******وليد.ع.العايش*****
_ يوميات رمضان - 14 -
__________
تناثر الغبار على حين غرة ، لم يكن هناك موعد معه ، أطلت بعض الحصيات من جحر اختفى منذ زمن ، لم يأبه البدوي لما يدور في الأفق ، فالقطيع اعتاد على زلزلة الغبار الأسود ، تابع سيره إلى رابية تنام على أكتاف شفق ، شجيرات مازالت ترزح تحت وطأة مقتبل العمر ، تلوح بيديها ، أصابها صداع مفاجئ ، صوت الناي يعلو من بين أزيز رصاص أحمق ، بينما موال الراعي يحطم حصون خط التماس الأخير ، ضجيج يعانق شغاف بيت صغير ، الأب غادر منذ أن غاب المطر ، الأولاد الخمسة يستمعون إلى أزيز الناي وعزف الرصاص ، الأم تقبع هناك على طرف سرير يبكي ، نباح الكلب يصفع وجه الأرض ، قدماه تركلان الحصيات ، أدمعت عيناه في صمت فسكت مستسلما لآفة الغبار المتبعثر في شتى الأزقة .
- هل تنام السماء ؟
سأل الصغير متعجبا ... لحظات من السكون المريب ...
- لا ... السماء لاتنام يابني ...
- إذن أين هي ... فأنا لا أراها يا أماه ...
- إنها هناك يابني عند تلك الرابية ...
- وهل ذهب البدوي ليأتينا بها ...
- سيأتي بها ... سيأتي بها ... أومأت برأسها المثقل بكثير من الجروح المُهشّمة ...
كانت الأم الحسناء تتفقّدُ عينيها ، ربما تخشى أن تغادرا حجرتهما الأبدية ...
- وهل سيأتي معها أبي ، أنتِ قلتِ لي منذ سنوات بأنّه هناك ، وذهبنا إليه ، لكننا لم نجده ...
- بعد أن ينقشع الغبار سيعود برفقة الراعي ...
- ربما يأتي راكبا حمار الراعي ... ( قال الابن الأكبر ) ...
ضحك الأطفال ، لكن الأم توارت ، رفعت يداها إلى السماء التي لاتنام ...
- لا ثياب لدينا ، لا حلوى ، لا ألعاب ... لا ... لا ...
تساءل الإخوة الصغار ، تتلاقى نظراتهم في رأس الطريق المعوج ، بانتظار عودة الراعي ومعه الحلم القديم ...
الغبار يصدر بيانه لوكالات الأنباء ، بينما المطر يغسل الوجه المتشح بالسواد ، صوت الناي يدنو رويدا رويدا ... الأب يلوح بيديه ، كان يمتطي الحمار الرمادي ...
---------------
14/رمضان/1439 ه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق