السبت، 2 أكتوبر 2021

 ................

مدحت رحال ،،

.............



نشرت مقالا عن دقة التعبير القرآني في لفظتي:
( أتى ، جاء )
وفي تعليق لأحد الإخوة الأعزاء قال بأن ما بيناه من فرق دقيق في الإستعمال ينطبق على كثير من الآيات وليس عليها كلها مما ورد فيها كلمة / أتى بالتحديد ، وضرب لذلك أمثلة على رأيه ،
وقد رأيت أن أرد عليه في مقال وليس بتعليق موجز ،
لتعم الفائدة أولا
ولأن تعليقا موجزا لا يفي الموضوع حقه ثانيا ،
أما الآيات التي أوردها الأخ الكريم فهي :
(( واللذان يأتيانها منكم فآذوهما ))
المقصود : إتيان الفاحشة
فهي ثقيلة فظيعة ، فكيف وردت كلمة /
يأتي مع فعل فظيع ،
(( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا
وهم نائمون ))
(( أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا
ضحى وهم يلعبون ))
فكيف وردت كلمة / يأتي مع البأس وهو
أمر شديد
(( ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة
ليقولن مايحبسه ، ألا يوم يأتيهم ليس
مصروفا عنهم))
(( فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه
ويحل عليه عذاب مقيم ))
وردت كلمة / يأتي مع العذاب وهو أمر
فظيع رهيب ،
للإجابة على هذا التساؤل وبيان العلة في استعمال كلمة / يأتي في المواضع المذكورة ،
سأفصل ذلك في اتجاهين :
اتجاه عام ، يتناول الأسلوب الدقيق في الآي الحكيم
اتجاه خاص يتناول الآيات المذكورة بالتحديد
ولنفهم دقة التعبير القرآني في استعمال المترادفات ،
لا بد أن نذكر بإيجاز أن :
أتى تستعمل في السهل اليسير من الأمر،
جاء تستعمل في الصعب الثقيل من الأمر
ولنضرب مثلا بسيطا لاستيعاب الدقة في الإستعمال :
طالب حضر الى المدرسة قبل جرس الدخول مستريحا مبتسما نقول :
أتى فلان إلى المدرسة مبتسما يمشي الهوينا
طالب حضر بعد أن ضرب الجرس يلهث راكضا يتصبب عرقا نقول
جاء فلان إلى المدرسة لاهثا يتفصد جبينه عرقا
هل وضح الفرق ؟
فالسهولة والصعوبة نسبية وحسب ظروف الإستعمال ، وليس اللفظ فقط
أما ردي على ماورد من أن أتى وردت في مواضع صعبة وشديدة
هذا القول يعني بأن استعمال / أتى ورد في مواضع سهلة وفي مواضع صعبة ، وبالتالي هذا يعني أن استعمال الترادفات يأتي كيفما اتفق ، وليس دقة في الفرق في استعمال المترادفات ، وحاش لله أن يكون هذا هو أسلوب القرآن ، أسلوب كيفما اتفق ،
أما الإتجاه الخاص بالآيات عينها أقول وبالله التوفيق :
الآية التي تتحدث عن إلفاحشة
تقول : يأتيانها مع أن الفاحشة كبيرة وفظيعة ،
اللفظ ورد / يأتيانها بصيغة المضارع ،
والمضارع يفيد الحال والإستقبال ،
فهما بهذه الصيغة لم يأتياها بعد ،
ولكن هذا تنبيه : إذا أتياها فحكمهما كذا وكذا ،
ولأن الأمر ليس حتميا ، فقد يأتيانها وقد لا يأتيانها ، وردت كلمة / أتى
فالعبرة ليست بلفظة / فاحشة ، وإنما في حيثيات الإستعمال .
وكذلك الحال في أهل القرى
( أن يأتيهم بأسنا )
فالآية تقول : هل أمنوا أن يأتيهم بأسنا ؟
فالبأس لم يأت ، وقد يأتي أو لا يأتي ،
فهو احتمال وليس حتما ، فذكر كلمة / يأت
فالعبرة ليست في لفظ / بأس ولكن في أمكانية حدوثه أو عدمها .
وفي آية العذاب / ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم ،
العذاب لما يأتهم بعد ، ولكن يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم ،
وهنا تراخي في الوقت ، فقد يطول هذا الإتيان وقد يقصر ،
فوردت كلمة / يأتي
فالعبرة ليست في لفظة العذاب وإنما في وقت إتيان العذاب .
وما قيل هنا من توضيح في إتيان العذاب يقال في الآية الأخيرة ( يأتيه عذاب يخزيه )
ولا داعي لتكرار ما قيل .
وفي الختام ،
عندما نواجه آيات فيها استعمال مترادفات في مواضع مختلفة وبتعابير دقيقة يجب علينا أن نعي أن القرآن لا يورد المترادفات في مواضع مختلفة إلا لمعنى خاص بكل منها وليس لمجرد تكرار الألفاظ كيفما اتفق ،
علينا أن نفهم لماذا
لا أن نسأل لماذا
إلا إذا كان السؤال للفهم فقط
أرجو أن أكون قد وُفقت في جلاء ما التبس في هذا الأمر
فإن أصبت فالحمد لله
وإن أخطأت أستغفر الله
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،،،
مدحت رحال ،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق