................
كرْما الإبراهيمي
...............
للحب رائحة الخريف../ كرْما الإبراهيمي **
كان الخريف في أواخره...
وكانت تمطر...
يومها جاء..
كان متلبسا بصمته وبمعطفه الأسود...
بزغ من عتمة المساء،
ووقف على الحد الفاصل بين الروح والشوق...
وقف وقد ظننته جاء ليسكب بعيني فرح العشق ورغبة الانصهار في دم القلب...
حدق في البحر إذ الريح تداعب الموج وراح يضرب على الرمل بقدميه...
تأملته في ذلك المساء الرمادي...
لم أجرؤ–كما كنت أفعل- على أن أمد يدي داخل جيبه لأمسك بيده...
لم أجرؤ على أن أحتمي بمعطفه لأتشمم رائحة قلبه...
ظل الصمت وحده يملأ المكان...
-سأعود...قال...وغاب في غيم المساء ...
**بكيت يومها غيابه الذي دمر خيوط القلب..
بكيت وجهه الذائب في دمي وكلماته التي ما تزال تؤسس خلاياه:
-ستظلين ملكة العمر..
تباعدت الأشياء وتقاربت في دمي،
واستأنفت أيامي بدونه..
**للحب رائحة الخريف،
ولعينيك في دمي طعم الورد..
يا رجلا جاءني كالريح لينسج لي من يديه خيمة فُل..
كان تشرين قد بدأ والمساء صار رماديا..
وكنت أركض على مشارف المدن البعيدة،
أستجمع بقايا الحلم،
وأرسم قلوبا صغيرة أضيء بها عتمة الليل..
هل تذكر؟
كان الحلم من لون سماوي،
وكنت زهرتك البرية،
لكنك اختفيت فجأة إذ لفك غيم المساء..
**للحب رائحة الخريف،
ويداك توشيان يدي بزهر البرتقال،
وكلماتك ترصع القلب:
ستظلين أميرة الروح وعبق اللحظة..
وكان وجهك يغيب رويدا رويدا ،
وكان أن انطفأ في عتمة الغروب..
**للحب رائحة الخريف،
حين يتحول إلى انتظار،
وأمسيات باردة.
حين تزدحم الأسئلة بالقلب،
وحين لا أجدك..
**للحب رائحة الخريف،
حين أبحث عنك في وجوه المارة ولا أجدك،
وحين تغزلني دمشق أرجوحة من حلم وأنا أقف على –بردى-،
وأنتظر أن يطلع وجهك من عمق النهر،
وتمتد يداك لتغطياني برداء فُل..
وحين يستقبلني مقهى-التنورين- العابق بعطر الماضي في-باب توما-ووجهك يتماوج مع بخار قهوتي وجدائل الياسمين،
وأنتظر أن تلتحق بي ولو كان ذلك قبل أن يغلق المقهى أبوابه مع آخر الليل،
وأن نغني حتى طلوع الفجر كعاشقين مجنونين على حافة شارع ما في مدينة ما..
لا فرق عندي بين الليل والفجر مادامت يدي تنام بيدك حين تفضح الشمس الأشياء..
لكنك لا تعود،
ووحده الغياب يصنع طعم ما تبقى من اللحظة..
**للحب رائحة الخريف،
والشوارع العتيقة تزدحم بالعشاق،
والمجانين،
وبقايا القصائد الضائعة..
ووجهك يأتي كما ومضة تشرق في القلب ومرة أخرى تضيع..
**للحب رائحة يديك،
كلما جاء المساء وجاء المطر،
وكلما كان البحر ثالث طرف في الحكاية..
لأنني مازلت أنتظر،
أن يطلع وجهك من المساء،
ويغسلنا البحر بمطر العشق ،
ولتظل للحب رائحة الخريف..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق