.....................
د. عبدالحليم محمد هنداوي.
..................
حديقة الحكيم الجزء الثاني
٢١/الوفاء
بينما الحكيم مجتمع بمريديه بحديقته الغناء شاهد الجميع حوارا فى منتهى الوفاء رأوا الحاج عبدالودود فلاح بسيط فى العقد السادس من عمره يرحب بأحد الشباب ويقول له أهلا بالغالي ابن الغالي عليه رحمة الله ويحتضنه إلى صدره بود وحفاوة ويقسم عليه أن يتناول وجبة الغذاء عنده فاستغرب الجميع وقالوا له لما هذه الحفاوة يا حاج عبدالودود بهذا الشاب فقال لهم هذا ولد الحاج محمود عليه رحمة الله والحاج محمود أسدى إلى معروفا لن أنساه طيلة حياتي فقد كنت أشيد منزلي وعند صبة الدور الأول نقص على مبلغ من المال فلما كلمته باع بقرته ووضع ثمنها بين يدى ولم يطلبني شيئا لمدة عام حتى سددت له حقه
الله يرحمه ويغفر له
هنا استدار الحكيم ونظر لمريديه وللحاج عبدالودود قائلا الله الله على الوفاء يا حاج عبدالودود جزاك الله خيرا ورحم الله الحاج محمود فالوفاء من شيم الصالحين فقال له مريدوه كلمنا يا حكيم
عن الوفاء فابتسم الحكيم قائلا ما أجمل الخلق الوفاء
فالوفاء يا أبنائي من سمات الصالحين وأكثر البشر وفاءاً هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوف نذكر عدة مواقف له تعد مثالا طيبا للوفاء فقد كان الرسول يوما بالجعرانة على طريق مكة الطائف يوزع لحوم الصدقة على فقراء المسلمين وإذ بإمرأة فقيرة تدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأها النبي صلى الله عليه وسلم من بعيد رحب بها وبسط لها ردائه كى تجلس عليه فتعجبت السيدة خديجة وتسائلت من هذه؟ وتعجب باقي الصحابة على هذا الاهتمام بتلك العجوز
فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم انها حليمة بنت ذؤيب أمي من الرضاعة أو مرضعتي ثم وصى عليها زوجته خديجة فأكرمتها وأعطتها أربعون شاه
انظروا إلى وفاء نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم
وأيضا يا أبنائي نذكر مثال أخر لوفاء نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو موقفه مع الأنصار بعد غزوة حنين فلما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رفع الحصار عن الطائف إلى الجعرانة وأخذ يقسم الغنائم فى المؤلفة قلوبهم من أهل قريش الحديثي عهد بالاسلام ولم يعط الأنصار شيئا فحزن الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعطهم شيئا وجعل الشاة والبعير فى أهل قريش وقالوا لقى والله رسول الله قومه أى فضل قومه على الأنصار فلما نما الخبر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن عبادة اجمع لى قومك
يا سعد فأتى بالأنصار سعد بن عبادة فأتاهم الرسول صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا معشر الأنصار مقالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها على فى أنفسكم أى حزنتم مني فى أنفسكم ثم عقب ألم أتكم ضلالا فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ قالوا بلى الله ورسوله أمن وأفضل
ثم قال ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟ قالوا بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ورسوله الفضل والمنة قال أما والله لو شئتم قلتم فصدقتم ولصدقتم أتيتنا مُكَذَباً فصدقناك ومخذولاً فنصرناك وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك!
أوجدتم يا معشر الأنصار فى أنفسكم لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ فوالذى نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار)
فبكى الأنصار حتى أبتلت لحاهم وقالوا رضينا برسول الله قسماً وحظاً ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفوا
وهذا يا أبنائي من أفضل أمثلة الوفاء فالحبيب صلى الله عليه وسلم لم ينس وقوف الأنصار بجانبه عندما هاجر إليهم لذا فضل لهم العودة برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ديارهم والفوز بشرف إحتضان جثمانه ليوم الدين حيا وميتا
ولعل بكاء الأنصار هنا يكون حزناً وفرحاً حزناً على عدم حسن ظنهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وفرحاً على أنهم فازوا بأغلى هدية على الإطلاق وهو رجوع الرسول معهم لمسجده بالمدينة وختام حياته بين ظهرانيهم وهنا إشرأب الحكيم برأسه ونظر إلى مريديه فرأى الدموع تساقط كحبات جمان على خدودهم ورأى مريدوه ذات الدموع تسيل على خدود الحكيم وتمتم الجميع بصوت مسموع بل رضينا برسول الله حظاً ونصيباً!
ثم ننتقل يا أحبائي لصورة أخرى من أروع وأنبل صور الوفاء فبعد فتح مكة حمل سيدنا على مفتاح الكعبة وذهب به للنبى صلى الله عليه وسلم وهو جالس بالمسجد وقال له يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك وسلم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم أين عثمان بن طلحة؟ فجائه عثمان فقال له هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر ووفاء ثم عقب خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف
ثم عقب الحكيم قائلا أنظروا يا أبنائي لوفاء نبيكم صلى الله عليه وسلم فقد أوسد الحق لأهله وهو عثمان بن طلحة ولم يفضل عليه سيدنا علي وما أدراكم ما على وجميل ما قدم للإسلام لكنه الوفاء يا أبنائي وحتى يضمن لأل طلحة هذا الحق قال لا ينزعها منكم
إلا ظالم وحجابة البيت حتى اليوم مع أل عثمان بن طلحة وذريته جيل بعد جيل وأى حاكم ينزع منهم هذا الحق أعلموا ساعة إذ أنه ظالم فهذا ما أخبرنا به الصادق المصدق صلى الله عليه وسلم
ثم عقب الحكيم قائلا أعلموا يا أبنائي أن الوفاء من أجمل الصفات الإنسانية على الإطلاق ومن أحب الصفات إلى الله سبحانه وتعالى ومن أحب الصفات لقلوب البشر
وأعلموا يا أبنائي أنه لا يوجد مخلوق على هذه البسيطة أوفى من نبيكم صلى الله عليه وسلم ومواقف الوفاء فى سيرته العطرة آكثر من أن تحصى أو تعد لكننا أكتفينا بهذه الثمرات الثلاث ولو عملنا بها لكفتنا وجعلتنا من الأوفياء
فقام أحد مريديه وقال له يا حكيم هل نكافئ الرجل الغير وفى بعدم الوفاء معه؟
فتمعر وجه الحكيم قليلا وقال له يا بنى إن كان هذا الرجل الغير وفي ليس جديرا بالوفاء فأنت لست جديرا بعدم الوفاء فكن وفيا مع الجميع فالأوفياء هم أهل التقوى وأهل المغفره فالله أسأل أن يجعلنا منهم واعلم أن شر الرجال لئيم إذا ارتفع جفا أقاربه وأنكر معارفه وتنكر لذوى الفضل
ثم نظر الحكيم لقرص الشمس فوجده يحلق بكبد السماء فقال هيا انصرفوا يا أبنائي لأعمالكم وكونوا أوفياء مع أزواجكم وأبنائكم وكل من تتعاملون معهم فنعم الخلق الوفاء
وإلى الملتقى مع ثمرة أخرى من ثمار حديقتي التى نضجت
من كتابي حديقة الحكيم
الجزء الثاني
بقلمي د. عبدالحليم محمد هنداوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق