...............
*خالد سليمان
...............
في الجنة ، بقلم وألوان :*خالد سليمان
******************************
جغرافية المسلم وتاريخه مختلفان ، ليس كما نتعلّم في مدارسنا ، فجغرافية المسلم تبدأ من الجنّة التي خلق فيها أبونا آدم عليه السلام ، ثمّ انتقلنا إلى الأرض كلّها ، وتنتهي جغرافيته بالفردوس الأعلى من الجنة ، فالأرض كلها لله ، ونحن جميعا لله ، ولمّا انحرفنا عن هذا المفهوم صارت جغرافيتنا من المحيط إلى المحيط ، ولما ضاقت أكثر صرنا من المحيط إلى الخليج ، ولما ضاقت حصرونا في حدود دولتنا التي صنعها المجرمان مارك سايكس ، وفرانسوا جورج بيكو صاحبا اتّفاق (سايكس بيكو) ، ولما ضاقت صرنا في محافظات ضيّقة ، وامتد الانشقاق حتى صرنا مسجونين في بيوتنا الضيقة ، ولما ضاقت أكثر صار كل واحد منا في غرفته ، وامتدّ الانشقاق حتى بلغ أرواحنا ؛ فصار يسكننا ألف مسخ ومسخ كنوع مؤلم من الانقسام ، وتاريخنا يبدأ من آدم عليه السلام وينتهي بالفردوس الأعلى للمؤمنين ، وجهنّم لأعداء الله الكافرين ، فالجنة مبتدانا ومنتهانا إن شاء الله .
*مفتاح الجنة نسخة واحدة فقط ؛ فاحرص عليه ، فإن ضيعته ؛ فليس له نسخة أخرى ،
نتألّم في الدنيا ونشقى ، ونبكي ونتعذّب بفراق من ذابوا في قلوبنا ، وسكنوا خلايا اللحم والعظم والحلم ،
كلّنا يتوقّف خياله عند أبواب الجنّة ، ويقول ربّما لا أكون من أهلها ، ولكن أحسن الظنّ بالله ؛ تكن من أهلها .
ولكن ماذا في الجنة سنراه وقدّ مرّ بنا في الدنيا ؟؟
وتتوالى الخواطر والصور ، وتزدحم ؛ فتتعب خيول تفكيرنا ، وننسحب ، وتشدّنا الدنيا بأحوالها ، وتشنقنا الهموم بحبال من مسد ، فنهمل التفكير في الجنة ؛ فتقل همتنا في الطاعات ، وتزداد معاصينا .
ومن ازدحام المعاصي ينشأ شعور محبط ، خلاصته سوء الظنّ بالله ؛ فنيئس ونتبلّد ، وتخفت أضواء الجنة في قلوبنا ، وتستيقظ جهنّم بصورة باهتة ، لا تدفعنا لترك المنكرات والمعاصي ، وينشط الشيطان ؛ ليضعنا في المنطقة الرمادية الباهتة التي تعني اللا جنّة واللا نار اللا طاعة واللا معصية ، وتفتر الهمم وتصير أفعال الإنسان ميّتة لا روح فيها مثل الصلاة الميتة التي لا روح فيها ؛ لأنها بلا خشوع ، فالخشوع روح الصلاة ، وكم من صلاة ميتة تلقى في وجوهنا صارخة : ضيعك الله كما ضيّعتني !!!!!!
ولكن فكّر في الجنّة بطريقة ربّانية كريمة أوّلها : ماذا في الدنيا من غال علينا سنلقاه في الجنّة ؟؟
في الجنة سترى وجه من أحببتهم وغابوا عنك ، وحين ماتوا ؛ تحولت حياتك إلى شجرة خريف حزينة ، سترى رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - وكفى به أنسا وجمالا ـ
ويكفي أنّ الجنة فيها من البشر فقط رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بابتسامته وحبّه لأمته ، وسترى الصحابة الكرام وتأنس بالصالحين ،
في الجنّة سألقى الصالحين إن شاء الله : سألقى أبي وأمي وزوجتي وأولادي وبناتي وأصدقائي وجيراني ولن يموت أحد منهم .
في الجنة لا بكاء ولا دموع ولا أحزان
في الجنة لا شوق ولا حنين لشيء ؛ فالله أعطانا ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر
في الجنة لا فراق لمن تعلّقت بها قلوبنا ، وذاب فينا ، وذبنا فيه
في الجنة لا سفر ولا رحيل
في الجنة خلود بلا موت ، لقاء بلا فراق
في الجنة لن تعرف قلوبنا البكاء ولا كسر الخاطر ، وستنسى أعيننا الدموع بل لن تذكرها حتى تنساها
في الجنة لن نحزن على ما فات ، ولا نخاف من شيء آت ، فما نحن فيه يفوق التوقّعات ، ويتعدّى حدود الأمنيات
في الجنة لن نفترق أبدا معا معا ، ففراق الدنيا نسيته قلوبنا ، وهنا في الجنة نلتقي اللقاء الفردوسي الحالم الجميل ، وأجمل اللقاءات تلك التي ما بعدها فراق
في الجنة لن نحقد ولن نكره ، ولن نحسد ولن تعرف قلوبنا غلا لمسلم موحّد ،
فمن أقام جنة الحب في قلبه للمؤمنين في الدنيا ؛ ستقام له جنّة الحب الوارف الظليل الدافئ
في الجنة لا غيرة من أحد ولا حقد أسود يسكن صدورنا فتضيق ، بل تتسع الصدور بالحب لأولياء الله أهل الجنة
في الجنة لا انتظار ولا ترقّب ، فما ترجوه تجده أمامك ، ومن تحبّه يؤنسك بجواره ، ومن ظننت أنّه في الدنيا ابتعد وغاب ، ها هو في حلل السندس يخطر أمامك
الجنة أملك الوحيد الذي لا ينتهي صلاحيته ، فهو ممتدّ بل هو يعطي حياتك بهجة ويضفى عليها بريقا ولمعانا لا ينطفئ
الجنة محطة الوصول التي ستعود فيها إلى أحب من عرفت ، وإلى أعظم ما ترجوه في الدنيا ، هناك أنت لست وحدك ، بل أنت أيضا مكافأة يرجوها من أحبّك في الله وأحببته .
الجنّة هي المواعيد والآمال المؤجلة التي تم تأجيلها رغما عنّا ، فما انتظرت مكافأته في الدنيا ولم تنله ؛ ها هو الآن بين يديك أضعافا مضاعفة أمام العالمين جميعا
الجنة هي الأماكن التي لا تستطيع الأرض منحنا إياها ، وهي المشاعر الرائعة التي لم نعشها وهي الآمال الجميلة لتي لم تمنحنا الأرض إياها
الجنة هي الحب الذي بخلت به الدنيا ، وهي الفرح الذي لا تتسع له الأرض بكل قاراتها الست .
إنها الوجوه التي نشتاقها وحرمنا منها .
الجنة هي لحظة التمكين والنصرة للمظلوم ، يوم أن يجد أجنحة الحب تحيطه وتحمله على منابر من نور
فهيا من الآن نغيّر طريقة تفكيرنا عن الجنّة - كتب الله لقاءنا فيها جميعا - وأرجوكم لو لم تجدوني فيها ؛ فاسألوا الله من فضله ، وتشفّعوا لي ليأتي بي إليكم ، وإن وجدتموني - اللهم اجعل هذا حقيقة يارب – فلأرافقكم جميعا لما هو أحلى من الجنة بفردوسها ونعيمها ، إنّها رؤية وجه الله الكريم ، اللهم متعنا بلذة النظر إلى وجهك الكريم يارب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق