................
محمد بلحرشة (المغرب)
...................
قصة قصيرة
المخدر القاتل
حل موسم الصيف، ففرح حمزة فرحا كبيرا لكون ذلك يتزامن مع العطلة المدرسية الصيفية ، وكذلك لكونه حصل خلال هذه السنة الدراسية على معدل مشرف جدا في المستوى الاعدادي الذي يدرس به.
كان الشاب حمزة، في الخامسة عشر من عمره، طويل القامة، جميل الملامح ، ذو بنية جسمانية جيدة، وهو الأخ االأكبر لسبعة اخوة آخرين، خمسة أولاد و بنتين، كانوا يقطنون بأحد الأحياء الشعبية بمدينة الجديدة، وهي إحدى المدن الجميلة، الساحلية بتراب المملكة المغربية.
وقد كان حمزة محبوبا جدا من طرف والده ، وهو رجل محافظ ، متعلم ، وحامل للقرآن الكريم .
كان الأب يكن لابنه معزة خاصة و يثق في تصرفاته بشكل كبير وكان لا يرد له طلبا.
وقد جرت العادة أن تسافر أسرة حمزة خلال العطلة الصيفية لمنزل العائلة بالبادية لقضاء أوقات ممتعة في جو يتميز بالطبيعة الجميلة و المناظر الخلابة و كرم الضيافة.
وقبل الموعد المحدد للسفر المعلوم، خاطب حمزة والده قائلا :
"أرجوك يا أبي أن تسمح لي بالبقاء في منزلنا بالمدينة لأيام معدودات حتى أتمكن من ترتيب بعض أغراضي المدرسية للموسم المقبل ، وبعدها سألتحق بكم ."
تردد الأب بعض اللحظات ، ثم بعد ذلك وافق على طلب ابنه وذلك من شدة حبه له وثقته فيه.
سافر أفراد الأسرة صوب البادية، وبقي حمزة لوحده بالمنزل.
وفي أحد الأيام، وبينما كان يتابع فلما من الأفلام القصيرة على شاشة التلفزة حوالي الساعة التاسعة مساء، إذا به يسمع أحدهم يطرق باب منزله، فانطلق نحو النافذة المطلة على الشارع ليرى من الطارق، فوقع نظره على أحمد و مراد وهما من شباب الحي الذي يقطن فيه، فناداه أحدهما قائلا : " هل يمكننا الصعود لبعض الوقت بصحبتك يا حمزة".
كان من خصال أبناء الجيران أن لا يتم رفض مثل هذا الطلب، فاستجاب حمزة في الحين وفتح للشابين باب المنزل.
جلس الثلاثة بصالون من النوع التقليدي الأصيل وهو يتوسط فناء المنزل .
كانت العلاقة بين حمزة والرفيقين الآخرين مجرد علاقة أبناء الجيران، يغلب عليها طابع الاحترام المتبادل و التعاون في الأمور التي تخص الحي.
وقد كانت هذه المرة الأولى التي يجلس معهما في منزله .
بعد تبادل أطراف الحديث لبعض الوقت، قام حمزة بإحضار الشاي والحلوى ترحيبا بضيفيه.
وبعد وقت ليس بوجيز، ذهل حمزة من جراء قيام أحد جليسيه وهو مراد بإخراج مخدر من جيبه ثم شرع في إعداده من أجل استهلاكه.
وبشكل عفوي خاطبه حمزة باستغراب شديد:" ما هذا الذي تفعله يا مراد؟".
فأجاب مراد:"لا تخف هكذا ، فهذا مجرد منشط بسيط مثله مثل أي سيجارة، سوف نتناوله بسرعة وبعد ذلك نذهب لحال سبيلنا".
لم يجد حمزة حلا لهذا الوضع المحير سوى الصبر ، وهو الذي لم يدخن و لم يعرف حتى شكل المخدرات أو أسمائها .
بعد أن أنهى مراد إعداد المخدر ، إلتفت صوب حمزة و قال له:" خذ جرب معنا هذا المنشط فهو سيجعلك شخصا آخر، و سوف تربح التجربة وتستمتع بشبابك".
تردد حمزة في البداية و تفاجئ بهذا العرض ، لكن بعد ذلك و بحكم اندفاع الشباب و الرغبة في التجربة و غموض هذا العالم بالنسبة إليه، قبل العرض بارتياب و توجس كبيرين.
أخذ حمزة يقلب المخدر بين أصابعه بارتباك شديد، ثم وضعه بين شفتيه و شرع في أخذ الرجفة الأولى والثانية و الثالثة والرابعة ، وهكذا حتى أوشك على إنهاء المخدر بأكمله و هو لا يعلم تبعاته و تأثيره.
كان الشابان الآخرين منهمكين في حديث بينهما ، وعندما إنتبها لحمزة ، أصابتهما الدهشة، فقال له أحمد :"أنت دون شك من المدخنين المحترفين ونحن لا نعلم ذلك."
وأضاف مراد:" هذه البداية فقط، سوف نأتي مرات و مرات أخرى، و ستصبح رفيقنا المفضل."
و لم تمض سوى ثواني معدودة حتى شعر حمزة كأن قنبلة تنفجر في رأسه، فأخذ قلبه يدق بسرعة مجنونة و إنقطع تنفسه وإلتصق لسانه بأسنانه ولم يعد باستطاعته حتى ابتلاع ريقه، ثم سقط على الأرض مغشيا عليه بين الحياة و الموت.
وفي هذه اللحظات عاش حمزة ثواني استثنائية كانت حاسمة و مفصلية في مجرى حياته.
أثناء غيبوبته ، شعر بروحه تفارق جسده وتطير في السماء وهي حرة طليقة .
لقد شعر حمزة بالموت، و قد حضر الأهل والأحباب لوداعه و مرافقته لمتواه الأخير. لقد شاهد بواسطة روحه التي ماتزال تحلق في السماء تأثر والديه والبكاء الشديد الذي ينهمر من عيونهما، وتقبلهما العزاء من أهل الحي و من جميع معارفهم.
انطلقت الجنازة من أمام المنزل في جو مهيب و كئيب و مؤثر في اتجاه المقبرة.
كان المشيعون يتحسرون من ألم فراق حمزة الذي ظلت روحه تراقب الجنازة وقد انطلقت بدورها مع المشيعين .
وفي منتصف الطريق الرابط بين المنزل والمقبرة ، بدأت الروح تتساءل في اندهاش بالغ:
" لماذا كل هذا الحزن والبكاء ؟ و لماذا كل هذه الحسرة والمعاناة ؟.
أنا الروح ها هنا قد تحررت من كل القيود ، أنا سعيدة لأنني سأصعد بعض لحظات إلى جنات الخلود ،و ذلك الجسد الفاني سوف يختفي في التراب إلى الأبد، إنه جسد لا يحس ولا يتألم ، انا الروح المرضية الباقية ."
و في هذا الجو الرباني و صراع الموت والحياة ،إذا بحمزة يسترجع وعيه على وقع سؤال متكرر من الشابين الرفيقين:
"ماذا حصل لك يا حمزة ؟
"ماذا حصل لك يا حمزة؟
في هذه الأثناء طلب منهما إمداده بكأس من الماء ، فذهب أحد الشابين وأحضره له في الحال ، وعندما شربه تنفس الصعداء و شرعت دقات قلبه في الانتظام.
قال أحمد:" لقد أفزعتنا واعتقدنا أنك قد فارقت الحياة".
وقال مراد:" لقد جعلتنا نفكر في النتائج المروعة التي قد تتسبب فيها المخدرات، فبالإضافة إلى العواقب الصحية الوخيمة قد يكون تعاطيها أو المشاركة في استعمالها سببا في السجن لسنين نفقد فيها شبابنا ومستقبلنا".
ابتسم حمزة ابتسامة الحامد لله وقال لهما :"اذهبا لحال سبيلكما، ولا تعاودا المجيء ، فهذه قطيعة بيني و بينكما و هي قطيعة بيني وبين أي مخدر كيفما كان نوعه و أدعو الله أن يتوب عليكما من هذا المخدر القاتل."
أخذ أحمد و مراد كلام حمزة على محمل الجد وسارعا إلى الخروج من المنزل عاقدين العزم أن لا يطرقانه مرة أخرى أبدا.
ومنذ هذا الحدث ، أقسم حمزة أن ما وقع سيكون له درسا طول حياته و أنه سيقوم بكل الطرق الممكنة بتبليغ مضمونه و العبرة من وراءه لكل شابة وشاب حتى يكونوا على علم عبر قصته بأن استهلاك المخدرات بمختلف أنواعها هي نوع من الانتحار وهي كذلك دون شك هروب إلى المجهول و إلى طريق مسدود يؤدي حتما إلى هلاك محقق، و حتى يكون بوسعهم كذلك، في إطار محاربة هذه الآفة الخطيرة، توعية الجميع حتى يكونوا على بينة بمصير كل من يغامر بالتعاطي لهذه السموم.
وبعد مضي بضعة أيام، قام خلالها حمزة بترتيب أغراضه المدرسية واستغلها كذلك للاستجمام و أخذ قسط من الراحة، لحق بعائلته إلى البادية ليكمل بقية أيام العطلة هناك بين الأهل والأحباب و الطبيعة الجميلة و الجو الصحي الرائع.
محمد بلحرشة (المغرب)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق