الثلاثاء، 29 نوفمبر 2022

 .....................

أحمد المقراني

...................




المعارضات التوائم وحوار الصوارم
بلاد العرب مهد الحضارة ـ الماضي والحاضرـ.
الشرق مهد الحضارة ومربع طفولة الإنسانية كل المآثر الأولى في تاريخ البشرية، صنعت وطورت وهذبت هناك ،ولا أعد اليونان بعيدا عن تلك المرابع، بلاد ما بين النهرين وربوع الشام وجنات عدن في اليمن إلى حوض وادي النيل، حضارات ورقي في جميع مناحي الحياة ،وكان أبرزها الأدب وفنونه، وهو المعلم المربي بما يحمل من فكر ومعاني ومبادئ. شاقني أن أرى المرابع التي ترعرع فيها رب الغزل والتشبيب القائل :
قفا نبك من ذكـرى حبيب ومنزل°°°بسقط اللوى بين الدخول فحومل
أو القائل متغزلا بالدار التي درجت فيها المحبوبة:
يا دار عبلة بالجواء تكلمي °°° وعمي صبـــاحا دار عبلة واسلمي
وفي نفس الآن يتغنى ويتغزل بالرفعة والتمرد على الذل والعبودية ووسائلها الشجاعة ورباطة الجأش واقتحام الصعاب:
لما رأيت القوم أقبل جمعهم °°°يتذامرون كـــررت غير مذمم
يدعون عنتر والرماح كأنها °°°أشطان بئر في لبـــــان الأدهم
يدعون عنتر والسيوف كأنها °°°لمع البوارق في سحاب مظلم
والمرأة الحديدية الصابرة وهي ترثي عزيزها وتلوم عيناها أنهما لم يذرفا الكافي من الدموع على الفقيد:
أعــــــيني جـــــودا ولا تجمــــدا°°° ألا تبكـــــيان لصخر النـــــدى
ألا تبكــــيان الجريء الجمـــــيل°°° ألا تبكـــــيان الفـــتى السيــــدا
طويل النجــــاد رفيــــــــع العماد°°°ســـــاد عشـــــيرته أمـــــــردا
ومن ضفاف البحر المتوسط الشرقية صدح شاعر اليونان مفتتحا ملحمة الإلياذة قائلا:
ربة الشعر عن أخيل بن فيلا °°°أنشدينا وارو احتداما وبيلا
ذاك كيد عم الإخــــــاء بـلاه °°°فكــــرام النفوس ألفـت أفولا
لأذيس انفـــذن منحـــــدرات°°°وفرى الطير والكلاب القيولا
وكان من بين نور الشرق القرآن الكريم الذي أهلَّ على البشرية فغير أوضاعها ومهد سبيلها نحو العزة والرقي وقد كانت أول آية نزلت تحث على العلم وطلبه وتعدد أوجهه وأولها علم الإنسان في خلقه وخلقه وسلوكه.
كل هذه كانت المحفز والدافع الذي رغّبني في الشرق وفي الاطلاع على كنوزه. فعزمت ونفذت ولا أدري أكانت رحلتي واقعية أم هي افتراضية.
بعد طول عناء نزلت الحلة في بلاد ما بين النهرين. إنها المدينة ذات الغنى، بجمالها الطبيعي وبإرثها وإرث أبنائها تجولت في شوارعها ، الضيقة حينا والرحبة أحيانا نشاط تجاري وصناعي خاصة التقليدي منه. متاجر بسيطة بالنظر للزمن الراهن. لفت انتباهي دكان متواضع في هيكله لكنه يحوي كنوزا من التحف القديمة ذات القيمة والأثر، سيوف مهندة ،ورماح فارعة ،أقواس ونبال، كلها تحف داعبها الصدأ وران عليها غبار السنين وهاجم السوس مقابضها دروع وتروس ودرق منسقة بنظام على رفوف مهترئة،حالها يحكي المهانة بعد أن كانت تحكي الهيبة، وتنزل الرعب في قلوب الأبطال. الشيخ صاحب الدكان يقبع فوق بساط قرب تلك التحف، ومن هيأته التي تنبئ بأنه ذو شأن في غابر الأيام: أدرك بحدة ذكائه وقوة فراسته أنني غريب عن الديار، وعليه أراد أن يعرف بنفسه وبمتاعه فأشار إلى تلك التحف الأثرية وأنشأ :
سل الرماح العوالي عـن معاليــنا°°°واستشهد البيض هل خاب الرجا فينا
فلقد سعينا فلم تضـعف عزائمـــنا°°°عما نـــــروم ولا خابت مســـــــاعينا
قوم إذا استخصموا كانوا فراعـنة°°°يومـــــــا وإن حكمــوا كانوا موازينا
تضرعوا العقل جلبابا فإن حمـيت°°°نار الوغى خلتـــهم فيها مجــــــانينا
إذا ادعوا جاءت الدنيـــا مصــدقة°°°وإن دعوا قـــــالت الأيـــــــــام آمينا
إنا لقوم أبت أخلاقــنا شــــــــرفا°°°أن نبتدئ بالأذى من ليـــــــس يؤذينا
بيــــض صنائعنا ســـــود وقائعنا°°°خضـــر مرابعنا حمـــر مواضــــينا
لا يظهر العجز منا دون نيل منى°°°ولـــــــو رأينا المنـــايا في أمــــانينا
راقني القصيد واستمتعت به، خاصة وإني لا زلت ومنذ الصغر أحفظه وأتغني به في أكثر من مناسبة، إنه قصيد الشاعر الكبير والتاجر القدير والبطل الجدير صفي الدين الحلى. وبعد سؤال وجواب والتقصى والتجلي تبين أن ذلك الشيخ هو صفي الدين الحلي، وإنه قال القصيد أيام زمان لما اشتعلت نار الحرب وحمى منها الأوار بغزو البلاد من قبل قبائل التتار.
انبرى أحدهم الذي كان يسمع القصيدة والحوار يعارض و يقارن بين الماضي من الزمان والراهن:
سل السيـتتتوف التي جــزت رقابينـــــا°°°بكـــف العدى حينا وحـينـــا بأيْدينا
هي الرماح سلاح العرب قد شوهدت°°°يــوم الوقيعــــة بالحِـمام ترميـــــــنا
داء الطــــــوائف يستــــــــشري يــفرقنـا°°°زاد العــدو سموما تفـــــــري تدانينا
كذا الكراسي التي بالكـيـد قد سبـــبت°°°تلك الكلوم كؤوس الموت تسقينا
الغرب والشرق يغزونا بــــلا جــــــــــــزع°°°وسيفنا نــــائـــــــم والرمــــح يــقلينا
يا أمــــــــة قبلـت بـــذلـهــــــــــا فـــدعــت°°°كـل دخيل وتأمـــل منـه يحمــينـــــا
العجــــــز يقـــعدنـــا يثنــــي تطـلعــــــــنا°°°مذاهب تضللنا تـــغــوينا وتعـمينا
ســـــــــود صنائـــعنا جفـــت منابعـــــــــنا°°°والكيد في نحرنا حمر مواضـيـــــنا
وكـــــل خيراتنــــا للغـــازي ثمــــــــــــــرتـها°°°يمتصها دون إذن رغـــــــم أمانيــنا
ســـــل الدموع على الخدين تكـــوينــــــا°°°وغيدنا نوحهـــــن الســــم يســـقينا.
استيقظتُ من سنتي ومن انشغال فكري لأقول: حقا لقد وجد الغزاة في الماضي مقاومة عنيفة ولم يلبثوا أن اندحروا بفضل همة وصمود الأبطال. ورغم أن البعض من أبناء جلدتنا اليوم تعاونوا مع الأعداء في غزو بلادهم والأمل في أجيال تالية أكيد، ستستعيد بلادها وتطرد الغزاة خارج أرضها، وتشرق شمس الشرق من جديد. أحمد المقراني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق