الأربعاء، 27 أبريل 2022

 ....................

حكمت نايف خولي

...............



البراءة
ارتمت البراءةُ بين
ذراعي الوداعةِ
وراحتْ تذرفُ الدموعَ
أتتْ بها الأقدارُ إلى عالمٍ
ورودُهُ أشواكٌ وأزهارُهُ
تختفي في طيَّاتِها لسعاتُ
العقاربِ والأفاعي
راحت البراءةُ ترثي نفسها
تبكي العالمَ من حولِها
لغتُها غريبةٌ مبهمةٌ لا تسمعُها
الآذان الصمَّاءُ وإذا سمعتها
لا تفهمُ منها شيئاً
قلوبُ الناسِ تجمدتْ تحولتْ
إلى حجارةٍ سوداء
الأرواحُ تلبدتْ فيها الأحاسيسُ
غدتْ تبيعُ وتشتري كلَّ شيء
في حانوتِ المشاعرِ والعواطف ،
أصبحتْ الموازينُ تزنُ كلَّ شيء بمعاييرِ
الكسبِ والخسارة
لم يعدْ في هذا العالمِ مكانٌ للبراءة والوداعة والصدق
صار الإنسانُ ينافقُ حتى على نفسِه ،أدمنَ لغةَ
النفاق ِحتى غدتْ المداهنةُ الكذبُ والرياءُ
هي الحروفُ الأبجديةُ في لغةِ البشرِ في هذا العالم
فماذا نتوقعُ أن تُنتجَ هذه اللغة وبمثل هذه الحروف ؟
لقد تزيَّفَ كلُّ شيءٍ كل ما تُنتجه هذه اللغة
وفي كلِّ الحقولِ بات نفاقاً وفي سوق النفاق
رثت البراءةُ هذا العالم ورثت وجودها فيه
هي حزينةٌ تُحسُّ بالغربة الموحشةِ
لكنها تعرفُ نفسها هي متناغمةٌ
وصادقةٌ مع ذاتها . أما هذا العالم المتعفن
هو غريبٌ عن نفسِه شوَّه ذاتَه وزيَّفَ هوَيَّتهُ
وتراه يلهثُ وراء سرابٍ ،
وما هذا السراب إلاَّ ذاته الضائعة
يلهثُ وراء حلمٍ توهَّمَ أنه سيسعدُ به يوماً
لكنه عبثاً يركضُ ويلهثُ
تراكمتْ طبقاتٌ كثيفةٌ من الغبار
على عيني هذا العالم فأصبح ضريراً لا يرى
عميَ حتى عن معرفة نفسه فضاعَ
وتاهَ في صحراء الألم والعذاب
العالمُ يتألم يتعذبُ لأنه فقدَ نفسه وأضاعَ هويَّتهُ
انحلَّتْ كينونتهُ ذابتْ في أسيدِ الشر والفساد
والبراءةُ والوداعةُ يتألمانِ
لكنهما يتألمان على الإنسان ويندبانِه
لم يعد الإنسانُ إنساناً بل أصبحَ
قطعةَ غيارٍ تافهةً في عجلةِ المجتمعِ
المتفسخ والمادي
فهل يمكن للإنسانِ أن يجدَ نفسهُ يوماً ما ؟
ويتعرَّفَ على ذاتِه فيحترمُ كينونتهُ
ويُعيدُ لها قدرها بعد أن مرَّغها
في الدَّنسِ والرجسِ والتزييف ؟
ركعت البراءةُ وسجدت الوداعةُ إلى جانبِها
فظلَّلتهما غيمةُ الطهارةِ وغمرتهما أمواجُ الروحِ
وراحا معاً يصلِّيانِ ويضرعانِ لخالقهما الحقيقي
المتخفِّي وراء الكون أن يساعدَ العالمَ ويمدَّ
يد َ العونِ لهذا الإنسان
المعذب عساهُ يجدُ نفسهُ ويعود من جديد
إنساناً بريئاً وديعاً صادقاً مخلصاً وفياً
حكمت نايف خولي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق