....................
د. صالح العطوان الحيالي
...................
اسهامات المرأة فى الحضارة الإسلامية
ـــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي
شهد التاريخ الإسلامى بتولى المرأة العديد من المراكز القيادية فى المجتمع الإسلامى، فكما تولت المرأة منصب الحاكم، تولت أيضاً مناصب أخرى لا تقل فى أهميتها عن منصب القائد، فتولت مناصب القضاء، والإفتاء والحسبة «السلطة التنفيذية»، وشاركت المرأة كذلك فى الحروب وميادين العلم، وأثبتت جدارة وكفاءة سجلها التاريخ بين أوراقه ..بدأ دور المرأة فى الجهاد فى الوقت نفسه الذى بدأ فيه دور الرجل، بل إن دور المرأة الفعلى سابق له، فأول من استشهد فى سبيل الله كان امرأة هى السيدة سمية زوج ياسر، وكانت أسماء بنت أبى بكر - رضى الله عنها - أولى الفدائيات التى أمَّنت وصول الطعام إلى النبى، صلى الله عليه وسلم، وصاحبه أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، كما أنها تلقّت الأذى من أبى جهل فى سبيل كتمان خبرهما. وقد طلب الشرع الإسلامى من المرأة الدفاع عن وطنها، وأرضها، وشعبها، كما طلب ذلك من الرجل، وقد أقرّ النبى، صلى الله عليه وسلم، مشاركة النساء فى الجهاد والغزوات، بل غزت المرأة مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كأم سليم بن ملحان، وأم حرام بنت ملحان، وأم الحارث الأنصارية، والرُّبَيِّع بنت معوذ، وأم سنان الأسلمية، وأم سليط، وليلى الغفارية، وكعيبة بنت سعيد الأسلمية، وحمنة بنت جحش، ورفيدة الأنصارية، وأم زياد الأشجعية.
أما ميدان العلم فنبغ فى مختلف مراحل التاريخ الإسلامى الآلاف من العالمات المبرَّزات والمتفوقات فى أنواع العلوم وفروع المعرفة وحقول الثقافة العربية والإسلامية، وكانت السيدة فاطمة بنت رسول الله (ص) وامهات المؤمنين الدور البارز في هذا المجال وقد ترجم الحافظ بن حجر فى كتابه «الإصابة فى تمييز الصحابة»، لثلاث وأربعين وخمسمائة وألف امرأة، منهن الفقيهات والمحدثات والأديبات. وذكر كل من الإمام النووى فى كتابه «تهذيب الأسماء واللغات»، والخطيب البغدادى فى كتابه «تاريخ بغداد»، والسخاوى فى كتابه «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع»، وعمر رضا كحالة فى «معجم أعلام النساء»، وغيرهم ممن صنف كتب الطبقات والتراجم، ذكروا تراجم مستفيضة لنساء عالمات فى الحديث والفقه والتفسير وكذلك لأديبات وشاعرات.
ولقد تفوقت المرأة المسلمة على الرجل فى جوانب كثيرة فى علوم الحضارة الإسلامية، خاصة فى جانب علم الحديث ومعرفة رواته، ويسجل تلك الشهادة أئمة علم الحديث والمصطلح، فيقول الإمام الذهبى: «وما علمت فى النساء من اتهمت ولا من تركوها». «ميزان الاعتدال فى نقد الرجال، للإمام الذهبى». ويؤكد الحافظ بن حجر ذلك الأمر، حيث يقول: «لا أعلم فى النساء من اتهمت ولا تركت». «لسان الميزان، للحافظ بن حجر العسقلانى».
لقد كان حرص النساء على طلب العلم الشرعى والاهتمام به منذ عهد النبى، صلى الله عليه وسلم، فروى أبو سعيد الخدرى، وأبو هريرة، رضى الله عنهما، أن النساء قلن لرسول الله، صلى الله عليه وسلم: «اجعل لنا يوما كما جعلته للرجال. قال فجاء إلى النساء فوعظهن وعلمهن». «أخرجه البخارى».
وكان عطاء بن أبى رباح، رحمه الله، يقول عن السيدة عائشة، رضى الله عنها: «كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأياً»، «أخرجه الحاكم فى المستدرك».
اما عن منصب القضاء اختلف فقهاء المسلمين فى حكم تولى المرأة القضاء، فذهب الجمهور إلى عدم جواز توليها القضاء مطلقاً، وذهب الأحناف إلى جواز توليها القضاء فيما تصح شهادتها فيه من الأحكام، وذهب آخرون إلى الإباحة المطلقة لقضاء المرأة فى جميع الأحكام، وهم الإمام محمد بن جرير الطبرى، وابن حزم الظاهرى وابن طراز الشافعى وابن القاسم، ورواية عن الإمام مالك، ورغم ذلك فإن المصادر التاريخية لم تسجل لنا إلا حالة واحدة تولت فيها القضاء امرأة، وهى ثمل قهرمانة شغب أم المقتدر.
وكانت «ثمل» من ربات النفوذ والسلطان فى الدولة العباسية أيام المقتدر، فكانت الساعد الأيمن لأم المقتدر، تلى شؤون الدولة وسياستها، وبلغ من اعتماد أم المقتدر على ثمل أن أمرتها تجلس بالرصافة سنة ٣٠٦ هـ للمظالم، وتنظر فى كتب الناس يوما فى كل جمعة، فأنكر الناس ذلك واستبشعوه وكثر عيبهم له والطعن فيه، فجلست أول يوم فلم يكن لها فيه طائل، ثم جلست فى اليوم الثانى وأحضرت القاضى أبا الحسن بن الأشنانى فحسن أمرها وأصلح عليها، وخرجت التوقيعات وعليها خطها على سداد، فانتفع بذلك المظلومون، وسكن الناس إلى ما كانوا نافريه من قعودها ونظرها، وكان يحضر فى مجلسها القضاة والفقهاء والأعيان، توفيت سنة ٣١٧. «البداية والنهاية، لابن كثير».
وبالإضافة إلى القضاء، وردت آثار فى تولى المرأة السلطة التنفيذية، أو الشرطة، أو ما تسمى فى التراث الفقهى الإسلامى «الحسبة»، وكان ذلك فى القرن الأول، وعلى خلفية هذه الآثار أجاز بعض علماء المسلمين تولى المرأة هذا المنصب القيادى الحساس فى الدولة الإسلامية، فروى أبو بلج يحيى بن أبى سليم قال: «رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبى - صلى الله عليه وسلم - عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر». «أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير».
إن الأعداد الهائلة من النساء اللواتى ساهمن فى بناء الحضارة الإسلامية ليس بوسعنا أن نستوعبهن جميعهن فى عدة سطور، ولكن الأمثلة المذكورة كافية لتأكيد مكانة المرأة فى الشريعة الإسلامية، وأنها ساندت الرجل من منطلق مبدأ المساواة - وليس التساوى - فى بناء الحضارة وتعمير الكون، فنجحت كحاكمة وقاضية ومحاربة وقائدة الجيوش ومحتسبة وفقيهة.
أ .د. علي جمعة
الكاتبة رانية عاطف
الكاتب حمد عبد العزيز الكنتي
المرأة في القرآن... عباس محمود العقاد
المرأة بين القانون والشرع .. الفقيه الحجوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق