الاثنين، 28 سبتمبر 2020

 .................

مرشد سعيد الاحمد
.................






قصة قصيرة
بقلم: مرشد سعيد الأحمد
ذكريات خلف في حلب
بعد حوالي الثلاثين عاما على تخرجه من كلية العلوم بجامعة حلب قرر خلف القيام بزيارة الى حلب ليستعيد ذكرياته اثناء الدراسة . فسافر في بولمان فخم مكيف وبكراسي مريحة ومزود بشاشة لعرض الفيديو و....
وبقي طول الطريق تتردد على مسامعه اغنية
"شوف الواوا بوس الواوا شوف الواوا بوس الواوا "
دون ان يعرف او يفهم ماالمقصود بالواوا
فتذكر كيف كان يسافر في باص ( الهوب هوب ) في بداية الثمانينات من القرن الماضي على صوت صباح الفخري وهو يشدو الموشحات الاندلسية مثل موشح اسقي العطاش و ياشادي الالحان و.....
بعد وصوله حلب توجه مباشرة الى فندق الاميرات وحجز الغرفة التي قضى فيها شهر العسل مع زوجته سراب . وبعد استراحة قصيرة و اداء صلاة العصر ذهب الى الحديقة العامة و جلس على نفس الكرسي الذي كان يجلس عليه هو وخطيبته الحلبية خدوج التي كانت تبلغ من العمر اثنا عشر عاما فتذكر اناقتها و رائحة عطرها وكيف كانت تغني له الاغنية الحلبية المشهورة:
" سكبتلك دمعي بالكاس اشرب من دمعة عيني
وتكرم كل عيون الناس كرامة عينك ياعيني "
وتذكر كيف كانت تفتح محفظتها وتخرج منها كيس الكبة او قطع الحلو وتطعمه بيدها وهي تقول :
(اشتهيتلك هالكباية او اشتهيتلك قطعة هالحلو )
فتذكر زوجته سراب وهي تصرخ به كل صباحية
( قوم روح جيب اللبن قبل مايخلص من الدكان )
وبعد ذلك توجه الى كراج انطلاق الباصات ووقف في المكان الذي وبخه فيه والده بعد ان فشلت خطوبته بسبب سكوت ابو خطيبته خدوج وقيام امها بفرض الشروط التعجيزية فتذكر كيف تجمّع حولهما سائقي الباصات والعاملين بالكراج وهم يهدأون والده قائلين:( طول بالك عالصبي ياحجي وكيف قال له والده نحن جايين نخطب من زلمة والا من حرمة وهاي شلون راح يطلع ابنها ). وفي اليوم التالي توجه الى كلية العلوم وتجول فيها ودخل الى المدرج الاول ووقف عند المقعد الاخير في المدرج وتذكر كيف قالت له احدى الزميلات التي كانت تجلس بجانبه في السنة الاولى عندما قالت له يازميل يازميل اغلق النافذة
( لان بدي اگرب ) وكيف رد عليها قائلاً:
( انتبهي لا تقربي يشوفنا الدكتور ويخرب بيتنا ) و كيف قام الدكتور بأخرجهما من المحاضرة بعد ان ضحكت على كلامه بصوت عالي . وبعد شرب فنجان من القهوة في مقصف الكلية اتصل مع صديق عمره ابن حلب الاصيل ابو خالد الذي اقام وليمة مكونة الكبب المشوية والمقلية والكبة النية بالاضافة الى محشي الكوسا والباذنجان والفليفلة الحمرا دعا اليها معظم اصدقاء الدراسة في الجامعة. وبعد تناول الطعام واثناء شرب الشاي دارت احاديث مختلفة عن ايام الماضي وذكرياته والمواقف الطريفة التي حدثت مع كلا منهما. فطلبوا من ابو علي ان يحكي لهما النكتة التي كان يحكيها لهم عن ابو عبدو صاحب المشاكل في باب الفرج اثناء الدراسة و في المعسكرات الجامعية فلبى طلبهم قائلا : في بداية التسعينات من القرن الماضي واثناء تحرير الكويت كانت صور الرئيس الامريكي بوش تملأ المجلات والجرائد وشاشات التلفزيونات و كان العالم متخوف من حرب عالمية ثالثة
عندها قرر ابو عبدو السفر الى امريكا لحضور مباراة كأس العالم وبعد ان اقلعت الطائرة من مطار حلب الدولي تعرضت لحادثة خطف حيث قام الخاطفين بأرغام الطيار على تغيير اتجاه الطائرة وعندها بدأ الركاب بالصياح والعويل وخاصة النساء فتحركت النخوة والشيمة عند ابو عبدو وسحب موس الكباس وصرخ بالخاطفين باللهجة الحلبية قائلا :
( ولااااااااااك عرصاااااااااه ايش عب تسااااااوي ولاااااك)
وهجم عليهم فانهار الخاطفين من شدة الخوف وسلمو انفسهم لابو عبدو وعادت الطائرة الى مسارها
وعند هبوط الطائرة استقبله الرئيس بوش وتشكره واكرمه وحضر المبارة معه . وفي الصباح صارت الجارة تسألت جارتها والتاجر يسأل التاجر والطالب يسأل الطالب
( ياجماعة مين اللي كان بيرك مع ابو عبدو )
اي من هو هذا الرجل الذي كان جالس مع ابو عبدو
فرد ابن صديقه خالد قائلا : معقولة واحد عتال صاحب مشاكل مشهور في حلب اكثر من جورج بوش في تلك الايام . فرد عليه خلف نعم يا ابن اخي معقولة
لكن من غير المعقول ان نجد اشخاصا في بلدنا شهرتهم بالفساد ونهب المال العام اكثر من شهرة ابو عبدو باضعاف المرات ومع ذلك تجدهم يمارسون عملهم ويقيمون الندوات والمقابلات ويتحدثون عن حب الوطن وحب الشهادة والتضحية في سبيله.
لكن الفرق بين ابو عبدو العتال واي فاسد منهم هو ان ابو عبدو رجل شجاع لايخاف السجن اما الفاسد فهو انسان جبان يخاف من اي رجل يلبس جاكيت جلد ويحمل دفتر بيده. وان ابو عبدو انسان شهم صاحب شيمة ويغار على اي امرأة تمشي في الشارع اما الفاسد فهو انسان نذل يحتقر المحتاج و كذلك ديوث عنده استعداد ان يساوم حتى على عرضه وشرفه . فقاطعه ابو عثمان قائلا : يا استاذ خلف لقد نسيت صفة هامة جدا من صفات الفاسد عبدي انه انسان غبي وقمة الغباء ان يستغبي رجل لمجتمع يعرفه ويعرف اهله ويعرف كيف كان عايش وكيف استطاع ان يصل الى ماوصل اليه.
____________ انتهت _____________
بقلم :مرشد سعيد الاحمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق