الخميس، 3 يونيو 2021

 .................

د. فالح نصيف الحجية الكيلاني

....................



( التـــصـــــــــــــــوف والطريقــة القـــادريــــة )
.
القسم الثاني
.
نشأ ة التصوف
.
نشأ التصوف كعلم جديد أول ما نشأ بالبصرة، وأول من بنى دارة للتصوف فيها بعض أصحاب عبد الواحد بن زيد من أصحاب الحسن البصري رحمه الله .
وقد تميز عباد البصرة آنذاك بالمبالغة في التعبد، وظهرت فيهم مظاهر جديدة لم تكن مألوفة من قبل، فكان منهم من يسقط مغشيا عليه عند سماع القرآن الكريم ، ومنهم من يخر ميتا، فافترق الناس إزاء هذه الظاهرة بين منكر ومادح، وكان من المنكرين عليهم جمع من الصحابة كأسماء بنت أبي بكر وعبدالله بن الزبير رضي الله عنهم، إذ لم تكن تلك المظاهر في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته وهم الأعظم خوفا والأشد وجلا من الله سبحانه وتعالى .
ورأى الإمام ابن تيمية أن حال النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته من ضبط نفوسهم عند سماع القرآن الكريم أكمل من حال من جاء بعدهم، ولكنه - رحمه الله - لا يذهب إلى الإنكار على من ظهر منه شيء من ذلك إذا كان لا يستطيع دفعه، فقال رحمه الله تعالى :
( والذي عليه جمهور العلماء أن الواحد من هؤلاء إذا كان مغلوبا عليه لم ينكر عليه وإن كان حال الثابت أكمل منه) .
ولا زلنا ولايزال السلف الصالح يبكي عند سماعه ايات القران الكريم تتلى فتدخل في قلبه ونفسه وفكره خشوعا لله ومحبة اليه .
تنازع العلماء في أصل هذه النسبة وإلى أي شيء تضاف فقيل : هي نسبة إلى أهل الصُفَّة ،
وقيل : نسبة إلى الصفوة
وقيل : نسبة إلى الصف المقـدّم
وقيل : بل نسبة إلى صوفة بن بشر رجل عرف بالزهد في الجاهلية
قال الإمام ابن تيمية : ( وكل هذا غلط ، وقيل - وهو المعروف - أنه نسبة إلى لبس الصوف ).
ونفى القشيري صحة هذه النسبة أيضاً، وقال :
( إن القوم لم يعرفوا بلبس الصوف، وأيا كان أصل النسبة فإن اللفظ صار علما على طائفة بعينها، فاستغني بشهرته عن أصل نسبته).
هذا عن أصل النسبة، أما معنى التصوف فللقوم عبارات مختلفة في ذلك تصور مقام كل واحد في التصوف وتصوره له، فقال بعضهم في تعريف التصوف :
أنه الدخول في كل خلق سني، والخروج عن كل خلق دني،
وقيل : أن يكون العبد في كل وقت بما هو أولى به في ذلك الوقت ، بمعنى أنه إن كان في وقت صلاة كان مصليا، وإن كان في وقت ذكر كان ذاكرا، وإن كان في وقت جهاد كان مجاهدا، لذلك قيل : الصوفي ابن وقته،
وقيل في تعريف التصوف الأخذ بالحقائق، واليأس بما في أيدي الخلائق، وقيل التصوف مراقبة الأحوال ولزوم الأدب، وقيل غير ذلك .
امتاز منهج المتقدمين في الجملة بالتعويل على الكتاب والسنة، واعتبارهما مصدري التلقي والاستدلال الوحيدين، ويروى عنهم نصوص كثيرة في ذلك، فمن ذلك ما قاله أبو القاسم الجنيد البغداديؤحمه الله :
( مذهبنا هذا مقيد بالأصول( الكتاب والسنة )
وقال أيضا : ( علمنا منوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به )
وقال أبو سليمان الداراني :
( ربما تقع في نفسي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة )،
وقال سهل بن عبدالله التستري :
( مذهبنا مبني على ثلاثة أصول : الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال، وإخلاص النية في جميع الأعمال )
ربما بدأت الصوفية كمجموعة اتخذت الزهد شعارها، وتصفية القلوب دثارها، مع صحة الاعتقاد وسلامة العمل في الجملة، إلا أنه قد دخل في مسمى الصوفية فرق وطوائف متعددة، لم يكن الجامع بينها إلا التحلي بالزهد والاهتمام بأحوال القلوب سواء أكان على وجه الصدق أم كان على وجه الادعاء والتظاهر أمام الخلق،
أما العقائد فقد تفرقت بهم السبل فيها ، لاتحادهم في الاسم مع اختلافهم الجوهري في كثير من العقائد والأفكار،.
وسنعرض من خلال هذا البحث الموجز شيئاً من عقائد بعض الصوفية المتأخرين، ، فمن عقائدهم:
1. القول بالحلول: وهي بدعة كفرية أخذها من أخذها عن كفار الهند، ومعناها عندهم أن الله حالٌّ في مخلوقاته فلا انفصال بين الخالق والمخلوق، وليس في الوجود إلا الله، وهذا ما يسمى بوحدة الوجود.
2. الغلو في الصالحين وفي مقدمتهم سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، حيث يعتقد الغالون من الصوفية أن النبي صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون، وأن الخلق ما خلق إلا لأجله ومن نوره، ويقل منسوب الغلو عند بعضهم فيرى أن النبي صلى الله عليه وسلم بشراً رسولا، إلا أنهم يستغيثون به طالبين المدد والعون ولا يستغاث إلا بالله جل جلاله كاشف الضر ودفعه.
ومن أوجه الغلو عند بعض الصوفية الغلو في صالحيهم، حتى وجد في بعضهم من يعبد شيخه فيسجد له ويدعوه، وربما قال بعضهم (كل رزق لا يرزقنيه شيخي فلا أريده) ونحو هذه الأقوال، وربما غلا بعضهم في نفسه واغتر بها، حتى روي عن بعضهم قوله: ( خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله ) ويجعلون لهم تصريف الكون أرضه وسماءه.
3. تقسيم الدين إلى شريعة تلزم العامة، وحقيقة تلزم الخاصة، فالشريعة هي ما يسمونه العلم الظاهر، والحقيقة هي ما يدعونه العلم الباطن، فالعلم الظاهر والذي يمثل الشريعة معلوم المصدر وهو الكتاب والسنة، أما علم الحقيقة، علم الباطن فهو كما يدعي بعض الصوفية أنهم يأخذونه عن الحي الذي لا يموت، فيقول أحدهم
🙁
حدثني قلبي عن ربي)
وذهب بعضهم إلى القول بأنه يأخذ عن ملك الإلهام، كما تلقى الرسول صلى الله عليه وسلم علومه عن ملك الوحي، وزعم بعضهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو من يخبرهم بما يتوجب عليهم من عبادة وذكر، وأنهم يلتقون بالأنبياء ويسألونهم عن قصصهم،
وقال آخر( إذا طالبوني بعلم الورق، برزت عليهم بعلم الخرق).
وقال أبو حامد الغزالي في بيان هذا المسلك:
( اعلم أن ميل أهل التصوف إلى الإلهية دون التعليمية، ولذلك لم يتعلموا ولم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون، بل قالوا الطريق تقديم المجاهدات بمحو الصفات المذمومة، وقطع العلائق كلها، والإقبال على الله تعالى بكنه الهمة، وذلك بأن يقطع الإنسان همه عن الأهل والمال والولد والعلم، ويخلو بنفسه في زاوية ويقتصر على الفرائض والرواتب، ولا يقرن همه بقراءة القرآن ولا بالتأمل في نفسه، ولا يكتب حديثا ولا غيره، ولا يزال يقول : (الله الله الله) إلى أن ينتهي إلى حال يترك تحريك اللسان ثم يمحي عن القلب صورة اللفظ )
وارى ان هذه كلها فيها تجا وز على الاسلام والايمان كل بقدر مايقره وما يفضي به والحقيقة الراجحة تؤخذ من مصدر القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة .
راجع كتابي ( التصوف والطريقة القادرية ) طبع دار دجلة ناشرون وموزعون عمان - الاردن 2020 )
اميرالبيـــــــــان العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلــــــــد روز
***********

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق