السبت، 29 مايو 2021

 .................

أحمد علي صدقي/المغرب

..................



رفعت الأقلام وجفت الصحف
... ومات الكاتب لما اتهموه بأفعال قامت بها شخصياته الورقية في عالم خيالي..
شمر الكاتب على أفكاره.. اختار شخصيات لكتابة روايته : أحداث أبطالها ستدور بين منافق، و كذاب، وعاهرة.. أخذ قلمه و عزم على الكتابة.. رفض القلم أن يكتب.. خافت الورقة من أن يسود وجهها بجمله الفاضحة فطارت من بين يديه مع الرياح.. قام وأرجعها فإذا بالقلم الشخصيات روايته يخاطبونه:
أنا قلمك امتنع عن الكتابة، و نحن شخصياتك الورقية نرفض الأدوار التي تريد إسنادها لنا. لم نعد نحتمل ادوارا تمس بالكرامات أو تصب في السياسات أو تشتم الديانات.. استغرب ممايسمع.. التفت يمنة ويسرة.. لا يوجد في المكان الا هو والقلم والورقة.. حشر رأسه بين يديه.. سد أذنيه.. لم ينتقص صوت ما يسمعه بل زاد حدتا بداخله.. قال المنافق:
كيف تمنحني دورا سخيفا كهذا في مجتمع نقي. لا نفاق فيه ولا منافقون.. أرفض هذا الدور! ثم قال الكذاب:
تفوض لي دور كذاب يعني تنعتني برجل سياسي. وهذه صفة أكرهها.. لأنك تعرف جيدا أن السياسة هي علم الكذب. فماذا ينفع وصف رجل سياسي بكذاب. فهذا كمن يتهم كلبا بالنباح. هل أفادنا بشيء جديد؟ أرفض هذا الدور! ثم قالت العاهرة:
القيام بدور عاهرة يعني دور امرأة غير ملتزمة، وهذا يعني خاصة، صب سخط وجام عضب المجتمع علي.. دفعتم المرأة للتفتح على الغرب ولما نقلت عنه الكثير وطلب بالمساوات بأخيها الرجل و وعزمت على التصرف في جسدها كما تشاء لا كما يشاء مجتمعها وصفتموها بالعاهرة.. أرفض هذا الدور.
شمر الكاتب على يديه.. جمع شتات أفكاره لملم بعض كلماته وقال:
إن قلت أنكم على حق، أكون قد خنت مبدئي، ولكن، لا بأس، لكي أطمئنكم سأمتنع عن كتابة الرواية.. ربما الرواية تتيح لي المجال لقول كل ما يدور بخلدي.. ترفع عني القيود لأتكلم فيها بلا راصد و بلا حدود. سأكتب فقط قصة قصيرة. فهي تقيدني بالمكان، والزمان، و الشخصيات.. سأكلف واحدا منكم بالدور الرئيسي والباقي لهم أدوار أعوان فقط.. رد المنافق:
لن ألعب دورا رئيسيا كهذا في مجتمع ليس فيه منافقون.. ولا تحاول أن تخدعني بالقول مرة أخرى بأن أصحاب اللحى اكثرهم منافقين. فهذا الكلام مردود عليك ولن أقبله منذ اليوم.. ثم قال الكذاب:
وأنا أيضا لن أقبل هذا الدور فالمسلم لا يكذب ونحن بلد مسلم فليس لنا حاجة بموضوع في بلد يخلو من الكذابين . ثم قالت العاهرة:
وأنا كذلك أرفض أن العب دورا كهذا في مجتمع يريد امرأة متفتحة وحين تقلد الغرب وتظهر تضاريس جسدها بلباسها الرجالي يصفونها بالعاهرة. رد عليهم الكاتب بقول ميسور:
حيرتموني أيتها الشخصيات الورقية. هلا قمتم بأدواركم غير مهتمين بهذه الأوصاف التي تلصق بكم.. ساعدوني بالقيام بما كلفتكم به من أدوار واتركوني أبلغ أفكاري للناس لعلهم ينتفعون بها.. لا تهتموا بكلام القراء فهي لن تضركم بشيء ما دمتم تقومون بأدواركم على أحسن وجه. وحتى إن لم يكن في مجتمعنا اشخاص اتسموا بهذه البلايا فلا يضركم من سبكم إذا بلغتم رسالتكم.. فما الرواية إلا لتسلية القراء. أجابوه جماعة:
لن نقبل منك هذا، والرفض هو مبدأنا. أجاب الكاتب:
إذن اسمحوا لي بكتابة قصة قصيرة جدا فقط، تمتاز بقصر حجمها ويكون التلميح والاقتضاب والرمزية والانزياح هم مرتكزاتها، فلن يفهمها إلا الفاهم .. قالوا:
وما سيكون موضوعها؟ قال:
ستكون فكرتها حول تسابق أحزاب على كراسي المناصب في دولة حق وديموقراطية.. وسأركز الموضوع على المواجهات والاتهامات التي يقصف بها بعضهم بعضا في الانتخابات حين يدخل الكل الحلبة وقد لبس قفازات الملاكمة.. ديدنه الكلام وتعرية مساوئ من يخوض معه غمار السباق. يسبح في بحر ومن يصوتون عليه يسبحون في بحر آخر. يردد بلا وجس:
سأكون لكم أنا يوسف السنوات العجاف.. سأجعلكم تعصرون فيها.. احذروا غيري فإنه مجرد فزاعة في حقل لا ثمار فيه. ويقصفه الآخر:
غيري ليس على أي شيء.. أنا لها.. أنا لها.. فأنا أعرف كل شيء عنها...
يكتب الكاتب قصته القصيرة جدا بقلم الرصاص.. يحاول عدم اقحام شخصياته في شيء لا يريدونه.. هو يكتب وهم يسايرونه بحثا في جمله على الأغلاط النحوية والاملائية وحتى البلاغية منها. يبدون آراءهم في كل جملة يكتبها.. ينتهي من الوسخ.. يستعد لكتابة النص بقلم المداد.. يسقط القلم فوق الورقة.. ينسكب مداده فوقها.. يتسرب المداد فوق الحروف.. تختفى تحته بعضها.. تختل المعاني.. يبدأ اللامعنى يسري بين جمل القصة القصيرة جدا.. يحاول الكاتب أخذ قلمه من فوق الورقة.. يرتعد.. تختل حركة أصابعه.. يبصق القلم على قميصه الابيض بصقة مداد تلطخه.. يقفز ليقلل من امتدادها فوق قميصه الابيض الناصع.. يتعثر.. يسقط.. تسقط الورقة.. يدرك أن لهذه الشخصيات الورقية دخل في الموضوع.. يترك قصته القصيرة جدا.. يهجر الكتابة.. يخرج تائها على وجه الارض..
بعد البحث عنه والتنقيب في أموره، والتعرف على قصة حياته القصيرة جدا، وجدته الاستخبارات منبوذا في خلاء وقد لقي حتفه...
أحمد علي صدقي/المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق