................
على غالب الترهوني
بقلمي
..................
متاهة .6.
ميدان لبنان
____________
كان صديقي بالقسم الداخلي. يدرس فلسفة .وكثيرا ما كان يجادلني. عن الوجود وعن الإنسان في ذاته هل كان مسيرا أم مخير ..وكنت في قرارة نفسي أتحاشى النقاش في مثل هذه المواضيع .لحساسيتها أولا. وخوف الشديد أن يتم تفسير ما يدور في الغرفة من قبل أشخاص لصوصيين مهمتم تأويل الفراغ ..لذا عندما وقع بصري على المستشفى .تذكرت للحظة ماكان بيني وبين رفاقي قبل عشرات السنين ..
العمارة دي ..قال عبدالله وهو يلقي ببصره يمينا وشمالا ..كانت العمارة تتوسط حي شعبي ينته ببوابة المستشفى الذي كان يحتل رقعة كبيرة من المساحة ..قيل أن مصطفى محمود .تنقل بين الأديان بحثا عن اليقين حتى وصل إلى المحطة التى إنطلق منها وهو الإسلام ..وقد دون ذلك في كتابه ..رحلتي من الشك إلى الإيمان. .ويتردد بين العامة ..إنه بنى هذا المسجد وآخر على ناصية شارع جامعة الدول العربية .ربما لأن العمل الخيري يدعم حسنات المؤمن ويفتح أمامه بوابة الدخول إلى الجنة ..
كان عبدالله يسير أمامي. .دخلنا العمارة التي لم تكتمل بعد نوافذها وأبوابها مشرعة بلا واقي من أي شيء. .كانت العمارة تضم ثلاثة طوابق ..في الطابق الأول كانت الحملان الصغيرة تثغى ثغاء موجعا. ربما لأنه تم عزلها عنوة عن أمهاتها. وفي الطابق الثاني تم حشر قطيع من الماعز الذي لا يكف عن الثغاء دونما سبب .والطابق الثالث كان مقصدنا هناك ..ثمة أربعة شباب يافعين. .أحدهم حاط خصره بخاصة بيضاء مال لونها إلى البني القاني لكثرة إستعمالها ..وكبيرهم يدعى حمدان يرتدي جلباب فضفاض أزرق اللون وقد إنتفخ صدره أين كانت الجيوب .بادرنا الرجل الذي تبدو عليه علامات الصلاح ..
يا مرحبا ...يا مرحبا ...
قال عبدالله ..إزيك يا حاج حمدان ..إنت إنسيتني ولا أيه. ..
رد الرجل بثقة ..لا إزاي مش إنت صبي الحاج خولي ...إستحي ياواد ...
إخترنا خروفا متوسط الحجم ..قرناه صغيران. .بدت لطعة سوداء أحاطت بالرقبة وإستقرت بين قوائمه. .لحظات حتى كان الخروف بكامله ..داخل كيسين من النايلون ..
لا أدري كيف سمع بنا رواد الشارع المزدحم. .ما أن خرجنا من العمارة حتى أحاط بنا الجميع ..أطفال من مختلف الأعمار لا مأوى لهم .قاصرات. عاثرات. مغيبات. يطلبن هبات لا طائل من ورائها. .حاولنا الإبتعاد عن الزحام قدر ما نستطيع .وقفنا قبل الدوار بقليل ..قدماي لم تعد تحتمل هامتي المثقلة بالتعب ..قلت ..عبدالله أوقف لنا تكسي ..
من بعيد ثمة رجل مسن يضرب بالسوط حصان يجر عربة .مليئة بالخردة. .إقترب الرجل أكثر فأكثر. كان أشبه بمن خرج لتوه من القبر ..ملابس رثة ووجه هالة للهم. لحيته كثيفة إختلط بياضها بسوادها. وقد صادف مروره .مرور سيدة في العقد الأربعين. .بدا واضحا أنها تقصد الغرباء فقط ..ترتدي طرحة سوداء لم نر من جسدها شيء. لكنها وحين إقتربت منا كشفت عن صدر نافر. هذا كل ذخرها الذي تستقطب به الغاوون ..حاول الرجل الإيقاع بها .رمى بضع كلمات لكنه لم يفلح ...لم أنتبه إلا وعبدالله يقول ...التكسي يابيه ...
___________________
على غالب الترهوني
بقلمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق