الخميس، 30 أبريل 2020

...................
عماد القاسمي
.............

ربما تحتوي الصورة على: ‏شخص واحد‏



يوميات عابر سبيل (7)
ما أجمل أن يصبح المجهول سكنا معلوما وينتهي الحزن وكل آهة مكتوبة تخرج تعاتب الوجود معنى ويأتي الفرح قزحيا مع ذلك اللحن المتأتي من القصب المحيط بي كمزمار داوود..أفقت على هذا الإحتفال نسيما وذلك الإيقاع الغريب "دم دف دم دف" أصبح مألوفا كما الحياة نبضا حاذرت أن أتوه في قصب تلك الخيمة وعزمت المشي في إتجاه صوت الطبل القريب مني وكدت أتدحرج إلى الأسفل لولا حجابا صغيرا وشفافا يشبه بكارة كل المواسم بلا صراخ وألم مشيت بحذر والقرع يتزايد كلما إقتربت وإذ بي أجدني أمام طبلة لا تشبه طبول الدنيا المغلقة بحثا عن الإثارة وصدى الضرب إيقاعا وصخبا وقفت أتأمل غرائب الكهف ..
لم تكن الطبلة من خشب ولا من رخام ولا من بلور ولا حجر بدت لي في شكل إجاصة وإحدى عشرة باب أو بوق تخرج منها فخفت الدخول كي لا أضيع ولكني بقيت أستعذب ذلك الضرب المتواصل بإنتظام لا يخطئ "دم دف دم دف" حتى أني إبتدعت رقصة على ذلك اللحن
قفزا مرة في الأرض ومرة في السماء رقصة تشبه أحوال البشر دنيا موتا وحياة فقرا وغنى طربا وغرورا ووهما ثم قبر ...ياه أهو القبر يشبه مابنينا في الدنيا سكنا؟أفي القبر تجارة وجاه ومال وربح وخسارة؟أفي القبر ضيق أو فضاء نسكنه رحلة إلى الورود جنة؟؟
لا أريد ملكا ولا ملكية ولا إمتلاكا ولا تملكا سأطلب من صاحبي لو حضر أن يتركني في الكهف قرب هذا الإيقاع تعبدا"دم دف دم دف"وتصبح رقصتي قياما وسجودا …
تذكرت ولادتي وصراخي لحظة وقعت وسألتني لم بكيت لم رفضت نهد أمي وتعلقت بحليب صنعه بشرا مثلي ثم شربته من مرضعة بلورية لا تملك روحا أكنت حينها أنتحر أم أقاطع الدنيا؟؟أكنت يومها أرفض أن أكون أسيرا لصدر أمي أم أني أحاول أن أكون حرا؟ ربما كانت الحياة تستفزني وربما كنت أستفزها لأكتب قدري..
هممت بالصراخ إنتصارا للوهم وفاجأني صاحبي بالظهور كأنه منزل من السماء بين اللحظة واللحظ أجده يقف أمامي ولا أسأل كيف حضر لأنه يعرف دروب الكهف أكثر مني..
زادت فرحتي بعد أن حياني وأدخل يده إلى جرابه وكأني ذلك العصفور المقعد ينتظر أحدا يزقه طعاما تمنيت لو يهديني حبة تمر مسكرة أو حبة زيتون بطعم الشعير واللبن دنيا لكنه أعطاني حبة لينة حليبها لايشبه حليب الحياة تذوقتها وٱنتشيت وضاع مني خجلي طعمها يشبه سنوات العمر بمرارتها وحلاوتها حبة تين السنين التي مرت وٱنقضت ومابعدها وحاضرها يعلمه الله ربي وما أعلمه إلا قليلا على حافة السراب وهما..أكلتها بنهم الجائع ولعقت أصابعي زورا وبهتانا عله يزيدني منها لكنه نظر إلي مبتسما وقال في الكهف نتطهر من جشعه البشر فعاودني خجلي وسكتت..
قطع حبل الصمت يسألني عن يومي دون رفقته فضحكت بأعلى صوتي لأقول ألست عابر سبيل في الدنيا لا تملك شيئا؟ألست ذلك المنادي لا يلوي على شيء من الدنيا وأنت كل يوم حافي القدمين في الأرض تمضي؟ماذا لو سألتك طلبا مني؟
إبتسم تلك الإبتسامة وكأنها ترتيل يرتسم على شفتيه وأومأ برأسه لأواصل حديثي فقلت ماذا لوتركتني في الكهف أحيا قرب هذه الطبلة العجيبة أصوم الدهر بلا تمرات ولا زيتون ولا تين وسأكتفي برقصتي قياما وقعودا إلى أن أفنى أو يجعل لي ربي سبيلا وهديا ورشدا وقد أترك الكهف إن بلغني من أمره مخرجا ولك مني داري وسكني أنت تعرفه وكل ذلك القليل الذي أملك..
منذ عرفت صاحبي صوته الهادئ لايتغير حتى وهو ينادي في الناس"يا كريم أحبة الله حاجة الله لعبدالله "كان صوته حالما ألا اللحظة فقد تغير وأشاح بوجهه عني وهو يقول عابر السبيل يسكن أرض الله وأرض الله واسعة وسكنك وسكن أهل الدنيا وما شيدوه أضيق لو تعلم من حفرة القبر أبيت مفترشا التربة وتغطيني السماء برداءها أفضل الف مرة من جدرانكم الخاوية شيدتموها من الفروهما وزيفا
كانت دموعي لحظتها تكاد تخنقني خوفا من أن تكون نهاية الرحلة وعلم مابلغته حزناخجلا مني فقال كلنا نخطئ وغفرت لك الخطأ لأنك تركت الدنيا ولا تخيرني ولا تطلب شيئا غير الذي أطلب..
لم أكن أرى شيئا لحظتها وحين مسحت عيني عرفت أنه تركتني وربما بلا رجعة فلمت نفسي وقلت يا رفيقي لو تعلم أنني بالفعل عابر سبيل مثلك يمضي لغفرت غبائي
وطلبي وأخذ مني التعب مأخذه فقررت الولوج داخل الطبلة لأنام عسى أن يكون الغد بإذن ربي بشرى…
العفو عماد القاسمي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق