الأربعاء، 27 أبريل 2022

 ...................

أمين الساطي

...............




قصة قصيرة
شبح امرأة
بقلم أمين الساطي
بينما أنا نائم ، أحسست بوزن جسم خفيف على طرف السرير ، توقعت أن حفيدي الصغير شعر بالخوف من الأصوات التي يتخيّل أنه يسمعها في غرفته ، فجاء لينام بجانبي كعادته في كثير من الأحيان . رفعت اللحاف بحنان ووضعته على جسمه، لأتأكد من أنه يغطيه بشكل كامل . فلاحظت أنه ليس هناك شيء بجانبي . لم أعطِ الموضوع أهمية ، فأنا بنتيجة تقدمي بالسن ، أصبح نومي خفيفاً متقطعاً، نظراً لرغبتي المتكررة بالتبول في أثناء الليل . وغالباً ما تأتيني أحلام قصيرة مبعثرة وغير مترابطة ، في أثناء نومي ، لكني لاحظت بأن ما شعرت به ، لم يكن حلماً . تكرر المنام نفسه على مدار الليالي المتتالية ، وفي إحدى المرات تشجعت ، ومددت يدي ولمسته ، فأحسست بوجود جسم بارد حقيقي بجانبي . ابتلعت هذه القصة ، ولم أخبر أحداً بها خوفاً من اتهامي بالخرف نتيجة لتقدمي بالعمر.
بدأت أشعر مع الأيام أن هذا الشبح أصبح نزيلاً في بيتنا ، وبدأ يلازمني باستمرار ، وفي إحدى الليالي ، أحسست أنه بجانبي في الفراش ، وأحسست بأنفاسه تدغدغ رقبتي ، فتملكتني الجرأة وسألته عن اسمه ، لدهشتي أجابتني بصوت نسائي واضح ، بدا لي مألوفاً ، بلكنته الشامية "أنا عمتك خيرية" . فأدركت بلحظتها أنها عمتي فعلاً ، والتي توفيت منذ حوالي سنتين بمرض السرطان . فتابعت حديثي : "لماذا تحاولين التواصل معي" ؟ فأجابتني : "إنها جاءت لتحذرني من كارثة ستصيب العالم" . فسألتها من جديد : "هل تستطيعين قراءة الغيب" ؟ فقالت : "أستغفر الله ، الغيب لله وحده".
وتابعت حديثها : لكن عندما تخرج الروح من الجسد ، تصبح لها إمكانيات فريدة . فتصبح قادرة على الرؤية البعيدة التي لا تحدها حدود البصر العادية ، وتسمع بشكل غير عادي ، أحاديث البشر التي تجري وراء الجدران الكاتمة للأسرار . فمثلاً عندما يخطط ضابط كبير في الجيش ، لتنفيذ عملية عسكرية بتاريخ معين ، فهذه الخطة تصبح خبراً معروفاً ، بالنسبة له ولمساعديه وللأرواح والجن ، لكنها تبقى مخفية بعالم الغيب ، بالنسبة للأشخاص العاديين.
شعرت بالذهول من هذا الكلام ، فتابعت حديثها : إن استمرار أميركا في طبع الدولارات دون غطاء من الذهب أو العملات الأجنبية ، وهذا ما تفعله أوروبا أيضاً بطبع اليورو ، والصين بطبع اليوان ، سيؤدي بالنهاية إلى تضخم اقتصادي رهيب بالعالم ، وسيقوده حتماً إلى الانهيار المالي.
لن يكون أمام حكومات العالم لتحافظ على بقائها ، سوى أن تفاجئ سكان الأرض بحرب ذرية مدمرة ، تنتهي بتخفيف عدد سكان العالم . لقد فشلت الحكومات منذ فترة قريبة بتخفيض عدد سكان الكوكب الأزرق ، بنشر فيروسات اصطناعية بين أفراده ، ولم يعد أمامها الآن سوى هذه الطريقة القاسية لإنقاذ الكرة الأرضية ، لقد تكاثر البشر بأعداد هائلة خلال القرن الماضي ، وأخذوا يستنفدون موارد الأرض المحدودة بطريقة جشعة غير معقولة .
الله وحده يعرف أعداد بلايين البشر الذين سيموتون في هذه الحرب العالمية الثالثة . من الطبيعي أن هناك بعض المناطق مثل الجزر النائية التي لن تتأثر كثيراً بهذه الضربة ، لا يمكن لأحد أن يتكهن بموعد الضربة الذرية ، لكن الاستعدادات في أميركا تجري على قدم وساق للتحضير لها ، وأتخيل أنها قد تكون بتاريخ ٩- ٩ - ٢٠٢٥ . فمجموع أرقام هذا العام الميلادي ، هي تسعة أيضاً، ما يجعل الأرقام الثلاثة هي نفسها ، والرقم تسعة أشد أسماء العدد غموضاً، وأصعبها معنى.
أخذت أفكر جدياً بهذا الموضوع ، وتذكرت قول الثعلب السياسي كسينجر : "إن طبول الحرب العالمية الثالثة تقرع ، والأطرش هو الوحيد الذي لا يستطيع سماعها ، وأنا متأكد بأنه حين تقوم الحرب العالمية الثالثة ، فستلجأ الحكومات في بادئ الأمر إلى اتخاذ إجراءات صارمة للمحافظة على الأمن والنظام ، لكن عندما تنقطع الموارد الغذائية ، ويموت الملايين من الأطفال ، وتصبح الحكومات والشركات عاجزة عن دفع رواتب موظفيها . فسيضطر الناس لإيجاد طرق أخرى لإغاثة عائلاتهم . فتبدأ الجماهير بالتحرك للبحث عن الطعام ، وتجد نفسها مجبورة على حمل السلاح ، لتحصل بواسطة القوة على حاجتها من الطعام ، فينهار النظام وتعمُّ الفوضى ، ويبدأ الزعران بفرض سيطرتهم على المدن ، وقتل الرجال واغتصاب النساء، وتهجير العائلات وهدر كرامة البشر . وستقود هذه الكوارث الناس للشعور بالحاجة لوجود قوة مركزية توقف هذه الفوضى ، وبالتالي إلى حتمية ظهور حكومة عالمية موحدة ، تستلم زمام الأمور ، وتحظى بموافقة جميع البشر.
تابعت حديثها : ربما يبقى أملكم الوحيد ، لتلافي هذه المصيبة ، هو أن تقنع ابنك ، بأن يقوم ببيع جميع ممتلكاتكم والهجرة إلى جزيرة صغيرة في بحر الكاريبي ، لأن هذه الجزر لن تتأثر كثيراً بالقنابل الذرية وبالإشعاعات الناتجة عنها ، حيث تقوم حالياً معظم حكومات هذه الجزر بإعطائك جنسيتها ، بمجرد قيامك بشراء عقار فيها ، يزيد سعره على مبلغ معين ، حددته سلطات الجزيرة ، لجلب الاستثمارات الأجنبية إليها.
هالني هذا التحليل المنهجي ، للتضخم المالي من عمتي خيرية ، فأنا أعرف بأنها غير مثقفة ، وبالكاد تعرف أن تكتب اسمها ، فسألت الشبح عن سنة تولد أخيها الأصغر ، والذي هو والدي ، فلم أسمع منها جواباً ، اختفى الشبح بلحظتها ، فأيقنت أنه إما أن يكون قريبها ، أو ربما أنه جنيٌّ ذكي ، قد تقمّص شخصيتها . حاولت أن أتناسى الموضوع ، وحمدت الله على أنني لم أفاتح أحداً من عائلتي بهذا الحديث ، لكيلا يشكّوا بقواي العقلية.
مضى على هذه الحادثة حتى الآن، أكثر من سبعة أشهر ، وأنا مازلت عندما أستيقظ في كل صباح ، أهرع مباشرةً إلى التلفزيون ، وأبدأ بتقليب القنوات باحثاً عن خبر خطير ، ثم أجلس وحيداً في غرفتي ، أعد الأيام المتبقية حتى تاريخ ٩- ٩ - ٢٠٢٥ . لقد تكوّن في داخلي إحساس مفرط ، بأن ما سمعته ، لم يكن مجرد حلم أو هلوسة ، وأنا أرجو الله دائماً ، ألا تكون هذه الرؤيا ، التي عشتها بأدق تفاصيلها صحيحة ، خشيةً على أولادي وأحفادي من هذه الكارثة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق