الخميس، 7 يونيو 2018


*****@ محب الحكمة @*****

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏ و‏طبيعة‏‏‏



----- البئر المهجورة -----
في جوف الليل، و من داخل تلك البئر المهجورة.
لازالت أصوات الكون القديمة ، يتردد صداها.
تتصارع عبثا في الفراغ الحالك.
تنتظر من يفقه ترددها الخفي.
من يعيد كتابتها، بخط أكثر نصوعا.
فالأرض لازالت تنضح بالحنين.
لكل ذرات التراب الغابرة.
و أشجار السرو، و طيور الوروار الرقيقة.
لازالت تفيض بالعشق العذري.
من أجل لواعج صدري الممزق.
و شراييني المرتبكة...
مالي لم أعد أرى ضوء القمر النافذ.
شعاع الشمس، لم يعد يستهويني.
حتى الكلمات و الأرض، لم تعد قادرة على الفهم.
لم تعد تتعارك فيما بينها، لتحميني.
ففي كل لحظة، يخرج من جلدي خنجر.
يولد من ألمي، إنسان...
كم رميت من خنجر في تلك البئر.
ألقيت أطنانا من الحجارة و الأفاعي.
لعلها تقتل أنفاس تلك البئر و الخناجر.
أو تشيد جبلا جديدا ، وسط حقول قلبي.
لكن عبثا، فصدى الأصوات أقوى.
ثابت في وجه الحجارة، و الافاعي.
ثابت في وجه صراخي الجهوري.
يلتهم غضبي في صمت...
و يلتهمني، كدوامة مائية مباغتة.
قاسية أنت أيتها الكلمات.
حين تنطقين بصوت الصدى.
تبتلعين الحياة، و تبيعين الردى.
تحاذرين في كل مرة، أن تقولي الصدق.
أو تبعثين بأشعة شمس وفية.
تراوغ هذا الخمول اللذيذ.
الذي يعتلي طبقات روحي.
و تكسر قيود رق لم ينتهي.
بعد مرور ألف جيل...
حين تجفل الشمس في كبد القلب.
ستنهار كل الأحلام الفتية.
سيزداد الصراخ و الخناجر.
لتزداد البئر إتساعا...
فأين باقات الأمل البائدة ؟
أين حرارة الحب الأبدية ؟
صنيعة الأمجاد السماوية الخالصة.
المباركة من االأرواح الأزلية.
فشدي أزرك، أيتها البئر المهجورة.
تمسكي بخيوط الأمل العنكبوتية.
لن يتركك الصراخ تنعمين بالسلام.
و لا الخناجر ستنسل من فجواتك.
حتى الأرض ستسرق من ترابك.
بإسم الحب المقدس...
فهل يومض البرق من جديد ؟
هل يقصف الرعد، و تغبر السماء ؟
كي ترسل قطرات سوداء.
تحمل من داخلها أرواحا قادمة.
حبلى بالصراخ، الأنين و الحب.
ترفض أن تتساقط على أرض قاحلة.
لا إخضرار فيها و لا ماء.
أرض ليس فيها إلا البئر.
و بضع شجيرات بائسات.
ودعت الحياة قبل الميلاد.
لم تعد تقوى على الكلام، أو إعطاء الأمان.
محبطة، كجسد يبحث عبثا عن روح.
فماذا لجراب الحزن أن يمنح ؟
غير السأم، و وديانا من السقم.
حتى يصير الخيال واقعا، واضحا كالشمس.
و الأرض الخجولة العذراء.
لا تنتهك حرمتها الأفكار الراكدة في الٱبار.
فمن سيأكل من ترابك الميت ؟
عذرا فعشق الأفكار بات موطني.
و التراب لباسي و مسكني...
عذرا بعد ان حبست هاته الأفكار.
صارت رمادا، يعتليه قطرات الماء.
تقيده، تحرمه من الإنتشارفي أصقاع الأرض .
فما بال القمر ينفرني، و النجوم و الكواكب.
و أنا من رسم بدمائه أسباب السعادة.
حين حاك ثوب السكينة و التعقل.
في غفلة من القدر...
حين كانت البئر صافية، لا يشوبها كدر.
فهاهي الأفكار شاخت، أثوابها بليت.
ترى قلب الشباب صار بعيدا.
و القادم يقتات على لحم أولاده.
كإمبوسا الجميلة حين تحتضن الأبرياء.
لكي ترتوي من دمائهم الطاهرة.
و تصنع من جلودهم رداء مزخرفا.
كما تقيم أعمدة الحقل بعظامهم الجافة.
فمتى يملأ الخير أركان الأصقاع ؟
تعزف الألحان، من القلب العطوف.
صافية لا يتخللها لحن حزين.
متى يسكن القلب إلى القلب ؟
و تمسح الدمعة المارقة، يد رؤوف.
يزول كل وجه جهم تحت السماء.
سيرحل صوتي المجلجل يوما.
يتبع أيام شباب بائد جميل.
ليجلجل مجددا في عالم نقي.
يحمل بين طياته ذكرى أزهار الياسمين.
يخبر من هناك عن طيف مكدود.
و عن كلمات دفنت في البئر المجهول.
يخبرهم عن ثورة الذات على جسد مغلوب.
فهنا أصلي و خلودي...
هنا، لا ليل و لا نهار.
حتى البئر ما عاد لها وجود.
و الأمطار لا تتساقط إستحياء.
من أرواح لا تملك أردية دافئة.
قطرات دمي هذا التراب.
أحلامي تحييه كما الماء.
إن مت، لا أموت ...
بل أولد بين السنابل و الأغصان.
أو شجرة تاريخ مثقلة.
شاخت من أثر السنين...
أو نشيدا، أو أغنية، أو لحنا.
يعزفه أبنائي البررة يوما.
و يتغنى به العشاق...
فدربي لا ينتهي، كما روحي.
طويل، كليلة ممطرة.
تسير فيه أرواح، و تتمه أخرى.
تسكنه بعد أن كسرت قيود الوهم.
و وصلت بسلام إلى بر الأمان.
حيث رحابة صدري...
و ميناء كل الأماني.
لقد دعينا أن نبتلع الحياة.
كما نبتلع لقمة الشوك.
أن نشرب دماء الجراح المتدفقة.
كي نرتوي من الضمأ.
أما الرفض، فتحرر هادىء.
شموخ، صلابة و إنعتاق.
طريقه و طريقي سواء.
تسلكه بلا قنديل و بلا حواس.
لن تقع مجددا...لن تنزف.
إذ لا وجود للوجود.
لا وجود لبئر مهجورة.
في طرقات السماء.
أو بين السحب العابرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق