الثلاثاء، 30 يونيو 2020

..............
 د. صالح العطوان الحيالي 
..........




الشجاعة عند العرب
ـــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي - العراق- 13- حزيران 2020
هي القدرة على التصرف بشكل صحيح تجاه المعارضة الشعبية و الخزي و الفضيحة أو الإحباط.قيل الشجاعة هي: (الإقدام على المكاره، والمهالك، عند الحاجة إلى ذلك، وثبات الجأش عند المخاوف، والاستهانة بالموت) . وقال ابن حزم: (حد الشَّجَاعَة هو بذل النفس للموت، عن الدين، والحريم، وعن الجار المضطهد، وعن المستجير المظلوم، وعن الهضيمة ظلمًا في المال، والعرض، وفي سائر سبل الحق، سواء قلَّ من يعارض أو كثر)
الفرق بين الشجاعة والقوة
(كثير من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقوة وهما متغايران، فإن الشجاعة هي ثبات القلب عند النوازل وإن كان ضعيف البطش. وكان أبو بكر الصديق أشجع الأمة بعد رسول الله وكان عمر بن الخطاب وغيره أقوى منه، ولكن برز على الصحابة كلهم بثبات قلبه في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال، وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيثبتهم، ويشجعهم
الفرق بين البسالة والشَّجَاعَة
(أنَّ أصل البَسْل: الحرام، فكأن الباسل يتعذَّر على أحد أو يحرم عليه أن يصيبه في الحرب بمكروه؛ لشدته فيها وقوته. والشَّجَاعَة: الجرأة، والشُّجاع: الجريء، المقدام في الحرب ضعيفًا كان أو قويًّا، والجرأة قوة القلب الداعي إلى الإقدام على المكاره، فالشَّجَاعَة تنبئ عن الجرأة، والبسالة تنبئ عن الشدَّة
الفرق بين الشَّجَاعَة والجرأة
(أنَّ الشَّجَاعَة من القلب، وهي ثباته واستقراره عند المخاوف، وهو خلق يتولد من الصبر وحسن الظن، فإنَّه متى ظن الظفر وساعده الصبر ثبت، كما أنَّ الجبن يتولد من سوء الظن وعدم الصبر، فلا يظن الظفر ولا يساعده الصبر. وأما الجرأة: فهي إقدام، سببه قلة المبالاة، وعدم النظر في العاقبة، بل تقدم النفس في غير موضع الإقدام معرضة عن ملاحظة العارض، فإمَّا عليها، وإمَّا لها)
خلقُ الشَّجاعة، وهو خُلقٌ عظيمٌ يعيب كُلَّ شخصية ألا تتصف بها، وحقيقة الشجاعة: هي الصَّبر والثَّبات والإقدام على الأمور النَّافعة تحصيلاً وعلى الأمور السِّيئة دفعاً، وتكون الشَّجاعة في الأقوال والأفعال، واصل الشَّجاعة في القلب: وهو ثبات القلب وقوته وسكونه عند المهمَّات والمخاوف، وثمرة الشَّجاعة ونتيجتها: الإقدام في الأقوال والأفعال وعند القلق والاضطراب، وكمال الشَّجاعة وزينتها: أن تكون متَّسمةً ومتوافقةً مع الحكمة، فإنَّ الشِّيء إذا زاد عن حد الحكمة خشي أن تكون تهوراً وسفهاً وإلقاءً باليد إلى التَّهلكة، وذلك مذمومٌ كما يذم الجبن، فالشَّجاعة خُلقٌ فاضلٌ متوسِّطٌ بين خلقين رذيلين فما هما؟ الشَّجاعة وسط الجبن والتَّهوُّر، والشَّجاعة خلقٌ نفسيٌّ، ولكن لها موادٌ تمدها: وهي قوةٌ وعزيمةٌ في النَّفس تدفع إلى الإقدام بعقلٍ في مخاطرة بقول أو عمل؛ لتحصيل خيرٍ أو دفع شرٍ، مع ما في ذلك من توقُّع الهلاك أو المضرَّة، ولذلك الإقدام بغير عقلٍ ليس شجاعة بل هو جنونٌ وتهوُّرٌ، والإقدام بغير مخاطرةٍ لا يعتبر شجاعة، بل هو نشاطٌ وهمَّةٌ وهو شيءٌ طيب، لكن لا يمكن تصنيفه في خانة الشَّجاعة إذا كان إقدام بغير مخاطرة، وإذا كان الإقدام لا لتحصيل خيرٍ ولا لدفع شرٍّ فإنَّه تهوُّرٌ مذمومٌ أو هو هلاكٌ، مثل: المنتحر الذي يرمي بنفسه من عُلوٍّ مثلاً: فيه إقدامٌ فلولا قوَّة الإقدام ما رمى نفسه، لكن حيث أنَّ هذا الإقدام وهذا الرَّمي ليس في تحصيل خيرٍ ولا في دفع شرٍّ فلا يمكن تصنيفه في خانة الشَّجاعة أيضاً، بل هو تهوُّرٌ مذمومٌ وجنوحٌ في العقل، ولا شكَّ أنَّ أعلى الشَّجاعة هو التَّقدُّم للتَّضحية بالنَّفس في سبيل الله تعالى
الشجاعة خلق فضل امتدحه العرب قبل الإسلام وكان الفارس مفخرة لقبيلته وعشيرته ، وكان السبب الرئيسي لشجاعة العرب أنهم دائما يستعدون للدفاع عن النفس من عدوهم. وكانت الغلبة فيهم يكرمون الشجاع ويتفاخرون بالشجعان، وينظرون إلى الجبان نظرتهم إلى النساء بل هو دونهن.
قال ابن خلدون عن شجاعة العرب: ... وأهل البدو لتفردهم عن المجتمع وتوحشهم الضواحي وبعدهم عن الحامية وانتبادهم عن الأسوار والأبواب قائمون بالمدافعة عن أنفسهم لا يكلونها إلى سواهم ولا يثقون فيها بغيرهم فهم دائما – يحملون السلاح... إلى أن قال: قد صار لهم البأس خلقاً والشجاعة سجية. وكانوا يتمادحون بالموت قطعا، ويتهاجون بالموت على الفراش ويقولون فيه مات فلان حتف أنفه.
وعن بعضهم وقد بلغه قتل أخيه : إن يقتل فقد قتل أبوه وأخوه وعمه وإنا والله لا نموت حتفا ولكن قطعا بأطراف الرماح وموتا تحت ظلال السيوف.
قال السمؤل:
وما مات منا سيد حتف أنفه ** ولا طل منا حيث كان قتيل
تسيل على حد الظباة نفوسنا ** وليست على غير السيوف تسيل
وقال آخر:
وإنا لتستحلى المنايا نفوسنا ** ونترك أخرى مرها فنذوقها
ومن خلال هذه النصوص يتضح شجاعة العرب في الجاهلية.
ثم إنهم لما أسلموا لم يتركوا هذه الصفة ، هذا لأن الإسلام رحب بها وأقرها ، لهذا نجد رجالا شجعانا في الجاهلية والإسلام مثل خالد بن الوليد، وعمر بن الخطاب، وعلي ابن أبي طالب.
في غزوة خيبر أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال ساسلم الراية لرجل يحبه الله ورسوله .
فأما عن شجاعة خالد فقد روى أحمد بسنده عن وحشي بن حرب أن أبا بكر رضي الله عنه قد عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة وقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد وسيف من سيوف الله سله على الكفار والمنافقين". ففي هذا الحديث لقب الرسول صلى الله عليه وسلمخالد بن الوليد بسيف الله، وهو يدل على القوة والشجاعة.
وعن مهارته في الحرب فقد روى البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفر وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: "أخذ الراية زيدا فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب ـ وعيناه تذرفان ـ حتى أخذها سيف من سيوف الله " فالمراد بقوله: "سيف من سيوف الله" هنا، كما قال ابن حجر خالد بن الوليد، ومن يومئذ يسمي سيف الله".
فأما من شجاعة عمر بن الخطاب أنه لما دخل الإسلام طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن يصلوا جهارا في الكعبة ولهذا يقال أنه أول من جهر بالإسلام فقد ذكر الهيثمي فيما رواه الطبراني بسنده عن ابن عباس قال: "أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب".
ومما يدل أن الشجاعة سجية للعرب سؤالهم لرسول صلى الله عليه وسلم عن حكم من يقاتل شجاعة أي إظهارا لشجاعته فقد روى البخاري بسنده عن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل حميه، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". فسؤال الرجل هذا لا يكون إلا عن ماعرف من أجله القتال في أيامهم ، خصوصا ما كان قبل الإسلام لأن الحمية وهي نوع من العصبية، والرياء وهو نوع من التفاخر من الأخلاق المنتشرة عند العرب.
موقف الإسلام من الشجاعة:
لما جاء الإسلام أقر هذه الصفة أعني الشجاعة ونهى عن الجبن ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بسنده عن أبي هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول: "شر ما في الرجل شح هالع وجبن طالع". وأصل الهلع الجزع ، أي شر ما في الرجل البخل الذي يمنعه من إخراج الحق عليه فإذا استخرج منه هلع وجزع منه. ومعنى جبن خالع أي شديد كأنه يخلع فؤاده من شدة خوفه. والمراد به ما يعرض من نوازع الأفكار وضعف القلوب عند الخوف.
وقد جاءت أحاديث كثيرة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم استعاذ من الجبن منها ما رواه البخاري بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلميقول: "اللهم أني أعوذ بك من المعجز والكسل والجبن والهرم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات وأعوذ بك من عذاب القبر". وكان الرسول صلى الله عليه وسلميتصف بهذه الصفة المحمودة. فقد روى البخاري بسنده عن أنس (رض) قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلمأحسن الناس، وأشجع الناس، وأجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة فكان النبي صلى الله عليه وسلم سبقهم على فرس وقال:وجدناه بحراً". والإسلام لما أقر هذه الصفة أمر أن تكون شجاعة المرء في موضعه وإلا سيكون بطرا وتجبرا ورياء..
وفيما يلي نذكر بعض أسماء الشجعان الأبطال الذين حفظ التاريخ بطولاتهم لأنّ سماع أخبار الأبطال أو قراءتها مقوّيا للعزائم ومعينا على اتّباع سيرتهم.
من الصحابة رضوان الله عليهم:
حمزة بن عبد لمطلب:
بطل ضرغام وسيف من سيوف الله ، وكفاه فخرا قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه: سيّد الشهداء حمزة..
علي بن أبي طالب:
قيل له: كيف تصرع الأبطال ؟ قال: إذا لقيت كنت أقدر أني أقتله و يقدر هو أني قاتله فاجتمع أنا و نفسه عليه فنهزمه . وقيل له : إذا جالت الخيل فأين نطلبك ؟ قال: حيث تركتموني . و كان يقول : و الذي نفس أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليّ من موتة على فراش.
طلحة بن عبيد الله:
فكم وكم تصدّى بظهره لرماح المشركين وسيوفهم عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، قال فيه صلّى الله عليه وسلّم: هذا ممّن قضى نحبه.
الزبير ابن العوّام :
فارس بألف ، وحقّ لعائلته أن تسمّى عائلة الشهداء.
المثنى، وماأدراك ما المثنى؟
أسد من أسود الله الأبطال وقائد من قادة الفتوحات المجيدة.
خالد " سيف الله المسلول
" قال أبو بكر : لأرسلنّ لهم " أي إلى الروم " خالد يذهب وساوس الشيطان من رؤوسهم.
قال عنه أعداؤه: القائد الذي لا ينام ولا يدع أحدا ينام.
عبد الله بن خازم:
أسطورة ، آية في الشجاعة ، حتّى أنّ الشجعان كانوا لا يستحيون من الفرار منه.
القعقاع بن عمرو:
جيشا لوحده.
أبو دجانة:
صاحب العصابة الحمراء ، مدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا فقال : من يأخذ مني السيف ؟ فمدّ الصحابة أياديهم فقال : بحقّه ، فخفضوا أياديهم و بقيت يد أبي دجانة قال: أنا آخذه بحقّه يا رسول الله ماحقّه ؟ قال: أن تضرب به في الأعداء حتى ينحني فأخذ السيف ففلق به هام المشركين وقتلهم قتلا حتى أتى بالسيف مع صلاة العصر و قد انحنى.
البراء بن مالك:
أسد من الأسود لا يعرف قلبه الخوف ، كان مقداما زيادة على اللزوم لدرجة أنّ عمر رضي الله عنه لم يولّه أبدا قيادة الجيوش خشية أن يهلكهم بشجاعته وإقدامه المفرط.
عمرو بن معدي كرب:
مضرب الأمثال في الشجاعة ، كان رضي الله عنه فتّاكا ومن أصحاب الغارات في الجاهليّة وأبلى في معاركه المجيدة بعد إسلامه..
سأله الفاروق: أين صمصامتك التي تقتل بها النّاس؟ فحين رأى عمر السيف المسمّى " الصمصامة" قال: ما أرى قوّة " أي لم ير السيف قويّة؟ فقال عمرو: إنّك رأيتها وما رأيت الساعد الذي يضرب بها ، فقال عمر: الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمرو.
اعتدت قبيلة كندة على قبيلة عمرو بن معد يكرب فسلبت نسائهم و أخذت أموالهم فخرجوا في الصباح يقاتلون فانهزمت القبيلة وكان عمرو غائبا فلمّا حضر أخذ فرسه وأخذ السيف ونازل قبيلة كندة كلّها فأخذ يقاتلهم و يقاتلونه فأخذ يكيل لهم الضربات إلى صلاة العصر فهزمهم جميعا ، فسمّته العرب " أقدم العرب".
سبحان الله ، أيّ قوّة وأيّ شجاعة لهذا الرجل؟ لله درّه ورضي الله عنه.
عبدالله بن الزبير:
كان يتمتّع ببنيّة قويّة وشجاعة مفرطة للغاية وله بطولات وتضحيات وصاحب شخصيّة " ثوريّة متمرّدة " لا تقبل الذلّ والاستعباد .
لمّا بلغه رضي الله عنه قتل أخيه مصعب قال : " إن يقتل فقد قُتل أبوه و أخوه و عمّه إنّا والله لا نموت حتفا ، ولكنّ نموت قصعا بأطراف الرماح و موتا تحت ظلال السيوف.
حبيب ابن زيد الأنصاري:
قطع جسمه " مسيلمة الكذّاب لعنه الله " قطعة قطعة وصمد حتّى آخر قطرة من دمه ولم يستسلم لرغبات الملعون الذي أراده أن يكذّب النّبي عليه الصلاة والسلام أمّا الصحابي الآخر " لا أذكر اسمه" فقد أخذ بالرخصة فنجا. وشتّان شتّان بين الموقفين وكلاهما جائز.
خبيب ابن عدي:
علّقوه وبدأوا بتقطيع جسمه بالسيوف والرماح قطعة قطعة وهو ينشد:
ولست أبالي حين أقتل مسلما // على أيّ جنب كان في الله مصرعي
عمير ابن الحمام:
يوم غزوة بدر المباركة ، أخذ غمد سيفه وكسره على ركبتيه ورمى بتمرات كانت في يده ثمّ أخذ السيف وقاتل حتّى قتل وهو ينشد:
فليس على الأعقاب تدمى كلومنا // ولكنّ على أقدامنا تقطر الدما
تأخّرت أستبقي الحياة فلم أجد // لنفسي حياة مثل أن أتقدّمـــا
المصادر
1- لسان العرب لابن منظور
2- مقاييس اللغة لابن فارس
3- تهذيب الأخلاق المنسوب للجاحظ
4-الأخلاق والسير لابن حزم
5-الفروسية لابن القيم
6- الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري
7- مغازي الواقدي
8- الاستيعاب في معرفة الاصحاب
9- تاريخ الرسل والملوك
10-الطبقات الكبرى
11- فضائل الصحابة
12- عدة مقالات نشرت في الجرائد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق