.................
عبده داود
..............
الجبل البعيد
حلقة 14
أصرت نينا أن تسافر إلى زوجها في سورية رغم معارضة أهلها الشديدة، خشية عليها من الحرب الدائرة بين القوى الموالية للرئيس بشار الأسد، رئيس الدولة السورية، وبين القوى المعارضة له، التي استجارت بقوى أجنبية ومهدت الطريق لها للدخول إلى سورية، وبالفعل أحتلت تلك الدول المستعمرة أغلب الأراضي السورية، وكادت أن تسقط سورية كاملة في قبضتهم...
استعانت الحكومة الشرعية بحلفاء لها من روسيا وإيران والصين والهند وجنوب افريقيا وغيرهم من الأصدقاء المعروفون بمجموعة البريكس.
هذا التحالف أفجع الطامعين في تنفيذ مخططاتهم الاستعمارية في سورية، ودارت حرب شعواء انتصرت فيها سوريا وحلفائها. لكن حقناً للدماء السورية، أتفق الجميع على الحلول السلمية، لكن تبين اليوم بأنها كانت حلولاً واهية غير جدية لم تثمر حتى اليوم...
لا بل العكس لا يزال الاستعماريون الطامعون بنا يحتلون مساحات واسعة من الأراضي السورية الغنية في البترول والغاز. ولم تثمر مئات المؤتمرات حول خروج المستعمرين من أراضينا وإعادة السيادة الوطنية إلى سورية...
كذلك لم تفلح المصالحات الوطنية بإجراء انتخابات جديدة لتدير البلاد، ولا يزال الخلاف قائما حتى الآن، ربما المناوشات العسكرية المسلحة انحسرت، لكنها لا تزال تستعر في ادلب وشرق سورية بين الحين والحين، تحركها القوى الخارجية للضغط على الحكومة السورية بغية اخضاعها لسياسة تفرضها علينا...
وحتى اليوم لا توجد خارطة طريق واضحة لحل المشكلة السورية....
والدا نينا كانا يدركان خطورة الوضع في سورية، لذلك كانا يمانعان وبشدة سفر أبنتهم إلى زوجها في النبك/ ريف دمشق.
نينا خالفت أهلها لأول مرة في حياتها، وركبت رأسها وأصرت على الحضور لتلاقي زوجها الذي يتعذب بعيداً عنها وعن أبنتهما الطفلة سوريا وقد اشتد شوقه لهما ولم يجدا حلاً مناسباً لهما، طالما والدته ممانعة بشدة الذهاب إلى الدانمارك، مفضلة أن تموت تحت القذائف وهي بين الأصدقاء، على الذهاب إلى الدانمارك. وكانت تقول (الموت بين الرفاق عز ونصر) بينما في كوبنهاجن سأبقى غريبة وأموت غريبة...
استقبل كمال زوجته في مطار بيروت بدموع الفرح وكان يحمل أبنته ويقبل يديها الصغيرتين بحنان شديد.
آنذاك كان الطريق من بيروت إلى دمشق يغص بالجنود، وحواجز التفتيش الأمني. وكان هدف زيارة نينا الخفي أن تقنع حماتها بالعودة معها إلى كوبنهاجن، وبذلك تنتهي عذابات الاسرة ويعيش الجميع بسلام...
جاء جميع الأصدقاء يسلمون على نينا والفرحة دارت في ديار كمال. لكن الذي كان يقرص نينا كان البعض يقبلون الصغيرة سوريا تحبباُ، ومنهم يبدو مصابين بالرشح.
في اليوم التالي اعتذرت نينا عن استقبال الضيوف بحجة واهية.
أم كمال لم تعد تنظر إلى نينا بالمنظار السابق عندما كانت نينا ضيفة عندهم، الآن أم كمال هي سيدة الموقف، وكنتها يجب أن تكون تحت أمرتها، وتنفذ أوامرها... هكذا هن الحموات وخاصة عندما تسكن الكنة في بيت حماتها ومعها....
كانت الأوامر تظهر بشدة عندما يذهب كمال إلى المزرعة ليعمل في الحقل الذي ورثه من ابيه المرحوم.
أم كمال كانت تحادث نينا بلغة الإشارة، وكانت نينا تجن عندما ام كمال تريد أن تطعم الطفلة سوريا من طعام البيت، بينما نينا كانت تفضل المعلبات الغذائية التي تحضرها من صيدلية البلدة، وحتى هذه لم تكن جيدة كتلك التي تباع في الأسواق عندهم، كانت معلبات مخصصة للسوق في الشرق الأوسط ولا تحتوي على كافة العناصر الغذائية المطلوبة.
أما خوفها الحقيقي كان من احتمال سقوط القذائف على الشوارع وعلى البيوت التي يطلقها الإرهابيون على النبك من أماكن مجهولة متبدلة...
أما مشكلة الكهرباء المقطوعة بشكل دائم كانت مصيبة على نينا...جميع الأدوات الكهربائية التي تستخدمها متوقفة عن العمل وخاصة الموبايلات لم تكن توجد طاقة لشحنها حتى تتواصل مع أهلها وتطمئنهم عن حالها.
وكذلك الغسالة المتوقفة عن الحراك لا تعمل فتضطر أن تغسل الملابس بالطريقة البدائية...وهذا كان يشكل لها الجنون وفقدان الأعصاب.
حتى جاء ذلك اليوم، كمال كان في الحقل عندما أخبروه بأن قذيفة أصابت دار أهله. ترك كل شيء وركب دراجته بأقسى سرعة جنونية، وعاد إلى المنزل كانت امه ونينا تحتضن أبنتها، وهن مختبئات في زاوية من زوايا البيت وكن يصلين ويطلبن مساعدة العذراء أم يسوع حتى تحميهن من خطر بات محتماً.
كمال لم يناقش الأمر، ولم يطلب توضيحاً للذي جرى، كل ما قاله: أنا ذاهب لأحضر سيارة اجرة تأخذنا إلى بيروت الآن.
أم كمال لم تنطق بكلمة واحدة وركب الجميع السيارة إلى بيروت وإلى المطار وإلى الدانمارك...
عندما نزلت نينا من الطائرة ركعت وقبلت الأرض وقالت شكرا لك يا ربي لقد انقذتنا من موت كان يدور حولنا...
بقيت العائلة مدة طويلة تعيش حالة ذهول وخوف من الذي حدث في النبك.
وكان أهل نينا يشكرون الله على نجاة أبنتهم وعائلتها من حرب غير معروف هويتها.
كانت نينا تنظر إلى الروابي والمراعي والزهور، والكهرباء التي لا تنقطع أبداً، والماء الجاري الرقراق، والتدفئة النظيفة، والسلام الحقيقة الذي يسود البلاد، وتتشكر الله على النعم والخيرات التي تعيش فيها الدانمارك...
سعاد كانت في غاية السعادة في السويد، لكن عندما علمت بمجيء كمال وخالتها ليعيشوا في الدانمارك، تحركت عواطفها من جديد، وقررت الحضور لتعيش معهم وخاصة بقرب كمال الذي يملأ قلبها منذ نعومة أظفارها...وشدت الرحال وجاءت لتعيش ببيت كمال.
كاتب القصة: عبده داود
إلى اللقاء في الحلقة 15
يرجى من الذين يودون قراءة الحلقات السابقة يجدونها بمجموعتي " مجموعة رواياتي"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق