الثلاثاء، 6 أغسطس 2019

...........

حمادي أحمد آل حمزة الجزائر
..............


لا يتوفر وصف للصورة.


الرواية البوليسية : في الجبال مع الجماعات المسلحة
واحتكاكه بالنباتات والأغصان ، وعند الصباح وجد جدولا مائيا ، شرب منه وغسل أطرافه واستراح قليلا ، وواصل السير وكان يسمع على مرات متقطعة صوت الطائرة العمودية تحلّق على انخفاض ، فيستند إلى أشجار الصنوبر والكستناء ، والبلوط ، ثم يواصل السير بعد اختفاء الصوت ، ووصل إلى أدغال سيطر عليها الظلام في وضح النهار وعواء الذئاب نهارا ، وطواف الخنازير البرية فيه دون حياء ولا خوف فعرف حينها أنّه في منطقة يسود فيها قانون آخر ، قانون الغاب البقاء للأقوى ، وشرد هنيهة في أفكاره وتدريباته ، ولكنه سمع صوتا قويا ، أرض ،أرض فارتمى بسرعة وجعل يديه على رأسه ، وأغمض عينيه ، ولكن سمعه بقي يجول في الأنحاء ، يعدّ الأرجل والأقدام القادمة إليه ، لقد تم له ذلك لقد كانا اثنين ، وعرف جهة مقدمهما ، واستعدّ لهما وما هي إلا لحظات حتى رماهما أرضا وأصبح المسيطر على الوضع دون إراقة الدم ولا إطلاق النار، ثم قال : من أنتما ؟ وهو يتفرّس ملامحهما ولباسهما، فلزما الصمت وتم تكبيلهما، وطلب منهما السير أمامه ودون اللجوء إلى الذكاء، وبعد مدة من السير قال أحدهم من تكون وماذا تفعل في الغابة الموحشة ؟ فأجابه أنا مثلكما منبوذ من قومي ,ابحث عن ملاذ آمن ولا أريد إيذاء أحد ، فاتركوني بسلام أطلق سراحكم ، فقالا في الحين ومعا : نعدك بذلك ، واتفق معهم حول كيفية إطلاق سراحهم ،وأين يجدان رشاّشتيهما ، وانطلق بعدها إلى حيث لا يدري ولكن التعب أخذ منه مأخذه ، ثم أسند ظهره إلى صخرة ممسكا بيده اليمنى بمسدّس كان قد أخذه من أحد الضباط وفي يده الأخرى جهاز راديو ، وتزاحمت الأفكار في مخيلته عمّ يفعله ، وما سيفعله مستقبلا ، ولكن أفكاره لم تتم بعد حتى حوصر من كل مكان برشاشات ومسدّسات وراجمات الصواريخ والعدد لم يكتمل ، وتقدم منه أحدهم فعرفه ، لقد كان الملتحي الذي أطلق سراحه منذ ساعات ، فنزع منه المسدّس والراديو ثم ضربه بأخمص الرشاش ضربة قوية أفقدته وعيه , وعندما استفاق من غيبوبته وجد نفسه منهك القوى مكبل القدمين واليدين ، وسط معسكر صغير تملأه الأسلحة مختلفة الأحجام والأنواع والصنع ، ولاحظ أيضا نساء يرتدين براقع على وجوههن وهن في حركة دائمة يقمن بأشغالهن ، ويحملن أسلحة ، بالإضافة إلى صياح أطفال وجريهم وراء بعضهم البعض يحملون أسلحة من خشب صمّمت على شكل الرشّاش وآخرون في حلقة يدرسهم رجل طاعن في السن يضع قلنسوة فوق رأسه تبدو أفغانية ، والأطفال يمسكون ألواحا خشبية كالمستعملة في الكتاتيب منذ عهود ، ثم أدار رأسه إلى اليسار فلاحظ جماعة من الشباب وهي تتدرب على استعمال السلاح الأبيض ، والمبارزة ,وفنون القتال الأخرى ، وآخرون يغسلون ملابسهم ، والكل في حركة دائمة ، بالإضافة إلى حرّاس بأسلحة أوتوماتيكية تفرقوا هنا وهناك منهم من يظهر للعيان وآخرون تموّهوا بألبسة حربية ، تطابقت ألوانها والأرض والحشائش ، وغير بعيد عنه لمح رجلا أسدل لحيته على صدره ، يجلس على صخرة والباقي من حوله على الأرض يبدو أنه يعطيهم تعليماته فكلما وقف أحدهم إلا وقبّل يده قبل المغادرة ، وإذ به يراه يشير إلى أحدهم ، بأن يأخذه إلى حيث يجلس القرفصاء ، فجاءه أحد الغلاظ ذو لحية مطلقة على صدره عنّفنه لحظات ثم فك وثاق قدميه وأخذه إليه ، وأعاد ضربه على مؤخرة ظهره وقال : اجلس يا طاغوت فوقع على الأرض من شدّة الإعياء والعطش والجوع ، ولكن الرجل الجالس فوق الصخرة أشار إليه بتركه وشأنه وأمره بإحضار طعام وشراب ، وكان له ذلك فأكل طحينا وعسلا وبعض الفواكه المجفّفة ، وكان أثناءها يسمع ما يدور بينه وبين أصحابه وعلم أنّه الأمير في الجماعة الإرهابية ،وعندما أنهى طعامه وجّه إليه الكلام ما قصتك يا شجاع حتى تقتحم عريني ، فقال: سيدي ، فنهره وقال ليس عندنا أسياد ، بل أمراء وجنود ، فقال: يا أميري ، لقد كنت محافظا للشرطة ، في العاصمة ، أعمل ليلا ونهارا لبسط الأمن والآمان ، عندها ضحك والتفت إلى أصحابه وقال الأمن والآمان في استهزاء ، فضحك من حوله ، وتبادلوا نظرات السخرية ، ثم قال وبعدها ، قال: أراد الوزير عزلي من منصبي وتعيين قريب له في منصبي ولما رفضت دبّر لي تهمة ثقيلة تدخلني السجن ولن أخرج منه إلا شيخا لو كتب لي عمر في السجن فقتلت اثنين من معاونيه وقتلت في طريق الهروب اثنين أو ثلاثة لا أذكر العدد تحديدا ثم توجّهت إلى الغابة ، وهنا أشار إلي بالتوقّف عن الحديث ليناوله أحدهم جهاز إعلام آلي محمول ووشوش في أذنه بضع كلمات ، وسمع من الجهاز نشرة مفصّلة للأخبار خصّصت لهروب وقتله مجموعة من الضباط ,أكابر البلد وعاث في الأرض فسادا ورعبا ،فكان ينظر إليه من حين إلى آخر ويتابع المشاهدة ثم أغلق الجهاز وقال له: تابع ما كنت تقوله ،فجاء إلي جنودك وتمكنت منهما وأطلقت سراحهما بعد أن أخذت مواثيقهما بعدم التعرض إلي فأنا لا أريد إيذاء أحد ، ولكن بعد مدّة أحسست أنهما يتابعاني حتى وصلت النجدة إليهما وتمكنوا مني لكثرتهم ، ضحك ضحكا خفيفا ثم ، قال أتعرف عقوبة التعرض لجنودي ، فقال : لا على الفور ، ولكني لم أتعرّض إليهما أردف قائلا فردّ هذه منطقتهم وعليهم الدفاع عنها ، فقال: أنا غريب عن هذه الأرض ولا أعلم متى تبدأ حدودكم ومتى تنتهي ، وكنت أعبر المنطقة فحسب ، قال : أنا وجنودي نبحث عنكم في كل مكان ، لنخلص الأمة من ظلمكم ، وجوركم ,أحكامكم من صنع الطغاة مثلكم ، تسيئون إلى الخالق والمخلوق ، تحبون أنفسكم ، وجاءت الخطبة رنانة متسلسلة كأن الرجل يحفظها منذ أمد ، يستدل كل مرّة بآيات من القرآن والأحاديث النبوية وبعض الفتاوى من علماء تشدّدوا في الدين وهاله أن الجميع لما كان الرجل يخطب ، اقبل القاصي قبل الداني على السمع والطاعة وهزّ الرؤوس للدلالة على صحة ما يقوله الأمير ، وفي يده عصا رقيقة العود يستعين بها في كلامه فيرفعها مرات إلى السماء ثم يعيدها إلى الأرض ، وهو ينظر إليه ، فنادى أحدهم بالآذان فسكت ثم قال : أتصلي ، قال: نعم ولكني لم أصل منذ ثلاثة أيام ، فأمر له بإناء للوضوء وساعده أحدهم على النهوض ، وذهب إلى مكان خال والحارس يراقبه ، وأتم وضوءه ، وقاده الحارس إلى مكان الصلاة ، فصلى بهم الأمير عصرا وأتم بعدها صلواته وقضيها كلها جالسا للتعب الذي أنهك ، وكلما سلّم من صلاة إلا ورأى الأمير يراقبه خلسة ، فعلم أنها ساعة الفراق فدعا الله سرّا أن يغفر له ما أسرف فيه على نفسه ، وتوجّه بعدها إلى مكانه حيث كان يجلس ، أمام الأمير ، فقال له : أنا الآن مستعد للعقاب وأعلم أنّه قاس جدا ، فأنا أتمنّاه في كل لحظة ، فلم يجبه ، وقال : ما لذي تجيد فعله ؟ قال: كل شيء ماعدا إعداد الأكل والطهي ، هل تحسن تصليح الأسلحة ، قال: نعم ، فنادى أحدهم ، وقال : احضر واحدة من القطع المعطوبة ، ورجع سريعا يحمل رشاشا ، فتفحصه سريعا ، وعاينه ، ثم فككه ، وأعطاه القطعة المعطوبة ، وقال: هذه لم تعد صالحة ، فأمر بإحضار قطع الغيار ،وأصلح الرشاش ونظفه ، وأعطاه له وتم تجربته دون ذخيرة فسمع له وقعا في أذنه ، ثم قال : لن أقتلك اليوم حتى تنتهي من تصليح قطع السلاح المعطوبة لدينا ربما تشفع لك ، وأغير العقاب، ليكون أقل حدة ، وكان الوقت مغربا ، صلى الكل وراء الإمام ، ثم أمر لهم بالأكل وكان قريبا منه ، فقال لأحد جنوده ، خذ الأسير إلى المغارة رقم أربعة وأعطه الأسلحة المعطوبة وقطع الغيار، وان تعذر ذلك صلّحها من بعضها البعض ، وأحسنوا إليه ، حتى أرى فيه رأيا ، وذهب به رجل ملتحي ، تبدو عليه علامات الشدة والفتوة إلى الغار ، وهو عبارة عن سرداب داخل الأرض ذو مدخل ضيق إلى جانب صخرة تموّهه ويتسع كلما أوغلت الدخول إليه ،حتى يصل إلى قاعة فسيحة ، تستطيع الوقوف فيها ، لها أنبوب في سقفها ، استنتج أنه للتنفس وتجديد الهواء داخل السرداب ، في أركانها بعض الأغراض وجانب آخر طغى عليه السلاح بمختلف الأنواع والأشكال والماركات ، ثم افترش حارسه فراشا ، وأشعل قنديلا من الكيروسين أضيئت به أطراف السرداب ، ففعل مثله وأخذ زاوية مقابلة له ، وبدأ في فحص بعض القطع ، واختار منها ما يمكن تصليحها بسرعة ، وانهمك في العمل وما هي إلا سويعات حتى صلّح أكثر من عشرين قطعة ، جاهزة للاستعمال ، والحارس يراقبه ، ولم يكلمه ، ثم آوى إلى الفراش مقيد القدمين ليأخذ قسطا من الراحة ، لم يكن نوما عميقا بل أضغاث أحلام ، يفكر في مصيره وما أقدم عليه ، يهاجمه الرعب والخوف ، فينهض من فراشه مرعوبا والعرق يتصبّب من جسمه كله ، ويعاود الكرة لينام ، ويتمالك ما بقي له من قوة ليحارب بها هواجسه ، ولكن الصبح لاح واستفاق الكل ، وسمع خطوات الرائح والغادي فوق السرداب ,قال لحارسي: أريد قضاء حاجاتي البيولوجية ، فأخرجه إلى مكان خال وأعطاه إناء به ماء ، ثم توضأ وصلى منفردا ، خارج السرداب ، فجاءه جندي ومعه كسيرات يابسات وبعض العلب من الحليب ،فأخذ حصته ، وقال حارس: أول كلماته لم تنم البارحة جيدا ، قال : إني أنتظر قصاصا لا أعلمه فكيف يهنأ لي جفن ، وقال هل أنت من العاصمة قال: لا من مدينة داخلية ، فقال الحارس: لقد رأينا ما فعلته منذ يومين بالطغاة في العاصمة ,نشرات الأخبار تتحدّث عنك حتى في خارج البلاد ووصفوك بالإرهابي الخطير، قال علي: لا أبالي بما يقولون ، ثم جاء الأمير وسأل عن أحواله فقال له الجندي : لم ينم طول الليل ، وقد صلّح ما يناهز العشرين قطعة من السلاح ، فسرّ الأمير، وقال للجندي: استدع أبا سراقة لتوزيع القطع المصلّحة على الجنود ، فذهب سريعا ، وبقي مع الأمير ، فقال له علي :هل ستنفذ في قصاصك ، قال : لا لقد شفعت لك القطع المصلّحة ، ثم أردف قائلا لي طلب آخر، هل تستطيع تدريب جنودي على كيفية الالتحام مع العدو والانسحاب ، فقاطعه قائلا: حرب العصابات والتكتيك ، فقال : عليك نور هو المقصود فقال له: مازلت ضعيفا والرعب يتملكني أمهلني أياما وسيكون لك ما أردت ، فابتسم ابتسامة خبيثة ظهرت مع خيوط الشمس الأولى وقال : لك ذلك ، وأوصى حارسه الشخصي بالعناية به والإحسان إليه ، وانصرف إلى توزيع السلاح المصلّح على الجنود ، وتوزيع المهام على البقية من توفير الطعام ، وجلب الماء من جداول المياه القريبة ، وتعويض الحراس لأخذ قسطهم من الراحة ، وذهب إلى شؤونه الخاصة ، فانزوى وحارسه إلى مكان قريب من السرداب ، والكرى يداعب جفونه وهدأ ما كان به من روع ولو مؤقتا ، ولكنه رفض النوم وطارده مثلما فعل به فعلته البارحة ، لأجل النظر إلى حركتهم وتدريباتهم وغسيلهم وطبخهم، والغريب في الأمر أن الطائرات العمودية ، تحلق في السماء ، فينبطح الكل أرضا ويغطون أجسامهم بالحشائش للتمويه ، فتنطلي الحيلة على منظار الطائرة فلا يظهرون أبدا ، وتنطفئ نيرانهم وينقشع دخانهم في لحظة كأن الأشجار تستنشقه ، ورأى قطيعا من الأبقار ترعى غير بعيد عن المكان في سفح الجبل المقابل لهما ، فعرف حينها مصدر الحليب صباحا ، وكان يجول بناظره في المكان يتفحصه بدقة ، ويسجل نقاط الضعف والقوة في المركز ، وحارسه ينظر إليه ثم قال: أتريد الهرب ، لا مجال للهرب هنا ، فقال علي: انظر إلى حارسكم في الجهة الغربية المقابل للوادي ، فنظر إليه ، وقال: ما به ؟ فقال له علي : لو زحفت من هذا المكان إليه ودخلت الوادي ، سأخرج وراءه على حين غرة منه ، فقال :صدقت ، وأردف قائلا
حمادي أحمد آل حمزة الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق