الأحد، 31 أكتوبر 2021

 ................

نظير راجي الحاج

................



( بائعة الورد )
_______________________
ها هي الصبية تبيع الورود على باب محل صغير، مقابل الإشارات الضوئية، ومقابل أيضًا حفنة من القروش.
توقفت السيارات المرهقة عند أوامر الشارة الحمراء.
تقدمت الصبية بلباسها الرث من شباك سيارتي، وقالت بصوتها الإسمهاني الملائكي...
رسول العشاق. سمير المشتاق.. الورد.. الورد..
غبتُ عن الشارع لسنوات، وعدت إليه، لم أجد الصبية. وجدتها، والحال قد تغير، كبرت الصبية، وضجت أنوثة، تركت الشارع، وها هي بلحمها ودمها، هي نفسها صاحبة المحل الصغير التي كانت تقف على بابه، عرفتها من الشامة الجميلة على خدها الايمن، والتي ورثتها عن اسمهان، ومن الغمازتين على خدودها المتوردة.
تفاجأت اكثر لما رأيت الشابة وقد إستبدلت بيع الورود ببيع الأقنعة.
سألتها:_
لماذا تركت بيع الورود؟ انا زبون قديم.
قالت:_
بضاعتي أصبحت كاسدة.
إنه عرض وطلب ايها السيد.
إسأل نفسك، هل بقي حب!
حدثتني عن أمها المريضة، واخوتها الصغار، وإعالتها لهم، بعد أن توفي والدها، وتحدثت عن كلاب البشر الذين كانوا يتحرشون بها.
قدمت لي وردة، لم تنس ان تحتفظ بوردة لها بالمحل..
شكرتها، وقلت لها:_
غريب.. لقد استبدلت بيع الورود، ببيع الاقنعة..!
قالت:_قلت لك، لم يعد الورد يجدي..
وعدتها ان اكتب عنها...
في جو بديع...
رائع مُشمس...
كانت تبيع..
الورد من ياسمين، ومن نرجس...
ترك جلسة أصحابه القطيع..
ومن كان معه يجلس...
واقترب بوجهه الخليع..
لأذنها، وراح بها يهمس..
فجفلت وعلى السريع..
ووجهها، صار قاتمًا مُعبس..
قالت له:_
ايها التعيس الفظيع..
شرفي لن أبيع..
فهو منيع..
أفهمت ايها الوضيع..
التيس الشرس..
قسمًا..
ولو شعرة مني ايها الرقيع..
لا تأمل بها تلمس..
ورغم غناك ومالك، فانت بنظري نكرة مفلس..
اسمعني.. يكفيني..
ان شرفي رفيع..
وحروف العزة من قلبي، بها أنبس..
وعند موتي وتكفيني..
ثياب الشرف هي كفني.. الذي ألبس..
على البسطة الخارجية لمحلها، كانت تتكدس أقنعة شفافة
متنوعة مهترئة من كثرة الإستعمال.
لقد لفظت أصحابها، وما عادت تتحمل أكثر. سعرها رخيص.
على الرفوف بالداخل، أقنعة أغلى من مثيلاتها بالخارج، يشتريها الصفوة وابناء الذوات والخاصة.
اما في البترينات الداخلية، فهي لأشخاص، أشكالهم هلامية
سريالية فنتازية، نصفق لها دومًا، نموت لاجلها، وهي تبيعنا بأبخس الاسعار، تبحث عن اقنعة شفافة اكثر.
لحظات، وازدحم المحل بالزبائن، سالت، قيل:_إنه عيد الحب
قالت الشابة:_
انظر يا سيدي، كل هؤلاء، سيعودون، وهم يلبسون هذه الاقنعة الشفافة التي لا يراها احد، انظر لهذا العجوز المتكرش
انه لا يراعي شيبته، سيعود لزوجته، يحمل لها مصاغًا ذهبيا
ويقسم اغلظ الايمان، انه مخلصا لها، وهو دوما يستجدي النساء لإشباع غرائزه، وكل هؤلاء على شاكلته.
فجاة..
نادى عامل المحل بصوته الجهوري:_
مزاد على قناع صاحبة المحل.
سالت العامل :_لماذا الكل حريصا على شراء هذا القناع بالذات؟
قال:..
فيه صورنا وافعالنا الحقيقية، فيه تظهر حقيقة وجوهنا.
هربت مسرعا، قبل ان يظهر وجهي الحقيقي.
نظير راجي الحاج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق