.................
خليل اقطيني
..............
قصص ميس خليل العاني للأطفال.. رشيقة رقيقة وغير مترهلة!
خليل اقطيني
تدرك الكاتبة الصحفية الزميلة “ميس خليل العاني” في قصصها الموجهة للأطفال أن أدب الطفل فرع متميز من الأدب بمعناه الواسع وبشتى أشكاله وتجلياته، يتسم بخصائص نوعية تميزه عن غيره.
فقصصها الموجهة للأطفال تمتاز بأنها “رشيقة رقيقة غير مترهلة” وموجهة نحو هدف محدد ولا تبتعد عن السياق.
لأن الطفل لا يُـقـبِـل على الحديث الغامض المموه والخالي من المعنى، وقد جسدت الزميلة العاني ذلك بشكل جلي وواضح في قصة “جدو خليل والحروف” المنشورة في مجلة أسامة مؤخراً.
ومن خلال دراسة هذه القصة وتحليلها يتبين أن الزميلة العاني استفادت من علاقتها بأولادها في تقديم أدبٍ راقٍ موجه للأطفال، لمعرفتها أن كاتب أدب الطفل لابدّ أن يعيش -ولو لبعض الوقت- مع أطفال من المرحلة العمرية التي يكتب لها، وذلك إدراكاً منها أنه لكي يُـقَـدّم أي كاتب حواراً مقنعاً للطفل ليس له إلا أن يصغي لأطفال يتحاورون، أو لأطفال يحاورون أشخاصاً أكبر منهم سناً أو أصغر كي يلتقط خصائص طرائقهم وأساليبهم في الكلام، وكي يلاحظ كيف تعكس هذه الطرائق والأساليب سمات شخصياتهم.
فبعد أن دخلت في الموضوع مباشرة في قصة “جدو خليل والحروف” وهو عدم مقدرة بطل القصة الطفل نزار على كتابة الحروف: “كان نزار يحاول رسم الحروف التي تعلمها في المدرسة، تَـدرّب وتَـدرّب، لكنه وجد بعض الحروف متشابهة وصعبة الرسم، وضع القلم على الطاولة، وقال: أخفقتُ مجدداً”، ابتعدت الزميلة العاني عن النزعة التعليمية التي لا تمس إلا سطح الأشياء، وعن المبالغة القائمة على التزييف التي لا يتقبلها الأطفال، لأن في ذلك إرهاقاً لهم واستخفافاً بعقولهم وبملكاتهم التخيلية، “قال الجدُّ: الحروف العربية جميلة جداً ورسمها سهل على طفل ذكي ومجتهد مثلك، لكن دعنا نجد طريقة ممتعة لتعلّمها”.
فالكاتب المبدع -كالزميلة العاني- لا يُقدّم رؤيته عبر المباشرة والتلقين، وإنما يُقدّمها من خلال العلاقات الفنية الأسلوبية والبنائية والدلالية للعمل الفني. “ابتسم الجد وقال: انظر يا صديقي الصغير هذا هو السطر أليس كذلك؟ سنجعل الحروف تقفز عليه ويمسك كل منها بيد الآخر في رحلة ممتعة، أتريد أن تشاركها الرحلة؟. أجاب نزار: بالتأكيد”.
ومن خلال موضوع هذه القصة المتعلق بحروف اللغة العربية تنجح الزميلة العاني في نقل القيم التربوية إلى حيز الفن، وتتمكن من تقديم عمل فني متماسك ومنسجم على مختلف المستويات، وهذا ما يدفع الطفل إلى تلقي هذا العمل بحماسة وشوق. “قال الجد: إذن هيا نبدأ. انظر إلى حرف الألف كيف يقف شامخاً على السطر، أما الباء والتاء والثاء فإنها تستريح على السطر، كأنها أطباق شهية على الطاولة. للباء حبة حلوى واحدة هي النقطة وللتاء حبتان والثاء ثلاث حبات. أعلم أنك ستحب حرف الثاء ففيه الكثير من الحلوى. ضحك نزار وبدأ برسم الحروف على السطر بمتعة”.
ومن خلال هذه القصة وقصصها الأخرى كقصة “كهف الكريستال السحري” الصادرة عن الهيئة السورية للكتاب، لم تنزلق الزميلة العاني نحو هاوية الوعظ والإرشاد، واستبعدت تماماً منظور الشخص الراشد عندما يكتب من وجهة نظر طفل أو طفلة صغيري السن محدودي التجربة، إدراكاً منها أن أفضل القصص بالنسبة للأطفال هي تلك التي تعرض أمام أبصارهم وعقولهم وضمائرهم كيفية تعامل الشخصيات مع الأوضاع الصعبة أو الحالات الإشكالية التي تواجهها، وتشعر أنها مطالبة بإيجاد حلّ للأزمات الناجمة عنها أو بعبور طريق يُفضي إلى تجاوزها. “قال الجد: لأنها أكلت الكثير من الجبن والحلوى. فانتفخت بطونها، هذا هو بطن كل من هذه الحروف، أليس رسمها سهلاً يا نزار؟ صحيح أن هذه الحروف تحبّ الطعام، لكنها تحب الرياضة أيضاًن فالجيم احتفظ بالكرة داخله فكانت النقطة. أما الحاء فقد رماها إلى الخاء بضربة حرة فسقطت على رأسه فتميز كل منهما بشكل معين حسب مكان الكرة أو النقطة”.
أما في قصة “كهف الكريستال السحري” فليس الكهف كهفاً عادياً، بل هو عالم من السحر والجمال يحرس بين أغواره العميقة أصول المشاعر الطيبة: الصدق والمحبة والإخلاص.
وتمتاز جميع قصص الزميلة العاني بأنها مصورة، إيماناً منها بأن أكثر أنواع القصص -والكتب عموماً- رواجاً وفاعلية، وأكثرها حيوية وإمتاعاً بالنسبة للطفل، وربما أيضاً للكبار الذين يحتفظون في أعماقهم بالطفل الذي كانوه، هي القصص والكتب المصورة.
ومما تقدم يمكننا القول إن تحليل قصة “جدو خليل والحروف” يقودنا إلى التزام الزميلة العاني بالخطوات الأربع لإبداع قصة للأطفال.
الخطوة الأولى هي اختيار فكرة القصة وتحديد موضوعها، ذلك أن أفضل قصة مصورة هي تلك التي تأتي فكرتها من واقع الحياة اليومية التي يعيشها الطفل، كمشكلة كتابة الحروف.
والخطوة الثانية هي خلق الشخصيات وتصميم الحبكة. الطفل نزار والجد خليل والحوار الدائر بينهما. ذلك أن هوية الشخصية وطبيعة حضورها في النص هما مرجع أهميتها لا مصدر الشخصية، كالصراع العنيف بين طفل شجاع ومجموعة من الأشرار لاستعادة المشاعر الطيبة: الصدق والمحبة والإخلاص، في قصة “كهف الكريستال السحري”.
وثالث خطوة هي أن كلمات القصة عبارة عن صور مرئية واضحة وجلية، حيث تأخذنا الزميلة العاني في رحلة ممتعة إلى عالم الكلمة واللون والحرف والخيال في قصصها، فالأطفال يستوعبون ما يرونه وما يشعرون به فحسب.
وآخر هذه الخطوات هي حجم القصة، حيث يجب أن تكون القصة الموجهة للأطفال قصيرة بعيدة عن الإطالة والإسهاب والاسترسال، إذ لم تصل قصة “جدو خليل والحروف” إلى 300 كلمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق