..............
ـ زهير الهمامي ـ
................
قراءة نقدية في نص" ترقيع الظل" للشاعر و الناقد باسم عبد الكريم العراقي
بقلم الأستاذ الناقد زهير الهمامي
تحت إشراف الدكتورة عربية بلحاج / تونس
..{ ترقيعُ الظِّل ../ محاولةٌ قبلُ أخيرة } .......................
أتذكَّرُكِ ...
فتضوعَ لهفةُ الإرتماس .. في ينبوعِ الإندراس ..
أنساني بكلِّ آثارِ أمجادِ حِرماني الإلهيّة
فأرتدي هالةَ روحِها ( محاولةٌ خلاصية ) .. / إنسحابٌ أخير
...، يدورُ نطاقُ الأزقةِ
الغافيةِ على أذرعِ العزلةِ ، يلتفُّ حولَ لهاثي
إثْرَ غبارِ الأفخاذِ المستَهلَكَة
... ربما يقولونَ كان
... يكون ..
... ربَّما .. لا
... ربَّما ..و .. ربَّما ..
فحينَ تسَعُ طُرُقاتُ المستحلِ تَسَكُّعاتِ القدر
تتوزَّعُها
حَِرابُ الأطماع ( شروقُ يومٍ جديد )
..... / لاأرضِيَّتي تحملُني على المُحاكاةِ لعلي احوزُ إعترافاً ،
حفيفُ ألوانِ اللا أباليةِ يُعشي دبيبي الأوّلَ نحوي ..
تَتَحسَّسُ همِّي
تهرعُ إليَّ
... ناشرةً أغصانَها
تمسحُ عَبَراتي
وتنُثُّ عليَّ
زقزقاتٍ تدغدغُ
عصافيرَ ضَحِكاتي ( نَحْتٌ في الصَّخر ) .. / تلكَ .. مبكايَ
.. : إمتطِ سحابة
.... وألْقِ مُرساةَ الهروبِ .. فهناكَ
.............. بَرَدُ شذا قَصَصِ العوالمِ الآبقةِ من أنفاسِ البَشَر
.... يُنسِكَ تباشيرَ هجيرِ الوحدة ..
.... فضُمُّكِ إليك ( رقصٌ على إيقاعِ الرغبة ) .. / تلكَ .. بُراقي
..؛ شفَةُ الأُرجوانِ تمرُّ على خدودِ السَّحامِ المباركِ لتقطفَ
خُيَلاءَ آياتِ ربيعِ
العشقِ الأخضر .. / لاأحدَ يجازفُ فيُغادرَ مثواه ، ( لقاءُ الحبيب )
نشوةٌ
تُوَشِّي
شراهةَ جداولِ الجَّمرِ المجّندَلةِ حولَ جدائلِها المهاجرةِ
........................................... بمِزَقِ أحلامي
تنهشُ
أشرعةَ أطوادِ الكَبْتِ المسعور
..... ،
........ ؛
أسلخُ إرثَ الهَذيان
ونبؤاتِي العذريةُ تُغري
.... أهُمُّ بـِ ....
............ إخسأْ
فأمدَّ بصراً لايرتدُّ سوى بي ...
.. أطوفُ حولَ جُرحي .. يتقرَّحُني
أغورُ الى ذُروةِ الصَّلبِ ناشراً فضيحةَ صِدقي
................................. وعُهرَ طهارتي
...أغتسلُ بالقيحِ لأُزيلَ نتانةَ محاولاتِ العروج بلا زعانفَ
نحوَ جذورِ غدي
فلأتعرَّ مِنِّي
واتدثَّرْ
بفلسفاتِ النيازكِ المتشبِّثَةِ بملامحي الأزلية
لا..
سَــ.. ـأَرتقي صمتَ صيصةِ التعريف
.. أدنو
... أحبو
.... أدبُّ
فلا أغادرُ مّوْأَدَةَ سؤالي ..
ــــــــــــــــــــ / باسم عبد الكريم العراقي
حروف باذخة المعاني تعزف على وتر الروح بكل اللغات، و نوتة الجمال و متعة الهمس الرحيم تكتبان على جبين الأيام بقلم موشى بعبقرية النبض المائز و سكينة الروائع،حروف يستلها صاحبها من خاصرة الواقع و يستلهمها من عيون العابرين في أزقة الفراغ...و ها أن شاعرنا يحاول ترقيع ظل فلا الترقيع مجد و لا الظل كامن،فالترقيع محاولة رتق و تجميل لأماكن أو فجوات شابها الوهن و انخرمت و تشوهت و لكنها محاولة مؤقتة ظرفية ليس إلا فالعملية المنجزة هنا تشاكل الواقع أو أنها مجتثة منه لتكون مجرد ترميم و محاولة تقويم دون أن تحظى بالعناية الكافية، كيف لا وهي تتعلق ب "الظل".هذا الظل الذي قد يراه القارئ كلمة عابرة سطحية و لكنها في حقيقتها فضفاضة موحية مشبعة دلالة لأنني أراها على خلاف الظل الحقيقي المتعارف عليه وهو الذي يتشكل نتيجة انبعاث الضوء على الأجسام الصلبة و تحدده قيمة الإنارة و لأنه حضرني و أنا أتصفح هذا العنوان العبارة التالية" إذا رأيت للأقزام طولا فاعلم أن الشمس مائلة للمغيب" ،ثم أليس الظل ذلك الذي ينحسر في العتمة إلا عتمة واحدة ألا وهي دواخلنا و أعماقنا السحيقة و أغوار النفس فينا و تلك الزوايا المهملة و التي تحتاج إلى كنش ونفض ما علق بها من غبار السنين و ما أصابها من وهن مستراب،إنه عالمنا الخفي سهوا أو المخفي عمدا لأننا لا نجرؤ أحيانا على رؤية أنفسنا عراة في مرآة النفس أو الضمير ،أوليس الظل هو ذلك اللاوعي فينا الذي نخاف أن نضل لو أمطنا اللثام عن وجهه المقنع،ذاك الذي يزداد سمكه و ثقله حسب طبيعة الشخصية و درجة وعيها و بما أن شاعرنا مثقف مميز و كاتب استثنائي في زمن الأشباه و الفوضى العارمة التي باتت تغتالنا فإني على يقين من كونه مثقل بهم كبير ككل المثقفين العرب الذين باتوا يؤمنون ب"الكلمة الفعل" تلك التي تصدر عن نفس تواقة إلى التغيير و تسعى جاهدة إلى الانتقال من مرحلة القول إلى المنجز الفعلي لكي لا تكون مجرد عملية تنظيرية بحتة كما درجوا على تلقينها و كرسوا كل الوسائل المتاحة لفرض سلطانها...و من المرات القلائل التي أطالع فيها عنوانا يغنيني عما لحقه لأنه كان نصا موازيا للنص الرئيس أو بالأحرى كل النص هو لأنه أجمل ما ورد بعده مفصلا و في ذلك فنحن نطالع تيارا فكريا و دفقا شعوريا من خلال هذه المناجاة النفسية الداخلية أو هذا الحوار الباطني الذي انسحب على كل مراحل النص و صاحب النص كعادته يعمد إلى استخدام ما تتيحه له اللغة التي يمتلك ناصيتها و يحسن توظيف معاجمها و عجمها وهو في كل ذلك يقظ واع يعلم أن الاتجاه الذي عليه أن يسلكه هو ضخ دماء جديدة في شريان حياة باتت رتيبة متآكلة ضفافها واهن جسدها لذلك يبني خطابه على تنويع المعاجم و التي لنا أن نجملها في المعجم الأنتروبولوجي أو الحقل الأنتروبولوجي وهو ذلك الذي يشمل كل ما هو ديني أو أسطوري و من خلال قراءتنا لأعمال شاعرنا نستشف ذلك الاستخدام المكثف له من قبيل ماورد في نص الحال"الإلاهي،القدر ،العروج،تدثر، براق،آيات....و المعجم الثاني وهو مستل من أزقة العمر والواقع و هو على صلة وثقى بسابقه و قد انبنى على الزمن الحاضر بالأساس و على كلمات مثل" عصافير ،أزقة،طرقات،بشر،صخر، مرساة،أرضية،ينبوع،.... و تدعمها سين التسويف أو الاستقبال لتستشرف المستقبل و الغد المشرق
و الحقل الثالث وهو الأهم في النص بل هو الأساسي الذي يتمركز حوله النص و كذلك الأدب الحديث بشكل عام لأن الذات الشاعرة هي التي تصنع الخطاب من خلال رؤية خاصة ووجهة نظر حول ما يجري في الواقع فكان الحضور لافتا و منسحبا على كامل مراحل النص "أتذكرك،أغتسل،أمد،أغور،أطوف، أسلخ،يلتف،أرتدي...
و من خلال ما تقدم و كل هذه الحقول الدلالية نلحظ أن الخطاب الشعري تأسس على رؤية شاملة تضم الوجود و العالم خاصة مع استخدام مفردات من قبيل "عوالم ،إنساني،..." لغة شعرية تنهل من كل مشرب و تنفتح على كل زاوية و تشرئب نحو غد أفضل و كل ذلك من خلال ذات تواقة إلى التغيير مسكونة بالثورة و ما تجدر ملاحظته في هذا النص هو المونولوج الذي استخدمه شاعرنا كتقنية تعكس وعيا أو تيارا فكريا و من البديهي أن تلتصق بفكر صاحبها و مشاعره و أحاسيسه و قناعاته كمثقف يحمل همه و هم أمة ،فالمونولوج هو عبارة عن مناجاة أو نجوى ذهنية مباشرة و ربما هذا من الأسباب التي دفعت شاعرنا إلى استخدام أنصاف الجمل و الكلمات غير المنتهية لفظا ولكنها مشبعة معنى مثقلة توصيفا وربما أن ذلك لأن عملية الكتابة عنده لا تعدو أن تكون إلا قفزات عقلية قد يخيل للبعض أنها لا تخضع لقواعد اللغة و نظم الصياغة و لكنها في الحقيقة هي طريقة و وسيلة تعكس الحالة النفسية و تستدعي قسرا ذلك الدفق الشعوري النفسي الذي تمزق نسيجه في أدران الواقع و فوضاه فما يكتب هو في الحقيقة ما يحدث على مستوى ما لم يتشكل بعد تحت اللسان فهي لقطات واقعية و صور مستقاة من اليومي و اللحظة لذلك هي عملية بوح تستدعي ضرورة متلق و سامع وليست مجرد مناجاة و عفو خاطر وهو الأمر الذي يخلق ديناميكية و بعدا تأويليا لتلك الحروف و أنصاف الكلمات التي تعكس حالة الانفعال القصوى و الثورة العارمة التي تتملك شاعرنا لحظة الكتابة و هي حالة تمزق و تأرجح بين ما يحيكه الواقع و ما تفرزه الذات داخليا و هي رؤية خاصة بصاحبها و قناعاته و فكره وتوجهاته كمثقف واع بقيمة الكلمة في رصد هنات الواقع و رتق فجواته وربما هذا مما يفرض علينا اعتناق و معانقة تلك الذات و الشخصية المبدعة ...وهي ذات مبدعة بحق و استثنائية بعمق.
و عموما لا يمكننا فصل النص عن منشئه و مبدعه لأنهما يتكاملان و ينسجمان انسجاما تاما خاصة بالنظر إلى ما حف به وهو كزاهد في خلوته يستنبط من الحياة ما به يرتق فجوات الروح ،لذلك نجده يعمد إلى أسلوب الالتفات كأسلوب دلالي يفترض أرجحة الصيغ و تلوين الخطاب الذي انتقل بين ضمير المتكلم المفرد " الأنا" و ضمير المخاطب المفرد " الأنت" و هذا التلوين يعكس حالة الشاعر و نفسيته في صيغة إلزامية " إمتط،ألق..." بالإضافة إلى ما وشي النص من أساليب بلاغية و محسنات لفظية و هذه من مميزات النثرية فضلا عن أن المشاعر و الأحاسيس الصادقة ليس عليها أن تتقيد بأسلوب مستهلك بل هي مما يستظل تحت أي أسلوب و قد عمل شاعرنا على ذلك و دعمه من خلال العناية بالجمل و أبنيتها لغرض جمالي صرف دلالي بحت -ولو أن النثرية لا تخضع للغرضية و المنطق- و ما الميل إلى الرمزية إلا تقنية تخرج القارئ من مجرد قارئ إلى مقتنع عامل أي تخرجه من الحيادية إلى الانخراط عمليا في النص و هذا من بين الأسباب التي جعلت صاحب النص يؤثث لغته على فضاءات مفتوحة على بعضها البعض و ذلك مما يستدعي ضرورة الغوص في غياهبها لاستكناه أبعادها و رصد تلك المخبوءات في تلافيف الوجدان.
ـ زهير الهمامي ـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق