السبت، 31 أكتوبر 2020

 ...................

إبراهيم عبد الكريم

.............




قصة بعنوان: العصفور المظل
في الصباح الباكر من اوائل شهر غشت، توجه علي الى المطار للسفر إلى فرنسا، كانت الشمس مشرقة بحرارة مرتفعة وصلت الى خمسة وعشرون درجة في حدود الساعة العاشرة صباحا مع رياح شرقية محملة بتربة حمراء اكتسحت جميع جوانب المطار. دخل علي إلى الطائرة والحزن يمزق قلبه لفراق والديه وجميع اصدقائه وصديقاته كما كان حائرا عن المسار الدراسي الذي ينوي شقه والمصاعب التي تنتظره بديار المهجر. كان قد حصل على شهادة الباكالوريا بميزة حسن جدا ليقرر متابعة الدراسة في فرنسا، يرجع هذا الاختيار بالأساس إلى عامل اللغة التي سبق وأن درسها منذ الابتدائي، كما كان فخورا بمعارفه في باريس العاصمة العلمية والاقتصادية والسياسية لفرنسا.
وصل مطار شارل دكول بباريس وكله املا على اكتشاف نمط عيش جديد لا سيما وأن هذه المدينة اعتبرت مهد الحضارة الغربية. كان يرغب في متابعة الدراسة بجامعة السوربون لما لها من مكانة في عالم الثقافة والعلم عند الطلبة. لم يجد أحدا في انتظاره عكس ما كان يتوقع. التحق بالفندق ليقضي ليلته الاولى بعيدا عن اهله بالوطن الأم، كان من المنتظر أن يلتحق بالحي الجامعي ليقطن هناك، إلا أنه تفاجأ لكون ملفه مرفوض لعدم توفره على شهادة تثبت حصوله على منحة من بلده. أصبح فريسة الإهمال بدون ماوى ولا مورد مالي. اضطر العيش في الهواء الطلق محاطا بنساء ورجال لا مأوى لهم. لحسن الحظ أن الجو مازال معتدلا بحرارة مرتفعة بعيدا عن الأجواء الباردة في فصل الشتاء. وضعيته القانونية والمادية لم تتغير، وجد نفسه خارج الإطار القانوني الذي يسمح له بالبقاء بفرنسا. كان لابد من الاختفاء أو الفرار كلما رأى الشرطة. حاول البحث عن عمل يمكنه من اكتساب قوته اليومي في انتظار الاحسن. أصبح يقضي لياليه برفقة مجموعة من الشبان المدمنين على شرب الخمر او التعاطي للمخدرات لعل ذلك ينسيهم مأساتهم اليومية. في البداية ظل علي مصرا على الرجوع إلى مدرجات الجامعة، لكنه لم يجد وسيلة لذلك ما دام ملفه لم يكتمل مع انعدام اية مساعدة للحصول على شهادة المنحة من وزارة التعليم المغربية. بعد عناء كبير قرر التخلي عن الدراسة والبحث عن مخرج له من تلك الأزمة بعدما أصابه اليأس والملل. تعرف على فتاة من أصل فرنسي تعودت على زيارته من حين لآخر للتخفيف من معاناته، خاصة وأنه كان قد حكى لها أسراره مما زاد من التحام الصداقة بينها. في الٲخير اتفقوا على الزواج والعيش تحت سقف واحد. بدأت الحياة تبتسم في وجه علي حينما سمع صوت أمه تناديه وهي تردد نفس الكلام منذ بداية السنة الدراسية قائلة" راه عندك الباك هذا العام" لتنهي كلامها قائلة " راه انعاس ما ايجيب والو"، في هذه اللحظة فهم علي أن ما عاشه بباريس لم يكن حقيقة وإنما هو حلم ليلة واحدة. نهض من فراشه ليجد الفطور على طاولة تزخر، كالعادة، بما حضرته أمه. في هذه اللحظة نظر إلى أمه والمائدة بنبرة الاطمئنان، ثم قال بصوت الطالب المدبر الحامد لله على ما اكسبه من رحمة، مخاطبا أمه قائلا" لقد قررت متابعة الدراسة الجامعية بالمغرب". نظرت إليه أمه بنظرة حنان والدموع قد ترقرقت في عينيها وفي محاولة لإخفاء الاحساس الذي أصابها من اعلى رأسها إلى أخمص قدميها، قامت مسرعة مدعية أنه الوقت المناسب لتحضير الطعام وهي تردد بصوت خافت قائلة" لقد أحسنت القرار يا بني" تابعت بصوت خافت" الحمد لله يارب على هذا الصباح المبارك".
إبراهيم عبد الكريم
فرنسا 30/10/2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق