الاثنين، 3 فبراير 2020

................
محمد القصبي
............


الذاكرة و حلم الخلود..
جلس بقرب زوجته التي بلغت من العمر عتيا ، و اخذ يتفرس ملامحها الجلية المستعصية على الفهم تجاعيدها العميقة المشاكسة لأي تدبر ناجع لألغازها الخفية في جب الصمت الرهيب ....مستردا بذلك و في طرفة عين كل السنين التي استقرأ من خلالها ما شهده من تحولات طارئة على الجسد و الروح ... فيا لها من كتابة يخطها الزمن حروفا تقرأ تجاعيد شاحبة ناطقة....
لقد اعتبر حضنها للأسرة إنما هو وظيفة طبيعية جبلت عليها المرأة، و ليس تضحية وجب إنصافها بما يليق و أمومتها في التكريم اللازم لها..بهذه العقلية الجاهلية كان يهمس لنفسه متمتما تارة أو محركا رأسه تارة أخرى:
---طاعنة في السن أصبحت لا تقوى على أي شيء، حتى الفراش بات يلفظها...يا الله .. لم أكن اعلم أن النساء يشخن قبل الرجال بهذه السرعة المفرطة في الانحدار.. إنها الآن في مرحلة اليأس/ الموت الطبيعي لفيزيائية الأعضاء المنتجة لبذور الخصب و الجمال ...
و أردف مطردا القول:
--- اليأس و يئس منها كل شيء حتى أبناؤها في المهجر .. الجسد لغة حية قابلة للانشطار ....
أخذ رشفة عميقة من غليونه الفرنسي ، ثم توالت انهمارات الخواطر وابلا يتصدع من قوته جدارن النفس المتشققة :
--- حقا بل يقينا، هرمت .. سبحان الله و لله في خلقه شؤون..كم اغبط سي علال بن احمد حينما أكرمه الله بصبية جدد الله بها فراشه ...لقد أصبح طليق الجبين، مورد الخدين... يا لحظه السعيد ، فمتى يلهم الله هذه الزوجة إحساس إنصافي و لو بتزويجي من جارتنا فاطنة لعلها تصبح عونا لنا في قضاء حوائجنا البيولوجية من جماع و تطهير ..اللهم اسمع مني يا رب العالمين...
في حين كانت هي الأخرى تقابله و تتأمله بخائنة الطرف و تتساءل بين كل رشفة و رشفة من كوب الشاي الذي أعدته جارتها المطلقة حديثا ، و التي أكثرت من إسداء خدماتها إليهما مؤخرا... لم تنتبه العجوز إلى التغير المفاجئ في علاقة الجارة بهما لكنها آثرت استئناف مونولوجية التساؤل التالي :
---ما معنى احتراقات الذاكرة المنسية ، توثباتها في إعادة إنتاج شريط حياة كانت هي الأسبق تجارب و صراعات بين جميع الأضداد التي تؤمن الاستمرارية / الخيانة و الوفاء السيادة و العبودية العلم و الأمية النور و الظلام العفة الخيانة و..و..وأضداد أخرى طوتها سلطة السلوان ...لماذا أصبحت هذه المخيلة تجتر الإحداث في كل ساعة و حين لإنتاج المزيد من المعاني القابلة لرشق الماضي بومضات العتاب و الاستغفار... هل هو طرح طبيعي لقانون الرحيل الذي بات قريبا... يا لها من محاكمة الذات، و جلدها ،و لفي هذا صورة للإشفاق عليها و مصيرها معا...
وضعت كتاب سيرة ابن هشام جانبا و تناولت السبحة التي تطوق جيدها و التفتت إلى زوجها قائلة:
--- فيم كان تفكيرك شاردا ياحاج ؟...
أجابها متنهدا :
-- في الثورات العربية المباركة ..
استغلق عليها الكلام فأوجزت مستفهمة:
--- بمعنى ؟؟؟,
أجاب مستفيضا:
----إن الدولة إذا شاخت و جب محقها، و تأسيس دولة فتية حتى يستفيد المواطن من دفء الوطن و حبه و نعومة ملمسه فوق الأرض و تحت الأرض...
--- يبدو أن الريح قد صفرت في قفتك ، عموما لم يبق من العمر مثل ما فات يا حاج ألا نكرر العمرة هذه السنة فنكفر بها عن سيئاتنا، ما علم منها و ما خفي كان أعظم.. انتبه الى كلام رسول الله ص :«خير الناس من طال عمره وحسن عمله»
طأطأ رأسه بالإيجاب :
--- إن شاء الله ... و فاطنة ألا تأتي اليوم..؟؟
حدجته بنظرة شزراء و هي تعض على ما تبقى من جذور نواجذها الناتئة المسننة :
---- لما تسقط الدولة و تأتي فاطنة رئيسة لدولة الجديدة عندئذ فقط ستشرف رحاب هذا البيت لتستوزرك في ديوانها... اخرس...خائن حتى في شرودك.. فعلا حينما يشيخ الرجل يصبح على خلقة شيطان ماكرا ذاعرا..لعنكما الله معا الى قيام يوم الدين - من أرادٓ عِزّاً بباطِلٍ أذاقه اللهُ دُلاًّ بحقٍّ...
و انصرفت تلقي فيما وراءها قنابل من السباب و أدعية بالموت الزؤام و التبار المبين بينما العجوز كان يردد في نفسه و الغيض يملأعمقه :
---- عقلك موبوء بالجنون الجذام و البرص ثم رفع عقيرته صائحا:
---- أخيرك فاختاري من ميراثي ماشئت / الثمن او الربع ان قبلت عن نفسك أن تكوني متردية ..نطيحة أو ما أكل السبع... ثم تابع موشوشا في صدره :
---اليوم كالعادة سأناول الشمطاء قرصا منوما لأحظى بعراك و فاطنة التي أحيت في أعماقي قوة و عنفوان و فحولة الشباب ... ما أسعدني بها من ريم جفول لا تكف عن الركض في مراسم الفؤاد ...
في الصباح وجد نفسه عاريا و قد لفت يمناه عنق زوجته التي لا زالت تغط في نوم عميق.. متثاقلا متثائبا صاح مرتعشا:
--- الوديعة، الصندوق، فاطنة، .. وا أسفاه ضاعت نقود العمرة ...ضاعت وجبات السفرة ...
نعم لقد شربته هو الآخر منوما حادا على اعتبار انه قرص الحصان الأزرق ،و سرقت كل أمواله التي أفشى بسرها لها ، يوم أن جمعهما القدر مرة ثانية على فراش الرذيلة... لقد فرت بمدخرات قيمة ، رصدت لتأمين ما بقي من عمرهما... هكذا هدأت فيه سورة الطيش الجامحة.
إلا أن السباب استمر على أشده بينهما ...
----- و هل تنسى فاطنة ؟؟
كانت تلكم عبارة رددها بئيسا كلما استفسرته الزوجة عن غيابها ..
صدق من قال :
--- لسان العاقل وراء قلبه، وقلب الأحمق وراء لسانه---
محمد القصبي
اخريبكة في16/09/2019
المغرب الاقصى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق