................
رشيد (فوزي) مصباح
............
رسالة من داخل السّجن
ــــــــــــ
بقيلم: رشيد (فوزي) مصباح
ـــــــــــــــــ
الجزء الثّالث
(1)
ظهر هناك من يهتم لأمري أكثر منّي؛ فريق يتمنّى رؤيتي خلف القضبان، مكبّلا. وهؤلاء بذلوا قصارى جهدهم، بالنّبش والرّبش أحيانا، والتجييش والتحريش ورشوة الفاسدين من رجال الدّرك والقضاء وغيرهم أحيانا أخرى … حتى لا يتم غلق الملف وإسقاط التّهمة عنّي، ولاعن رئيس البلدية.
وفريق المنتفعين من البلدية ورئيسها، المعلّم الضّعيف الذي يفوقني سنّا وسذاجة، والذين راهنوا بكلّ ما لديهم من وسائل مشروعة وغير مشروعة، حتى لا يأخذ الموضوع منحى خطيرا، ليس حبّا فيّ ولا لأجل عيوني العسليّة، ولكن لتبرئة ساحة رئيسهم الذي اتّهمه غريمي اِفتراء وبهتانا بطلب الرّشوة، كما اتّهمني أنا الآخر كذبا وزورا.
وفي آخر يوم نودّع فيه سنة تسع وتسعين بعد الألف، أرسلوا إليّ بسيارة البلدية رفقة زميلي، الذي كان على أتمّ الاستعداد ليخلفني ويفوز بالقذارة التي شغلتْ باله طيلة أعوام، من أجل الاتّصال بسيادة القاضي الذي بذلنا جهدا كبيرا لنعثر عليه مختبئا في بيت والديه بالمدينة السّاحلية التي زرناها، وما كنّا لنهتدي إليه لولا أحد أقاربه الذي دلّنا على مكان وجوده. خرج إلينا مغصوبا، وعزمنا على فنجان قهوة. وجلسنا نتبادل أطراف الحديث. وحين أخرجتُ له الاستدعاء من جيبي مستفسرا عن مدى خطورة الموضوع، تلكّأ وتلوّى. كان ذلك صبيحة يوم الخميس بعدها ليلة عيد رأس السّنة.
عزمته على زجاجات خمر نحتسيها بعيدا عن البلدة وأهلها، رغم قراري بالتخلّي عن شرب الخمر، (مكْرَهٌ أَخُوكَ لاَ بَطَلٌ)، فامتنع وملامح الحرج و الانقباض باديتان عليه.
قمتُ بتوديع حضرة القاضي وركبتُ رفقة "الأطلس العسّال، زميلي الذي كان شبيها بذئب الفرزدق هو الآخر؛ وهو الذي لم يتوان في التعبير عن حسده لي ذات ليلة شربنا فيها كثيرا و تظاهرتُ فيها بالثُّمالة وفقدان الوعي.
في طريق العودة، عرجنا بإحدى حانات مدينة (بونة) السّاحلية الجميلة، وكانت جلسة الوداع الأخيرة، وآخر محطّة تفصلني عن أهم مرحلة عشتها في حياتي، فترة الدّلال والشّباب. وأطرق بعدها باب الأربعين بثوب التّهمة والإجرام. ساعات وأودّع الدّلال الذي حسدني عليه بعض من عرفتُهم، ولم أنتبه إليهم وهم يحسدونني إلاّ حين افتقدتُّه.
ساعات بعدها وأتوشّح جحافل القمّل، وبمرور الوقت تغدو صديقة؛ تقبّلني وأقبّلها، وتفترشني وتشاركني المبيت والطّعام. ولأنّ قُمّل السّجون ليس ذاك الذي اقترنت صورته باللّعنة والطّوفان، كما جاء في القرآن، بل هو ألطف وأوفى من بعض الحثالة من البشر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق