ديوان أكاليل الإلكتروني لسفراء القلم

 ................

حاتم بوبكر تونس

.............

. جمالية التجربة الأسطورية.

(بحث تربوي ٱنجز سنة : 1987, سأقدمه على أجزاء).

• في تعريف الأسطورة:

تتبدّى الأسطورة فوضى من الاحداث المتعلقة بعصر البدايات، عصر الخلق والتكون لا يحكمها نظام ولا ضابط، نتاج خيالي مغرق في الخيالية، ضرب من اللاعقل أو ميتا-منطق كما يؤكد شيلنغ. إنها تتمظهر فاقدة للحجج غير منطقية ولا مبرهن عليها لكن هذا الوهم سرعان ما يتبدد ، إنه انطباع أولي لا تدبير فيه ولا اجتهاد. الأسطورة في الحقيقة نتاج العقل يحكمها نظام داخلي منطقي، هي نتاج عملية إبداعية وخلق يحكمه التوتر والتواتر والبرهنة مما يجعلها حقيقة لا تقبل الانكار ، دوام لا يقبل الرفض لقدرتها على تفسير الأحداث اللامعقولة. الأسطورة آلية تفسير وتبرير وبرهنة وتغيير، تفسير لما هو كائن عن طريق الكلمات واللعب ولكل تشكُّل لذا تتخذ طابع التميز والتفرد والفرادة، انها حسب بول ريكور بنية قائمة مُشكَّلَة وهو ما أدركه من خلال مقارنته للأساطير.

بنية الأساطير كلية في نظامها وقوانينها رغم خصوصية كل منها، يحكمها منطق يبرر القول بأنها ذات بعد جمالي بالإضافة إلى قدرتها على هيكلة انسان العصر البدائي وتمثلاته وعلى تحديد ما يجب عليه فعله (ميدان السلوك) .

1/ الجمالية في الأسطورة:

•الجمالية في المستوى اللغوي:

✓ جمالية البنية:

يذهب علماء النفس إلى القول بأن الأسطورة عملية إعلاء لما هو غير عقلاني . عبرها حقق الانسان البدائي بطريقة غير مباشرة رغباته الجنسيةوالنفسية على المستوى التأملي، لقد عدت مخرجا نفسيا وآلية تصعيد لكن البنيوية تعتبرها شكلا جماليا له ما يؤهله لأن يكون متفردا . لقد انتبهت البنائية إلى الطابع البنائي للأسطورة . إن الأسطورة رغم كونها تتراءى مجرد أحداث لا نظام لها إلا أنها في الحقيقة ذات "بنية مزدوجة: تاريخية ولا تاريخية تنتمي إلى حيز الكلام كما إلى حيز اللغة " حسب ليفي ستروس . انها تشكل بنيويا سائر القوالب الايديولوجية التي يمتلكها الانسان . الأسطورة بحث عن زمن ضائع أو عن نهاية فردوسية وهذه البنية تدرك عبر مقارنة أساطير الشعوب ببعضها البعض . إن ما يجمع شتات الأساطير وتناقضها الداخلي إنما هي بنيتها وهذا التناقض شبيه بالتناقض اللغوي الذي ساد المباحث اللغوية عندما اعتبروا أن الأصوات في علاقة ضرورية مع المعاني لكن تبين حديثا أن ذلك الارتباط إنما هو اعتباطي أي اعتباطية الدال والمدلول لذلك فإن الأسطورة جزء لا يتجزأ من اللغة نعرفنا بواسطة الكلام وبه ترتبط.

الأسطورة تنفتح على الانماط السائدة في عصر ما بهذا تكون في شاعريتها شبيهة بالشعر لذا ترد في شكل مقاطع شعرية يحكمها الإلقاء الذي يحتكم إليه الشعر ذاتها وما هو متداول وغالب من الأنماط. الأسطورة تأخذ شكل الشكل الغالب في عصرها وحجة ذلك أن الأساطير العربية وردت في شكل نثري كالرواية مضمنة بآيات قرآنية تغير عملية الخلق والتكون، انها تروي لنا كيف خرج واقعا جديدا إلى حيز الوجود يفضل مآثر بعض الكائنات المفارقة وهذا ضربا من البيداغوجيا لتقريب الدين من البشر . لعبت الأسطورة دورا بيداغوجيا تعليميا تبسيطيا وفي مرحلة ثانية باتت تعبر عن هواجس الانسان وحاجاته كالحاجة إلى الماء التي تحكمها الظروف الطبيعية . كما أن للأسطورة بنية تاريخية لأن ظهورها يقترن بوضع ما ولكنها كذلك لا تاريخية لأنها نص مهاجر.

أن الأسطورة واقعة عقل قبل ان تكون واقعة وجدانية وواقعة عقلانية قبل ان تكون ناجمة هما هو محسوس ولا عقلاني وهي لم تكن وليدة الصدفة واللاعقل بل وليدة مجهود عقلي يسعى إلى رد الشتات والتنوع إلى وحدة قصد للمحافظة على الوحدة داخل المقدس وما يحمله من سمات قدسية ، هي تجسيد لعصر البدايات الرائع le temps originaire وعن الوحدة الزمانية والمكانية. تعبير عن روعة الفكر الأسطوري المفسر لروعة الكون الدقيق والمنظم حيث لا مجال للنشاز والشتات والفوضى.

جمالية التجربة الأسطورية:(ج2)

✓جمالية الشكل:

بينا سابقا أن الأسطورة ذات بنية مزدوجة تاريخية ولا تاريخية بالإضافة إلى ذلك لها بنية داخلية يمكن ان تتخذ شكلا عموديا بمعنى انها ترد في شكل مقاطع شعرية لها نفس الخصائص التي تميز الشعر فنجد الاستعارة مثلا كقولهم " يد المنون" محل قولنا "الموت",ليتخذ هذا المحدود الذي ينفلت من التحديد والتعيين المادي صفة المادية فكاننا بالموت أضحى ذلك المُمسك به، الذي لا يخرج عن الإنسان بل أكثر من ذلك فقد صار للموت يدا قابضة، واضحة للعيان كما تتضمن الأساطير بصفة قصوى المجاز. ترد الأسطورة كذلك في شكل نثري أي ذات بنية سردية كما في الفكر العربي الإسلامي ورغم ذلك فالشاعرية تغلب عليها حيث يسودها السجع والتشبيه والاستعارة والطابع التصويري والتمثيلي والمشهدي بكثافة تجعلنا نجزم بأن الأسطورة شبيهة بلوحة رسام شُكّلت وفق تخطيط معين وطبق ضرب من الدقة يجعلها تحيط بدقيق الأمور وبكل أبعاد الحياة وأحداثها وهو ما يؤهلها لتمكث في حيّز النظام القدسي.

✓ الجمالية على مستوى المضمون:

تتمظهر الجمالية على مستوى المضمون في جوانب عدة فقد تتشكل في عملية الخلق ذاتها باعتبارها:"Un récit qui mêne dans la même représentation une histoire des dieux , héros et de demi dieux". إنها نمط.قصصي يسرد عملية الخلق زمن الزمن الرّائع ، زمن البدايات الرّائع كما يقر "ميرسا الياد" كما تُورد الأسطورة مسألة التزاوج الذي يتم بين الآلهة فيما بينها وبين الآلهة والانسان من جهة ثانية.

تشكل الأسطورة كثافة انطولوجية وليس فقرا انطولوجيا لما تتضمنه من سعي للإحاطة بالإنسان في كل أبعاده الميتافيزيقية وللوجود في كل تمظهراته: من خلق وعلاقة بالإلاه وحرية كما تتضمن مسعى لتحديد منزلة الإنسان داخل الوجود المنظم . إنها تفسير لما يحصل للانسان من أحداث: احتراق محاصيله الزراعية، موت الأبناء، الجفاف.. وفقا لمنظومة قدرية . هي انصات واستجابة لكل ما يحدث من معضلات لذا تشكل رافد نهل للمسكنات المخففة لعبء المصيبة، تفسير لظاهر الأشياء من كتعاقب اليل والنهار والفصول بردها إلى باطن أسطوري يمثل الميكانيزم المحرك للأحداث ولتعاقبها، هي حديث عن الزمن في سيرورته وابداعاته فيبدوا فيها Cronos/Géa/Oranos... استغفاليا عدائيا، تجدديا خاضع إلى علاقات السبق واللحاق كما أنه يتجلى في تمظهرين أحدهما ذاتي وآخر كوني وهذه العلاقات الأسطورية تجسيد وتأكيد لجمالية الأسطورة.

تشكل الأسطورة أرغانون تواصل في الجماعة الواحدة ذلك أن وقوع حدث ما يعزوه المجتمع إلى تلك القوى الخفية اللامرئية التي تحكمه وهو ما يضمن عملية التواصل الداخلية والخارجية ، إنها لعبة ذاتية خاصة وكونية مرتحلة بين الكل ومختلفة في الافهام، تتشكل وفق الحاجات الاجتماعية والتي بدورها تحركها جمالية تُستمد من الآليات القائمة في عصرها وكلما تحولت إلا واكتسبت أثقال الهجرة فالتجربة الأسطورية في الفكر العربي مثلا كانت محاولة لفهم الدين وتفسير القرآن ولذلك يتم عضد القرآن بلواحق أسطورية تسلس عملية الفهم فكان دورها بيداغوجيا كما تُسرد في المساجد للاتعاظ بما ورد في السنة والقرآن وهنا تتجسد عملية التذوق في الأسطورة فكيف نفهم هذه العملية؟.

....يتبع...

√عملية التذوق في الأسطورة:

•التذوق كحضور يومي:

•التذوق الممارساتي:

•التذوق وفق اللغة:

حاتم بوبكر تونس