الكمال في كونه يخطئ، وكمال تكوينه لا يكتمل إلا بكمال عقله، وكمال عقله بالاعتراف الخطأ والسّعي لإصلاحه. وهو بالاعتبار نقيض الصّواب. وهذا أقرب ما يكون في التّعريف، ارتكاب الإنسان مايخالف الصّواب

✍️مبارك البحري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق