......................
د.صالح العطوان الحيالي
.........................
عندما يكون القضاء اقوى من السلطان
" محاكمة السلطان محمد الفاتح "
------- د.صالح العطوان الحيالي
السلطان العثماني محمد الفاتح أحد أبرز سلاطين الخلافة العثمانية وهو فاتح القسطنطينية وهو الذي اشتهر بالجهاد والعدل .. وقصته مع أحد المعماريين مشهورة وإليكم أحداثها..
أمر السلطان محمد الفاتح ببناء أحد الجوامع في مدينة إسطنبول، وكلف أحد المعماريين الروم واسمه "إبسلانتي" بالإشراف على بناء الجامع، إذ كان هذا الرومي معماريا بارعا.
كان من بين أوامر السلطان، أن تكون أعمدة الجامع من المرمر وأن تكون هذه الأعمدة مرتفعة ليبدو الجامع فخما، وحدد هذا الارتفاع لهذا المعماري الرومي، لكنه لسبب من الأسباب أمر بقص هذه الأعمدة وتقصير طولها دون أن يخبر السلطان أو يستشيره في ذلك وعندما سمع السلطان محمد الفاتح بذلك استشاط غضبا إذ أن هذه الأعمدة التي جُلبت من مكان بعيد لم تعد ذات فائدة.
في ثورة غضبه هذه أمر السلطان بقطع يد المعماري ومع أنه ندم على ذلك إلا أنه كان ندما بعد فوات الأوان، لم يسكت المعماري عن الظلم الذي لحقه فراجع قاضي إسطنبول الشيخ "صاري خضر چلبي" الذي كان صيت عدالته قد ذاع وانتشر في جميع أنحاء الدولة واشتكى إليه من السلطان ولم يتردد القاضي في قبول هذه الشكوى بل أرسل رسولا إلى السلطان يستدعيه للمثول أمامه في المحكمة لوجود شكوى ضده من أحد الرعايا.
لم يتردد السلطان كذلك في قبول دعوة القاضي فالحق والعدل يجب أن يكون فوق كل سلطان، وفي اليوم المحدد حضر السلطان محمد إلى المحكمة وتوجه للجلوس على المقعد فقال له القاضي: "لا يجوز لك الجلوس يا سيدي بل عليك الوقوف بجانب خصمك" وقف السلطان بجانب خصمه الرومي الذي شرح مظلمته للقاضي وعندما جاء دور السلطان في الكلام أيد ما قاله الرومي وبعد انتهاء كلامه وقف ينتظر حكم القاضي الذي فكر برهة ثم توجه إليه قائلاً: "حسب الأوامر الشرعية يجب قطع يدك أيها السلطان قصاصاً لك".
ذهل المعماري الرومي وارتجف دهشة من هذا الحكم الذي نطق به القاضي والذي لم يدر بخلده أو بخياله لا من قريب أو بعيد فقد كان أقصى ما يتوقعه أن يحكم له القاضي بتعويض مالي أما أن يحكم له بقطع يد "فاتح القسطنطينية" الذي كانت دول اوروبا كلها ترتجف منه فكان أمرا وراء الخيال.
بعبارات متعثرة قال الرومي للقاضي بأنه يتنازل عن دعواه وأن ما يرجوه منه هو الحكم له بتعويض مالي فقط، لأن قطع يد السلطان لن يفيده شيئا فحكم له القاضي بعشر قطع نقدية لكل يوم طوال حياته تعويضاً له عن الضرر البالغ الذي لحق به ولكن السلطان محمد الفاتح قرر أن يعطيه عشرين قطعة نقدية كل يوم.
المصادر
كتاب روائع من التاريخ العثماني ... أورخان محمد علي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق