الجمعة، 31 يناير 2020

.............
.............



-صورتي في المرآة-
في عشية يوم ميؤوس منه،بعدما هدت الأعصر قوامي،وأثقلت الهواجس فؤادي،رأيتها فجزعت جزعة كادت تذهب بي لولا صمودي أمام المواقف المريرة والمشاهد المحزنة والمسالك الوعرة الدامسة.
لأول مرة أنتبه فأخر ساجدا أمام مشيئتها،أنظر إليها فتنظر إلي عابسة معربدة فاتحة شدقها وفي عينيها غلة لاتروى لهبتها وبغضة لاتخمد حدتها.
أراها فتراني،وكأنها وصمة عار على جبين المجتمع،عالة فرضت نفسها على الأيام فأقبرت تجاعيدها ليوم معهود غير مسمى،وهاهي السنين تمر مرور الأشباح في الظلمة وأنا أتسمر فيه الآن أمامها بلا اختيار مني ولا حتى عزيمة تجعلني أتوق للأمل،هذا الأخير الذي أكاد أخاله محالا وسرابا.
إنها تحدق بي وكأنها وصمة عار على جبين المجتمع.
لأول مرة أشعر أني ضعيف،لأول مرة أنهار تماما.
ترى من سيعيد إلى هذه الجثة العارية إلا من ثيابها بريقها،إنها كانت حتى الأمس القريب وردة تترنم بجمالها،ولكنها صارت شوكا يدمي الأصابع،وعادت كسابقاتها لتتطاحن على العيش مع الكادحين،وكأن القدر أبى إلا أن يطعمها بقصاع من جوع ويسقيها بكؤوس من حنظل وسم وويل وعذاب!!
إني أنا الأحمق التائه الحزين،المنطوي على إصاباتي وكدماتي أتساءل سؤالا ضخما كجرحي :مابك؟ وما أصابك؟ وأين ذهبت تلك البشاشة التي كانت معانقة شفتيك؟ وأين ذهب ذلك السرور الذي كان ملازما شبيبتك؟
قولي لي بحق الأمومة ما هذه الكآبة المالكة نفسك وهذا النحول المخيم على جسدك؟أين هو مجدك؟ ما أضعفك،أين هو بطشك؟ما أجمدك، أين هو حتفك؟ماأتعسك.
تململت مطأطأة الرأس،خاشعة البصر تنظر إلي وأنا الملحود الباكي أمامها وقد وقع لها صدى في نفسها فشعرت كشعوري وأنت ونظرت إلي وأطالت النظر في، ثم تنهدت تنهيدا عميقا ماعهدته فيها من قبل وتأسفت وتذكرت أنها طالما تأسفت وكأن الأسف قطعة لا تتجزأ من ذاتها، وكيف لا وهي عصفور في قفصه مهمته أن يتفرج عليه الناس وكأن القضاء حكم عليه أن يشدو حتى في آخر لحظات موته!
فأين هي الحكمة؟ومن تراها تكون هذه الصورة الجاثمة أمامي التي فقدت إسمها في محاولة للبحث عنه.
إنها صورتي في المرآة،فما بالها وهي تئن بأنيني وتتوجع بوجعي وتموت بموتي أيضا في عالم لا توجد فيه من القيم حتى الأساسية منها..!!
إنها الصورة التي هربت من الحقيقة، الحقيقة التي أبت إلا أن تفضح سرها وتعري قناعها على الآخر.
إنها الصورة التي غابت عني منذ سنين،أراها الآن وأنا مكتوف الأيدي مشلول الضمير فاقد الإرادة مكسور الخاطر والجناح.
كل تصوراتي لها كانت ساذجة بلا معنى،كل الآهات انصهرت مع أول أنة ألم،أول خطوة أخطوها تتحول إلى عثرة قدم.
ويغيب الماضي،نعم يغيب،ويحل الحاضر بكل هواجسه متربعا ومعلنا عن حضوره،وتبقى الذكريات ولا أظنها تساهم إلا في تحطيم الذات وتدمير المشاعر.
أيتها الصورة الحمقاء المخدرة نفسك بدواء إسمه الأمل،أين كنت يوم كان الناس يبحثون عن كراسي تحت الشمس الملتهبة ويتطاحنون على المناصب تطاحن الكلاب الضالة على الفريسة، أين كنت بحق السماء ؟!!
#بقلمي الصالحي رضوان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق