الأربعاء، 31 أغسطس 2022

 ..................

عصام الدين محمد أحمد

...................



درب المهابيل
يعاندني النوم،الفحيح يصم أذنيّ،يتفصدني الخوف،أفتش عن الأفاعي بناظريّ؛لا شيءَ ملموسٌ،أسند رأسي على الوسادة،تتعابث مئات العقارب أسفلها،أفز مرتاعًا،أقلبها؛لا شيء البتة.
يستهلكني الوقت ما بين قيام وقعود،أمسى شغلي الشاغل هومطاردة بواعث الهلع.
لا بد من النوم،ولو كان فى عش زواحف،لن تؤذيك بقسوة؛فالموت سيكون رومانسيًا،أصاب النوم طرفـًا من وعيك:
"تسافر بك المدن،تقذفك سيارة إلى أخرى،تجوس حوانيت الراح خادمًا؛لحم وثريد وكأس زبيب،والفاتورة ركلة وسوط مجدول،يتهمني صاحب الحانوت:
حرامي.
يخرج جميع من بالدور،يلتحفون البنادق،يسرعون خلفي،تطوي سيقانهم الريح،يقتربون،أنهض،ألعن الليل فى سريرتي."
أمسى الكابوس صديق الليل.
لماذا لا تبحث عن الحركة؟
عجنك الخمود بالهواجس،أليس كذلك؟
كعهدي بك دومًا لا تفعل سوى الترقب!
يُرعبني الكابوس،ويُرهقني المونولوج،ولكي أتخلصَ من هذه الخيبة؛ أنسلخ من الشوارع هائمًا،كل الطرق تؤدي إلى درب المهابيل،يتمدد لا تبدو له نهاية،البزات الصفراء تغلقه.
أيمكن تخطي هذا السد؟
لماذا لا تَلُف ناحية درب المغبونين؛ربما يكون المرور هناك أيسر؟!
يشدني عتل كالح السواد من ياقة قميصي،لم يُمهلْنى الوقت للسؤال،يدفعني لصعود السيارة،يتكوم البشر ببطن العربة.
أزعق:
دعني أمر يا زنيم.
لا يكترث بي ، لن تُجدي الكلمات الجَوْفَاء،ولن تنطلي الحيلة،تقذفنى السواعد إلى الداخل؛الهواء مُعَبَّق بروائح الأدخنة والعرق والدم،من الضرورى تَكْرَار المحاولة،أصرخ:
أبحث عن الدواء قبل ما تعاودني الحالة.
أسمع التعليقات من بطن الحوت:
كان غيرك أشطر،العب غيرها يا متعوس!
يُغلِق الباب، تتداخل العبارات:
ماذا تأخذ الريح من البلاط؟
ضحكات مرتوية بالسخرية تُعَلِّق:
يا عم ألا ترى الدموع في المآقي؟
تتحرك العربة،تتهادى،تقف،تغير الاتجاه،يخبط البعض على جدار الصاج،تنتقل العدوى إلى الجميع، تقوى الخبطات،وكأننا نقرع الطبول الضخمة،تتعب القبضات،تتراخى.
تلهث الأنفاس،يلسع العرق الملحي الألسن،يثبط العزم،تلف العربة متراجعة.
تتسلل الأصوات:
آه .. آه ..
يتكوم الجرحى خلف الكابينة،تغطي الدماء الساخنة سطح العربة،السيارة دمية فى يد طفل ماجن،لا شيء يخفف وطأة الحال سوى الغناء.
حروف وأصوات تظن أنها غناء.
التدافع الفجائي يصورنا كلوحة راقصة،أتساءل:
ما الذى دعاك إلى هذا الهم؟
النفوس تَلِج كهوف الغواية ، لكل منها سبيلها،تتردد ذات الأسئلة بصيغ مختلفة ، يرشون عليها بودرة التوتر،يتلاومون،يتفقون،تدمى الأنامل من الجُدُر الصَّمَّاء،التأوهات يفضحها الأنين،أكرر:
ألا يوجد من يجيد تضميد الجراح؟
أحد الحضور يسخر:
ماذا يفعل الطبيب دون أدوات؟
يسقط فى عبي،نربط الجروح بالقمصان والفانلات،تتمحور أجسادنا كمقذوفات لخلخلة الاتزان،الأكتاف والأقدام مطارق،تنفض الحديد ، نقاوم الاستسلام ، ترتج السيارة بعنف،كادت أن تنقلب،ينزل العتل وفى عقبه الزنيم،الحشود التي أحاطت بالسيارة فجأة تصمم على فتح الباب،ينكران امتلاكهما المفاتيح،يَدَّعِيان أن من بالداخل بلطجية، يهربان ، ينكَسِر الباب،ننقذف.
أتلجلج:
طبيب.. طبيب.
ترفع السواعد الجرحى،الأجساد متهتكة بأمبولات الخدر،أستغيث:
أقرب عيادة؟
يسارع الناس بنقل المصابين إلى العيادة،احترقت أجوافنا بنابالم التدمير، أتذمر وكأنني القائد:
لماذا تدعونهما يهربان؟
تحفز حشرجاتي النفوس ، تقلب الأيادي السيارة،هاجمتني الأحضان،بللتني القبلات،أتلفت فى شتى الاتجاهات:
أنحن فى يوم الحشر؟
أأنتهت الحكاية أم لم تبدأ بعد؟
أهش الدبور الذى يزن فى نافوخي،أمتشق حنجرتي،أقذف حمم التأوه.
أتسلل بين القدود النافرة،العزم يكسو الجباه،يمتلئ النزل بالشباب من كل حَدَبٍ وصَوْب ، تهرب الهوام إلى الكهوف،تتقارع الرؤوس بالصياح:
يسقط الوهم .
تسح السماء بشرًا،تنفجر البراكين بالأنام،يبخر النهر أناسًا ، فيضانات الأوجاع تكنس البسيطة،تهب رياح قوية،تتزلزل الأرض،تُخْرِج أثقالها، تَحْرِق الذكريات أبطالًا من ورق.
تمت بحمد الله
عصام الدين محمد أحمد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق