الخميس، 28 يونيو 2018


......قلم د. ورقاء محمد قاسم/.....

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏سماء‏ و‏نشاطات في أماكن مفتوحة‏‏‏




قصيدة :حيفا حبيبتي / نص وتحليل
قراءة نقدية في قصيدة (حيفا حبيبتي) للشاعر الدكتور عبدالوهاب محمد الجبوري/ بجامعة الموصل
تاريخ النشر لاول مرة : 2009-06-16 في منتديات المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
للشاعر الدكتور عبدالوهاب محمد الجبوري قصيدة مثيرة بعنوان (حيفا حبيبتي) اثرتُ أن ابدأ بها قراءة نقدية ، لما فيها من الجرأة التي أسهمت في تحقيق درجة عالية من الانجاز المتميز في جماليات القصيدة العربية ، فهذه القصيدة الأنيقة قد حققت قدرا كبيرا من الاتساق عبر وحدة الدال مع تعدد المدلول ، أي باتخاذ (حيفا) منطلقا متماسكا في أبيات القصيدة كرمز لغوي وكوني لجملة من التجارب الشخصية والعربية الصادقة يتكئ عليها في تكثيف وجمع صورها وتكوين عناصر شعريتها ، وهذا ما يسمح لنا بالمحاولة بان نكتشف ملامح هذه الشعرية .
حيفا ... والكرمل ... والشطان
مصابيح أودت بها ريح الشتاء
عيون سمراء ، تتهاوى على الأجفان
حيفا ، محبوبة القلب والأحزان
يذوي رونق سحرها
إذا صبّ اللهيب عليّ يوم فراقها ،
شوقا يشاطرني بوحها
اشتاق لظلها ، لأشرب من نهر الكحل
أعوم في بحر عينيها
اضاءات تخط على يدي مشاعلها
يعيد الشاعر تسمية الحالات كي يجعلنا نتعرف عليها من جديد ، يخلع عنها ما ألفناه من أوصاف كي تتجلى أمامنا ، فهو مبدع دوال ( اللفظ ) يعيد تكوين مدلولات( المعاني) ، والشاعر له الحق أن يصنع ما شاء بدون شرط ، لكن بدوره في نهاية الأمر يحدث فعله وتأثيره فينا ، يتم عمله علينا يهبنا نعمة هذه التـسمية ، فان قدِر تحقق الشعر وتوهّجت الشعرية .
وحيفا عند الشاعر – دال جديد ، ليس تلك المدينة المحتلة الباكية الحزينة المغتصبة فحسب ، بل نستشف حالة رومانسية نبيلة ، حيفا هي حبيبة القلب وأسرة الأحزان ، حيفا تلك المرأة الغائبة الحاضرة في ضمير الشاعر يشكي فراقها تارة ، ويشتاق لظلها تارة أخرى ، يسبر الغور في حدقات عينيها فهما البحر ذاته ، يرنو منه ليروي عطش السنين ...
والينابيع المشردة
تلك التي أوحت إلى المطر
أن يفترش أوديتي
صرت لا اطرب إلا حين تبكي
ذات طوق هزني شجاها
ثم حطمت كأسي ، حرّمت خمري
حتى صار شعري غرة البدر
وتراً يصدح في خصب الغيوم
وأمسى نديم العذارى في الخدور
شعاعا ، يدندن من ثريات في عرس الكروم
وحيفا تلك الأرض الحبيبة ، والوطن ألام ، حيفا ينابيع من العطش واللوعة ، ولكن هل سيرويها المطر لتفترش وجدان الشاعر خضرة الأمل؟ !!! وبكاء حيفا ليس له وجود حسي ولا دلالة رمزية خاصة ، فهو شجن حمامة سجينة ، يرنو الشاعر لمناجاتها ، وقد هزه لحنها ورنيم هديلها تلك هي المدينة المحاصرة المحتلة الراقدة تحت سفح الكرمل والمطلة ببهاء على المتوسط ، وهنا موائمة بين حال الأمس والحاضر ، فغدا حال العراق محتلاً كحيفا بالامس ، لا شيء يوازي حزن الشاعر وألم الحنين لتلك السنين ، ذاك الألم لم يُفتر همته ولم يثنِ عزيمته ، فغدا الألم وتراً يصدح صوته الشاعر...
حيفا نديم غربتي ومداد أشعاري
أريدها كما رئتي
أضمّ بها هوى ساقيتي
واملأ من ضفافها
قناديلا لأشرعتي
احمل أغصان الزيتون واغرسها
فنارات استدلّ بها
على داليتي وأضرحتي
فتسير نحوها دموعي وأدعيتي
حتى يفضي الحال بالشاعر إلى لون من الحلول الكوني وهذا ما نلتمسه في لغة المتصوفة الاقدمين .. إذ تصبح حيفا الهوى المتنفس للشاعر والماء المتدفق لعطشه والنور الهادي لدربه ، ويجد الشاعر خلاصه وهدايته بتتبع طريقٍ رسَمَه بغرسات من أغصان الزيتون وما تلك الفنارات إلا دلالة الأمل المنشود في ضمير الشاعر ...
هي حيفا ... حبيبتي
أغازل وجنتيها
فأرتقي قمم الكرمل بين راحتيها
كصوت أبي الذي رحل قبل المغيب
كدعاء أمي : أيها النحيب
كن ناعما ورقيقا كحلمي
كجدتي ...
لاذت حمائمها بأوردتي
لا املّ درب غربتها
وقد غفا بهديل مزمار
هي حيفا ... حبيبتي
هذي عتبات مجدها
أزفّ لها نواعيري
ويعود بنا الشاعر إلى حيفا / المرأة / الحبيبة التي تسكنه فيستحضر من خلالها صوت من رحل مبكراً كأبيه ، ودعاء امّ لازال يرنو إلى أحضانها ، يستجمع كل ما في المرأة من رقة ونعومة ، ليظلّ غافيا على أنغام صوتها ، فخورا بعتبات مجدها ...
أن تكرار الشاعر لمفردتي (حيفا ... حبيبتي) هي إشارة واضحة وتأكيد مستمر على أن حيفا هي الحقيقة التي لا مفر منها تحتمل كل المدلولات (المرأة ، الوطن ، الأرض ، الأم ، الحبيبة ، الأمل ، النور) .
أصوغ لها
شراييني وأوردتي
ارسمها مثل زهوي
اغرف لها من لظى شعري وانثره
فتورق من حرائقه
محطاتي وأسفاري
رحماك حبيبتي ، لا تغضبي
أنا لست ناكراً
لا علّق تاريخك على شجر
أنا جسد من زجاج ، فكيف أرميك بحجر
وتتجلى تضحية الشاعر بدلالة واضحة صادقة لاشك فيها ، وكيف لا وهو يصوغ شراينه وأوردته ألوانا ليرسم عشق حيفا ويزهو بها ، حيفا وحدها من توقد حرائقه وتطفئ لوعته ، وهي محطة أسفاره ومرسى إبحاره ، ومن الجرأة والنبل أن يبوح الشاعر بمكونات لواعجه ، فهو لا ينكر عشقه لها بل يريد أن يسجله تاريخًا فلا يتركه عالقا في مهب الريح ليتناثر كأوراق الشجر ، ومن النبل أيضا أن نعترف بشفافيه الشاعر فما أروعه حين يقول (أنا جسد من زجاج ، فكيف أرميك بحجر) دوال مدلولات عميقة تشف عن رقة الشاعر ورهافة حسه وعشقه ، ففيه من الحب لها والخوف عليها ما يكفي ويزيد ... تلك هي حيفا وتلك هي الحبيبة وتلك صورتها رسمها الباحث والشاعر عبدالوهاب باعذب الألوان فباتت لوحة تشكيلية نطقت بالحب والحنين ، وداعبت وجنات الشوق والأنين ... تلك هي .. حيفا .. حبيبتي .
****************
القصيدة كاملة
هي حيفا حبيبتي ....
الباحث الدكتور : عبدالوهاب محمد الجبوري
****
حيفا .. والكرمل ... والشطان
مصابيحُ أودت بها ريح الشتاء
عيون سمراء ، تتهاوى على الأجفان
حيفا ، محبوبة القلب والأحزان
يذوى رونق سحرها
إذا صبّ اللهيب عليّ
يوم فراقها ، شوقا يشاطرني بوحها
(اشتاق لظلها ، لأشرب من نهر الكُحل)
أعوم في بحر عينيها
اضاءات تخطّ على يديّ مشاعلها
والينابيع المشردة
تلك التي اوحت إلى المطر
أن يفترش أوديتي
صرت لا اطرب إلا حين تبكي
ذات طوق هزّني شجاها
ثم حطمّت كاسي ، حرمّت خمري
حتى صار شعري غرّة البدرِِ
وترا يصدح في خصب الغيوم
وأمسى نديم العذارى في الخدور
(شعاعا ، يدندن من ثريات في عرس الكروم }
****
حيفا نديم غربتي، مداد أشعاري
أريدها كما رئتي
أضم بها هوى ساقيتي
أملا من ضفافها
قناديلا لأشرعتي
احمل أغصان الزيتون واغرسها
(فنارات استدل بها
على داليتي وأضرحتي)
فتسير نحوها دموعي وأدعيتي
هي حيفا.. حبيبتي
أغازل وجنتيها
فارتقي قمم الكرمل بين راحتيها
كصوت أبي الذي رحل قبل المغيب
كدعاء أمي : أيها النحيب
كن ناعما ورقيقا كحلمي
كجدتي ...
لاذت حمائمها بأوردتي
(لا أملّ درب غربتها
وقد غفا بهديل مزمار)
هي حيفا.. حبيبتي
هذي عتبات مجدها
ازف ّلها نواعيري
اصوغ لها
شراييني وأوردتي
ارسمها مثل زهوي
اغرف لها من لظى شعري وانثره
فتورق من حرائقه
محطاتي وأسفاري
رحماك حبيبتي ، لا تغضبي
أنا لست ناكرا
لأعلّق تاريخك على الشجرْ
(أنا جسدٌ من زجاج ،
فكيف أرميك بحجرْ)
***
العراق في 17/ 5/ 2009
*****************************
السيرة العلمية للدكتورة ورقاء
الاسم : ورقاء محمد قاسم
الجنسية : عراقية
محل الولادة : الموصل
البريد الالكتروني : warkaa_2007***********
التحصيل الدراسي:
•بكالوريوس لغة عربية / كلية الآداب / جامعة الموصل لسنة 1992 .
•حصلت على شهادة الماجستير بتقدير جيد جدا لسنة 2003 عن رسالتها الموسومة بـ ( حسن البزاز الموصلي شاعراً ) .
•حصلت على شهادة الدكتوراه بتقدير امتياز لسنة 2008 عن أطروحتها الموسومة بـ ( جهود الدكتور عماد الدين خليل في النقد الأدبي الإسلامي المعاصر ) .
•لها مشاركات في مؤتمرات داخل العراق
•لها مقالات وبحوث ودراسات وبحوث منشورة في الدوريات والصحف والمواقع الالكترونية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق