الجمعة، 26 يونيو 2020

...........
جمال الرمضاني️
.............

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏منظر داخلي‏‏

قرأت في مجلة أهل النفط وهي لسان حال الموظفين والعمال في شركة نفط العراق والشركات المتحدة معها في ذاك الزمان الجميل .
تشرين ١٩٥٥ _ العدد ٥٢ _ السنة الخامسة لصدورها وكان ثمن هذه المجلة ٢٠ فلساً / قرشاً
واخترت لكم موضوع بعنوان :
💎《 الأدب يطعم خبزاً 》💎
بقلم المرحوم الأستاذ عبد الله مشنوق
💎وعرض صورة لقصيدة بعنوان :
《 فم 》للشاعر سعيد عقل رحمه الله

الأدب 💎💎 يطعم خبزاً 💎💎💎
لست أدري الآن معلمي الشهيد عمر حمد كان أديباً بائساً أم لأنه كان بفطرته حزيناً ينزع إلى تصوير مشاهد الألم والبؤس حتى ألح رحمه الله في تلقيني هذه الأبيات _ وأنا بعد يافع _ لشاعر النيل .
يتبرم فيها حافظ إبراهيم بالحياة ويصور لنا بؤس الأديب إذ يصور نفسه قائلاً :
سعيت إلى أن كدت أنتعل الدما
وعدت وما أعقبت إلا التندما

سلام على الدنيا سلام مودعٍ
رأى في ظلام القبر أنساً ومغنما

وما عصمتني عن زماني فضائلي
ولكن رأيت الموت للحر أعصما

فهبي رياح الموت نكباء وأطفئي
سراج حياتي قبل أن يتحطما

وكان معلمي حريصاً ، وهو يشرح لنا معاني الأبيات ، على إبراز الأديب بهذه الصورة المظلمة ، فتكونت لي فكرة كئيبة عن الأدب لازمتني طوال الشباب ، وأوشكت أن تصبح عقيدة قوامها أن الأدب والبؤس صنوان لا يفترقان ، وأن من نذر نفسه للأدب فقد نذر نفسه للشقاء .
وما كانت مطالعاتي في كتب الأدب عن حياة الأدباء إلا لتزيدني رسوخاً في هذه العقيدة ، وما كان إتصالي بإدبائنا الأعلام في لبنان وسوريا وما عرفته عن حياتهم في مباذلهم وعن نهايتهم المفجعة إلا لتزيد هذه الفكرة وضوحاً وجلاء ... ولست أنسى ماقرأته يوماً في أحد كتب الأدب _ ولعلهُ العمدة لابن رشيق القيرواني _ حيث أراد أن يصور فقر أحد الناس فلم يزد على أن قال :
لقد أدركته حرفة الأدب ...
لقد أدركته حرفة الأدب . هذه هي الصورة التي كان يتناقلها الناس في عالمنا العربي عن الأديب وما يزالون ، وهذه هي الصورة التي أشار إليها شاعرنا الظريف المرحوم عبد الرحيم قليلات حين أنجز طبع ديوانه الأنيق (( الهيام )) ونشر في الصحف عنه الإعلان الظريف التالي :
صدر ديوان (( الهيام )) لعبد الرحيم قليلات وثمنهُ ليرتان وأما من (( أدركتهُ حرفة الأدب )) فحسبه أن يبعث بعنوانه إلى الشاعر حتى يرسل الديوان هدية إليه .

ولقد كانت هذه الصورة الكئيبة للأديب صادقة في ماضيات العصور حينما كان الأدباء لا يجدون سوقاً تروج فيها بضاعتهم إلا في بلاط الخلفاء والملوك وعلى أبواب الأمراء ، فكان الشعراء يتكسبون بالمديح والرثاء والهجاء فهبط الشعر من برجه العاجي إلى حضيض المادة وراجت سوق الشعراء المداحين ، وأما الذين كانوا يكتبون الأدب للأدب نفسه ويبتغون مرضاة الفن لا مرضاة الدرهم والدينار ، فقد ظلوا بمعزل عن النفاق والرياء وأدركتهم حقاً حرفة الأدب فعانوا من ألوان البؤس والشقاء ماحفلت بأنبائه كتب الأدب ، فكان الآباء يعزفون بأبنائهم عن هذه الصناعة الشريفة ضناً بهم أن يحيوا حياة سداها العوز ولحمتها الحرمان .
ولم تكن حياة الأديب في أوروبا قبل إكتشاف المطبعة خيراً منها في الشرق ، فقد كانت النعمة سابغة على اولئك الذين نالوا حظوة في بلاط الملوك _ وهم أفراد قليلون _ وأما الباقون فظلوا يعانون آلام البؤس والحرمان .
ولعل الإزدهار الحديث لصناعة الأدب في الشرق والغرب يعود بالدرجة الأولى إلى سببين جوهريين وهما ؛
💎أولاً :
إتصال الأديب المباشر بجمهرة القراء .
والفضل في ذلك يعود إلى نعمة الطباعة ،

💎وثانياً :
إنتشار العلم بين مختلف الطبقات وزوال الأمية فكثر بذلك عدد هؤلاء القراء ، وأصبح بوسع الكاتب والشاعر أن يعتمد على الألوف بل الملايين ، يغذيهم بأدبه ويغذونه بالمقابلة بأسباب معاشهُ .

وقد أسهب الكاتب كثيراً في هذا الموضوع حتى وصل بالكلام إلى قولهِ :
💎💎💎💎💎💎💎💎💎💎💎
ولكني أعتقد جازماً أن الأديب الحق كالطبيب الناجح وكالمحامي اللآمع يستطيع في عصرنا الحاضر _ أن يشق طريقه في زحمة المتادبين وإن يعيش بشرف بل برخاء إذا كان انتاجهُ الأدبي من الحياة والصدق ما يجعله خليقاً بالمطالعة💎 .

🔹️وأما اولئك الكسالى الذين يعيشون على ماضٍ ادبي كانت لهم صولة ، ويعجزون اليوم عن الإتيان بالأدب الجديد الذي يتفق ومقتضيات العصر فإنهم أولى بالشفقة منهم بالمناصرة وخير لهؤلاء وللأدب أن ينصرفوا إلى مزاولة أعمال أخرى ويتركوا الأدب للأدباء المجدين المجددين المنتجين .
💎💎💎💎💎💎💎💎💎💎
أجل لم يعد الأدب محنة تعتري الأدباء العرب وإنما هو نعمة وبركة إذا كان يحمل الطابع الشخصي وإذا كان مستمداً من صميم الحياة 💎 .

بحث وتوثيق من مجلة أهل النفط
🍂جمال الرمضاني️🍂

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق