الثلاثاء، 26 أبريل 2022

 ..................

الأمير _محمود

..........



غاوي حكاوي الجزء الثالث 

حكاية إبراهيم خليل الله والنمرود

..........

مواجهة عبدة الملوك:

قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[البقرة: 258].

ملك بابل إنه النمرود المتمرد على وحدانية الله وربوبيته، إنه النمروذ الذي ملك الدنيا، فيما قيل: إنه قد ملك الدنيا أربعة، مؤمنان وكافران مشارق الأرض ومغاربها، فالمؤمنان: سليمان بن داود، وذو القرنين، والكافران: نمروذ، وبختنصر، والله أعلم، نقله ابن كثير رحمه الله عن مجاهد. [تفسير ابن كثير: 1/686].

إبراهيم أقام الحجة على عبدة التماثيل بشكل قاطع، كما أقامها على عبدة النجوم والكواكب من قبل بشكل حاسم، ولم يبق إلا أن تقام الحجة على الملوك المتألهين وعبادهم.. وبذلك تقوم الحجة على جميع الكافرين. 

فذهب إبراهيم عليه السلام لملك متألّه كان في زمانه. وتجاوز القرآن اسم الملك لانعدام أهميته، لكن روي أن الملك المعاصر لإبراهيم كان يلقب (بالنمرود) وهو ملك الآراميين بالعراق. كما تجاوز حقيقة مشاعره، كما تجاوز الحوار الطويل الذي دار بين إبراهيم وبينه. لكن الله تعالى في كتابه الحكيم أخبرنا الحجة الأولى التي أقامها إبراهيم عليه السلام على الملك الطاغية، فقال إبراهيم بهدوء: (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)

قال الملك: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)

فكأنه يقول: ليس الله مستقلاً بالتصرف بالإحياء والإماتة، وأنا أيضا أستطيع أن أفعل ذلك، أتى برجلين فيما قيل قد استحقا القتل فأمر بقتل أحدهما فقتل، ثم قال للآخر عفوت عنك، فلا يقتل، 

لم يجادل إبراهيم الملك لسذاجة ما يقول. غير أنه أراد أن يثبت للملك أنه يتوهم في نفسه القدرة وهو في الحقيقة ليس قادرا. فقال إبراهيم: (فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ)

استمع الملك إلى تحدي إبراهيم صامتا.. فلما انتهى كلام النبي بهت الملك. أحس بالعجز ولم يستطع أن يجيب. لقد أثبت له إبراهيم أنه كاذب.. قال له إن الله يأتي بالشمس من المشرق، فهل يستطيع هو أن يأتي بها من المغرب.. إن للكون نظما وقوانين يمشي طبقا لها.. قوانين خلقها الله ولا يستطيع أي مخلوق أن يتحكم فيها. ولو كان الملك صادقا في ادعائه الألوهية فليغير نظام الكون وقوانينه.. ساعتها أحس الملك بالعجز.. وأخرسه التحدي. ولم يعرف ماذا يقول، ولا كيف يتصرف. انصرف إبراهيم من قصر الملك، بعد أن بهت الذي كفر .

وأخذوه إلى النمرود ليلقى عقابه، وهناك كانت الفرصة قد سنحت للنمرود أن ينتقم من سيدنا “إبراهيم” عليه السلام على ما فعله به من قبل؛ فأمر النمرود بأن يجمعوا حطبا كيرا ويحفروا حفرة عظيما، ويضرموا بها النيران، وبالفعل كان ما أراده النمرود، فقد كانت أعظم نار تقام بكل المدينة، ولقد رموا بسيدنا “إبراهيم” عليه السلام بالنيران، وجعلوها تأكل فيه عدة أيام، ليتمكنوا من جمع رماده حيث أنه أول من تجرأ على آلهتهم الصماء.

وبعدما انطفأت النيران بعد عدة أيام وجدوا أن سيدنا “إبراهيم” عليه السلام كما هو لم تمسه النار غير أنها أكلت قيوده، 

إبراهيم في المناظرة والمناقشة شيء عجب من آيات الله العظيمة، (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) 

وقيل: إن هذه المناظرة جرت مع النمرود بعد خروج إبراهيم من النار، 

غضب النمرود غضبا شديدا عارما، كما أن الناس بدأوا يؤمنون برب سيدنا “إبراهيم” عليه السلام، ويؤمنون ويصدقون بما جاء به.

ولم يجد النمرود إلا طريقا واحدا، فطلب المساعدة من إبليس لعنة الله عليه، 

ولم يخبره اللعين بأن سيدنا “إبراهيم” عليه السلام إنما هو نبي من أنبياء الله مرسل بالحق من عند الله سبحانه وتعالى.

وكان النّمرود ملكاً جبّاراً، متكبّراً، كافراً للنّعمة، مدّعي الرّبوبيّة، يحكم العالم من مملكته، وهو أوّل من وضع التّاج على رأسه، وأوّل من تعلّم السّحر، وقد بنى أحد عجائب الدّنيا السّبع وهو برج بابل العظيم.

كيف كان قبل أن يصبح ملكاً؟

قبل أن يصبح ملكاً كان يتنعّم بالتّرف، والمال، ويحلم أن يصبح حاكماً عليها، وفي يوم من الأيام كان النّمرود يغتسل، وحوله مجموعة من النّساء، دخل عليه رجل أحدب، وعليه ثياب سوداء، حيث استغرب النّمرود كيف دخل عليه إلى الحمام بالقصر، وقال بسخرية: "أأنت من سوف تحكم الأرض ومن عليها؟ "، غضب النّمرود غضباً شديداً، وأمر الجنود بقتله، وقتل جميع الجواري اللّواتي كنّ حوله، بسبب الكلام الذّي سمعوه من الرّجل الأحدب، وبعد أن صعد إلى غرفته وجد الرّجل نفسه الذّي قد قُتِل، فتعجّب النّمرود، فقال: "من أنت؟"، قال: "أنا أمير النّور يوم خلق النّور، فإذا أردت أن تحكم الأرض وما عليها يجب أن تراني على هيئتي الحقيقيّة"، فتجسّد بصورته الحقيقيّة، فكان الشّعر يكسو جسده، وكان عظيم البنية، كان هذا الرّجل هو إبليس، وأمر النّمرودَ أن يسجد له مقابل أن يعطيه القوّة، فكان هذا أوّل لقاء بين النّمرود وإبليس، وأوّل يوم  يتعهّد إنسيّ ببيع روحه للجنّ مقابل السّلطة، والقوّة، فأخذ إبليس يعلّم النّمرود السّحر، وكيف يسحر النّاس، ويملك الأرض، وبعد أن تعلّم النّمرود فنون السّحر أمره أن يقتل أباه حتّى يتسنّى له حكم البلاد، والتّوسّع بها، وبالفعل تخلّص من والده، ليصبح ملكاً جبّاراً متسلّطاً، وساحراً قويّاً، وأمر أهل المدينة بالخضوع له بصفته إله، ووضع تاجاً ذهبيّاً على رأسه، وقال عندما وضع التّاج نحن ملوك الدّنيا، وظلّ جيش النّمرود يغزو الممالك حتّى أصبح النّمرود ملك الأقاليم السّبعة.

كان له ملك عظيم، وجيش جبّار تخافه كلّ جيوش عصره، لذلك لم يكن فِكر النّمرود يقبل وجود حاكم غيره، وكان يقول أنا إلهكم، الذّي يملك الأرض، وكان شعب بابل يعبد الكواكب، والشّمس، وكان النّمرود يعبد الأصنام، ثمّ جعل لنفسه صنماً، وطلب من شعبه أن يعبدوه.

النمرود .. كيف هلك بعد مرور الزمن اكتشف النمرود في كثير من المواقف بأن إبليس لا يملك شيئاً غير الحيلة، فأعلن تمرده عليه، 

فأرسل الله سبحانه وتعالى إلى النمرود ملكاً من السماء يدعوه لعبادة الله وحده لا شريك له، ويبقى على ملكه.

فقال النمرود المتكبر على الملك المرسل إليه: “وهل هناك إله غيري؟!، فقد ملأ قلبه الكبر فأصبح غير قادرا على رؤية الحق من الباطل.

رفض النمرود ما جاءه به الملك، فأرسل الله سبحانه وتعالى إليه بملك آخر فرفض، وأرسل سبحانه وتعالى إليه بملك ثالث فرفض، فقال له النمرود: “اجمع 

جموعك وأجمع جموعي،

خلال ثلاثة أيام”.

فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس، 

إجمع جموعك وأجمع جموعي، فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس، وعندما كان اللقاء أرسل الله سبحانه وتعالى إليهم بجيوش من الذباب والبعوض أكلت من لحومهم وشربت من دمائهم، ترك جيشه من حوله عظاما باديا، ولم يترك من كل الجيوش إلا النمرود، فسلط الله سبحانه وتعالى عليه بعوضة دخلت بأنفه واستقرت بدماغه، كان لا يهدأ النمرود منها إلا إذا ضرب

كان النمرود يتوسل إلى خدامه ليضربوه بالمرازب (الأحذية) حتى يهدأ عنه الألم ولو قليلا؛ قيل أن النمرود تعذب بهذه البعوضة طيلة أربعمائة سنة، وكانت نفس المدة التي حكم فيها بتجبر وتكبر وتعالٍ علة الناس، لقد عذبه الله سبحانه 

وتعالى ببعوضة صغيرة حتى كانت السبب في هلاكه، يقال أيضا أن النمرود مات جنوناً لكثرة الضرب الذي تعرض له وكان برغبة منه وتوسل أيضا.

حتى هلك. 

[تفسير ابن كثير: 

وهذا يشبه القصة التي فيها أن بعض الملوك من طغيانه قال لأحد العلماء عنده: لماذا خلق الله الذباب؟ يعني كأنه يريد أن يقول إن هناك شيء ناقص، يعني: ما هي الحكمة؟ فقال العالم: ليذل الله به الملوك. [الوافي بالوفيات: يأتي ويرده، ذبابة واحدة تزعج الملك، وهكذا جعل الله ذل النمرود ببعوضه.

(إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَ فوقها) 

فلله حكم في خلق البعوضة، والذبابة 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا

وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ 

إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ) سورة الحج

هجرة إبراهيم عليه السلام:

انطلقت شهرة إبراهيم في المملكة كلها. تحدث الناس عن معجزته ونجاته من النار، وتحدث الناس عن موقفه مع الملك وكيف أخرس الملك فلم يعرف ماذا يقول. 

واستمر إبراهيم في دعوته لله تعالى. بذل جهده ليهدي قومه، حاول إقناعهم بكل الوسائل، ورغم حبه لهم وحرصه عليهم

لم يهاجر معه من قومه سوى امرأة ورجل واحد. امرأة تسمى سارة، وقد صارت فيما بعد زوجته، ورجل هو لوط، وقد صار نبيا فيما بعد. وحين أدرك إبراهيم أن أحدا لن يؤمن بدعوته. قرر الهجرة.

قبل أن يهاجر، دعا والده للإيمان، ثم تبين لإبراهيم أن والده عدو لله، وأنه لا ينوي الإيمان، فتبرأ منه وقطع علاقته به.

(وما كان استغفار إبراهيم لأبيه

إلا عن موعدة وعدها إياه فلم تبين أنه عدوا تبرأ منه 

إن إبراهيم لأواه حليم)

.......

بقلم.

الأمير _محمود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق