الجمعة، 28 أكتوبر 2022

 ........................

طارق منور

...................





#البركة بين ضفتين
الحلقة 71
كان مكتب اوسكار مزدحم بأعضاء فريقه التقني ...الذين اجتمعوا معه لمناقشة التصاميم التي طلبها حول مشروعه الجديد الذي ينوي دخول مناقصته في المانيا ....مشروع مسرح اوبرا في مدينة برلين .....احتدم النقاش بينه و بين خيسوس المهندس المساعد الذي لم يطبق الخطوط العريضة وتوجيهات اوسكار في التصاميم ..وحاول وضع لمسته ....كان الشرر يطير من عيني اوسكار وهو يري تصميم الواجهة .و وجه له الكلام بعنف : هل لك ان تشرح لي ما هذا الهراء يا خيسوس ؟؟....كان خيسوس يرتعد فلم يرى رئيسه يغضب يوما و بهذه الصورة المريعة ...تلعثم و بلع حروفه وصار يستجمعها لإخراج كلمة : سسسسيدي ...لم اقم إلا بتنفيذ توجيهاتكم ....فحملق فيه اوسكار ...كان جالسا ...فوقف ...واتجه اليه وخيسوس مرعوب منه ...دنا منه ...: انظر الي يا خيسوس وضع عيناك في عيني ....ثم وضع يده على كتفه وقال: يا بني الاستعجال في الوصول يدخلك في الخطأ... وانت تسرعت للوصول ...انت موهوب و مكافح لكن غيبت قيمة لن تنجح من دونها .... كان الجميع يستمعون وهم أيضأ خائفون ...ثم واصل اوسكار : لقد غيبت من فكرك الصبر..نعم الصبر ...ثم عاد الى كرسيه و استدار اليهم جميعا ...لديكم 24 ساعة لإتمام التصاميم وكل الدراسات التقنية و المالية مثلما طلبتها ونظر الى خيسوس وقال له ..سمعت يا خيسوس....ولما هم الجميع بالمغادرة ...دخلت عليه مساعدته اندريا حاملة حزمة ملفات : سيدي ...استسمحك ....لم تبث بعد في مسألة المهندسين المساعدين ...يجب ان يغلق الملف و نختار واحد او اثنين ....فقد صارت المشاريع كثيرة ....و صعب التحكم فيها بهذا العدد من المهندسين ....كان لتوه غاضبا فرد بشيء من التذمر : ضعيهم ...سأفحصهم بتأني ...حين أهدأ .
مرت أيام على هذه الحادثة والملفات مرصوصة على جنبات المكتب واندريا تذكره كل صباح لكن الرجل مضغوط و في رأسه الف. والف قضية ... مبروكة في هاته الأيام اكترت غرفة صغيرة في مرقد يقع في حي صغير و بدأت تتنقل بين مكاتب الدراسات و تضع سيرتها الذاتية ....وقد اقتنعت بأن إختيار الاستاذ اوسكار نيماير لن يكون عليها خصوصا بعد ان رأت كلماته الفاترة معها و نظرات اندريا الني لا تبشر بخير ...لزم عليها ان تدق ابوابا اخرى فميزانيتها بدأت تتقلص ...المعيشة في ساو باولو غالية و العمل اجباري هنا .هذا من جهة ...من جهة أخرى الشابة أرادت أن نضع لنفسها تحدي ...نعم تحدي ...تحدي العيش بعيدا عنك يا فتيحة بلا مقابلتك بلا مالك بلا بيتك ونوافذك بلا السرير الذي تعايرينني به ....ايضا ..بلا هؤلاء الذين يسمون أهلي الذين كسروا خاطري ولم يكلفوا عناء السؤال عني ...نعم سأبدا وحدي من هنا ...بعيدا عنهم بٱلاف الكيلومترات و سأثبت لهم وللعالم أجمع أنني قوية ...قوية بدونهم ....كانت تأمل بأن تقبل في مكتب من المكاتب فالمشاريع في ساو باولو كثيرة و الورشاب..
ليلة الخميس كانت متعبة لاوسكار فبعد اتمام العمل في ساعة متأخرة من الليل ...رغب الرجل في احتساء كأس من السكوتش ..مشروبه المفضل نهض من كرسيه واتجه الى البار الصغير ليفرغ كأسا وفي طريقه صدم بخصره ملفات كانت مكدسة على الحافة فسقطت ...لم يكترث لها واكمل الى البار وضع قطع الثلج و سكب السكوتش من الزجاجة وعاد للمكتب
..فوقعت عينه على تصاميم كانت في الملفات الساقطة ...انكب الرجل وركز فيها ...حملها بكل ما جاء بالملف و جلس في المكتب ...قرأ من الفوق ...ملف مريم وضاح ..فرنسا .....فتح الملف وبدأ يقرأ ويقرأ يتفحص و يمعن ....ثم اتى بباقي الملفات قرأ و فحص...ثم عاد لملف مريم ...نهض وقام بسكب كأس ثاني ...ثم ثالث ..كل هذا وهو يتفقد ما حوى الملف ..خصوصا وان الٱنسة مريم وضعت كل ما جاء في مذكرة تخرجها حول مشروع متحف ليون بحساباته بدراساته بتصاميمه التي ذهل فيها اوسكار ..ولم يكن يدرك انها لطالبة اتمت لتوها مشروع تخرجها ...طالت به الساعات حتى الساعات الأولى للفجر فنام في مكتبه الأوارق مبعثرة هنا وهنا ..وزجاجة السكوتش التي كانت تفرغ في أيام فرغت تلك الليلة بعد سهرة هندسية مثيرة .....لم تصل الساعة السادسة صباحا حتى رن هاتف اندريا في البيت وهي تغط في نوم عميق ....رن ...ورن ...وبقي يرن...حتى حملت السماعة و هي تهم بسب المتصل حتى نطق أوسكار مباشرة : اندريا الشابة مريم وضاح هذه أريدها اليوم في مكتبي ...اندريا لم تزل بين نوم واستيقاظ ....فقالت نعم ...نعم واقفلت الخط دون ان تفهم ...وعادت لنومها ...و بعد نصف ساعة ..عاود رنين العاتف فرفعت السماعة لتسمع صراخ رئيسها قد أصم أذنها وهو يقول : أعلم أنك في المرة الأولى لم تسمعي شيئا من كلامي ..فردت وهي مرتبكة : اهلا استاذي اهلا ...اوسكار : حرررركي جثتك ..جثة الكوالا حااااالا و احضري لي مريم وضاح التي شاركت في الكاستيغ ...تحررركي حاااالا هيااااا...ارتدت اندريا ثيابها على عجل ونزلت مسرعة الى مكتبها ...وجب عليها ان تجد هذه المدعوة مريم قبل ان يصل اوسكار الى مكتبه فهي لم تكن على علم بأنه بات في المكتب ...واول ما فعلته حين وصلت اتصلت بتياغو موظف في العلاقات العامة و تعتمد عليه في مهام الاستعلام والتقصي رجل يحفظ كل ثنية في ساوباولو ...و يعرف كل صغيرة و كبيرة في إداراتها .: الووو تياغو صباحك سعيد...أين أنت ؟..تياغو : صباح الخير سيدة اندريا أنا أسير في زحمة المرور بشارع ليبردادي ...اندريا : اسمع أريد إحضار مهندسة شابة اسمها مريم وضاح قدمت من فرنسا للمشاركة في الكاستيغ الذي أجريناه قبل أيام ...تياغو : فرنسا !!! قبل أيام !!! لكن عذرا ...ما أدراك أنها بقيت هنا ربما غادرت...اندريا : غادرت !!! لا يمكن ..فلم تسمع النتيجة ..نتيجة الكاستينغ ....اريدك ان تتأكد من خروحها أو بقاءها ..ثم احضارها ..تياغو : لا سبيل الى ذلك إلا مراكز الشرطة فكل الٱجانب مسجلون في شبكتهم ....لا تقلقي سأتصرف ...لكن أندريا من شدة خوفها كانت تؤكد عليه و تشدد : تياغو ...رقبتي قي يدك يا تياغو فاحرص ان تحضرها قبل ان يحضر الاستاذ ...تياغو : لست ساحرا يا سيدتي ..لكن سأقوم بما في وسعي....انحرف تياغو مباشرة و غير مساره متجها الى محافظة الشرطة الكبرى في شارع غاردينس ...و راح يبحث عن المفتش إغناسيو ...فوجده في مكتبه منشغلا في التحقيق ....اقتحم عليه المكتب واستسمحه الى الخارج..: إغناسيو أنقذني ارجووك اريد التأكد من وجود رعية فرنسية و مكانها بالضبط ...إغناسيو : وما ادراني بها يا تياغو !!! تياغو : نقرة منك في شبكة الرعايا الأجانب و انت وجدتها ...ارجووك ...اغناسيو : انت تعرضني للمساءلة يا تياغو ....الدخول لهذه الشبكة محسوب و مراقب ....تياغو : اعلم أنها سهلة عليك و سأحفظها لك ....إغناسيو : إنتظر هنا قليلا سٱتي ...ماهي إلا دقائق حتى جاء وسلمه ورقة صغيرة : الانسة مريم وضاح 26 سنة فرنسية ..هي مقيمة حاليا في مرقد صغير يسمى بورتا دي خيو ..العنوان لديك في الورقة ...قبله تياغو و انطلق كالسهم.
مبروكة كانت ملقية جسدها على اريكة في صبيحة يوم جمعة بصالة المرقد تتصفح الجريدة على صفحة عروض العمل ....كان الإحباط قد بدأ يعتريها و هي تقرأ .. مطلوب منظفة منازل ...مطلوب نادل مطعم .. مطلوب طاهي بيتزا ...حتى دخل تياغو للمرقد فسأل عامل الاستقبال ..: هل لديكم نزيلة اسمها مريم وضاح ...فاشار الشاب إليها قائلا : نعم ..هي هناك في البهو يا سيدي ...فهرع الرحل اليها : صباحك سعيد سيدتي ...فالتفتت اليه مبروكة وابتسمت : صباحك أسعد يا سيدي ....تياغو : أظنك الانسة مريم وضاح ؟ ...فتعجبت مبروكة و ردت : نعم انا هي ..لكن لم تسأل يا سيدي ....فتنهد تياغو و قال : لا تسأليني يا سيدتي أنت مطلوبة في مكتب المهندس أوسكار نيماير ...حااااالا !! يتبع
طارق منور

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق