السبت، 16 أبريل 2022

 ............

أيمن دراوشة

..............



نساء من الزمن القديم
بهيسة بنت أوس المرأة العربية صاحبة العقل الراجح والذكاء المتقد والتي حقنت الدم العربي ؛ فأوقفت حرب داحس والغبراء
أيمن دراوشة
بهيسة بنت أوس من نساء العرب اللواتي اشتهرن بالفصاحة والبلاغة ورجاحة العقل والحكمة وسداد الرأي ، والدها أوس بن حارثة الطائي ، ووالدتها من بني عبس ، وقد عاصرت مع قومها حرب داحس والغبراء التي استمرت زمناً طويلاً ، وكان لبهيسة دور من خلال زوجها في إنهاء هذه الحرب الضروس.
وتذكر الروايات ، أن سيد العرب الحارث بن عوف المُرّي قد قال لنفرٍ حوله:
أتروني أخطب إلى أحد فَيردَّني ؟ فقيل له : نعم ، قال : ومن ذاك ؟ فقيل له : أوس بن حارثة الطائي ، فقال الحارث لغلامه : اذهب بنا إليه ، ولما وصل الحارث أوساً في بلاده ، حلً ضيفاً عليه في بيته.
بعد تبادل الترحيب بينهما قال أوس بن حارثة الطائي للحارث بن عوف:
ما الذي جاء بك؟
فقال الحارث : جئت خاطباً.
فرد أوس قائلاً : لا نصيب لك عندي.
تفاجأ الحارث من رد أوس ، فانصرف ولم يكلمه ، أما أوس فدخل على زوجته غاضباً.
قالت له : ما لَكَ يا رجل ؟ ومَنْ هذا الضيف الذي أنهيت زيارته سريعاً ، ولم تُطِل الحديث معه.
فقال : ذاك سيد العرب الحارث بن عوف المُرّي.
فقالت : فما بالك لم تُحْسِن ضيافته؟
فقال : لأنه أحمق.
فقالت : كيف هذا؟
فقال أوس : جاءني خاطباً.
فقالت : هل تريد أن تزوج بناتك؟
قال : نعم.
فقالت : إذاً ، لماذا رفضت سيد العرب ، ولمن ستزوج بناتك ؟
هنا استدرك أوس خطأه ، وأسرع خلف الحارث بناءً على نصيحة وإلحاح زوجته ، فاعتذر له ، وقال له بأنه كان في حالة غضب ، فرجع الحارث معه مسروراً.
وحين دخل أوس إلى بيته ، قال لزوجته : أحضري لي فلانة وهي كبرى بناته ، فأتته ، فقال لها يا بنيتي : هذا الحارث بن عوف سيد من سادات العرب قد جاءني طالباً خاطباً ، وقد أردت أن أزوجك منه فما رأيك؟
فقالت : لا تفعل.
قال: لماذا ؟
فقالت : لأني امرأة في وجهي شيءٌ من القبح ، إضافة إلى بعضٍ من العيوب الخَلْقِية ، وَلَستَ بابن عمه فيرعى حقي ، وليس بجارك في البلد فيستحي منك ، وأخشى من أن يرى مني ما يكره فيطلقني.
حينئذٍ قال أوس : بارك الله بك يا ابنتي ، اذهبي الآن ، ثمَّ دعا ابنته الوسطى ، وقال لها ما قاله لأختها. فأجابته بمثل جوابها وقالت : إني خرقاء ، وليست بيدي صناعة ، واخشى ان يرى مني ما يكره فيطلقني ، وليس بابن عمك فيرعى حقي ، ولا هو جارك في بلدك فيستحي منك.
فقال أوس : بارك الله بك ، اذهبي الآن ، ثمَّ دعا ابنته الصغرى بهيسة وقال لها ما قال لأختيها.
فقالت : موافقة.
فقال لها : عرضت ذلك على أختيك فرفضتاه ، ولم يذكر لها مقالتيهما.
فقالت : أنا والله جميلة الوجه ، ورفيعة الخلق ، وصاحبة حَسَب ونَسَب ، ولدي صنعة أيضاً ، فإن طلقني فلا أراه الله خيراً.
فقال أوس : بارك الله بك ، ثُمَّ اتجه إلى الحارث ، وقال له:
لقد زوجتك بهيسة بنت أوس ، فقال الحارث : وأنا قبلت ، فطلب أوس من زوجته أن تجَهَّز ابنتها بهيسة وتصلح من شأنها ، ثم أمر ببيت للحارث وأنزله فيه ، ولما تَمَّ تهيئة بهيسة أُرسلت له، فدخلت على الحارث ، لبث الحارث لحظة ثُمَّ خرج ، فقال له غلامُه ، أفرغت من شانك ؟ فقال الحارث : لا والله ، فقال الغلام : وكيف ذلك ؟ فقال الحارث : لما مَدَدْتُ يدي إليها ، قالت : والله ما يكون هذا أبداً.
فطلب الحارث الرحيل ، ورحل بها في الوقت الذي بلغت فيه حرب داحس والغبراء الشهيرة إلى أوجها.
استمر الحارث بن عوف في رحلته ، وفي الطريق ، حاول أن يدخل على بهيسة ، وطلب من غلامه أن يتقدم منحرفاً عن الطريق . وما لبث الحارث حتى لحق بهما.
فقال له غلامه : هل فرغت؟
فقال الحارث : لا والله.
فقال غلامه : وَلِمَ.
قال : قالت لي : هذا كما يُفْعَلُ بالسبية ، لا والله حتى تنحر الغنم وتدعو العرب ، وتعمل ما يُعْمَل لمثلي.
قال غلامه : والله إني لأرى همةً وعقلاً ، وأرجو أن تكون المرأة مُنْجبة.
استمر الحارث وغلامه في مسيرة الطريق حتى وصلا بلادهما ، وأحضر الحارث الغنم والإبل ، ثم دخل عليها مرتدياً ثياب الزفاف ، فقالت :
والله لقد ذكرت لي من الشرف ما ليس فيك.
فقال لها : وكيف هذا ؟
قالت : أتفرغ للنساء والعرب يقتل بعضهم بعضاً ؟
قال الحارث : وماذا أفعل إذاً ؟
قالت بهيسة : اذهب وأصلح بين هؤلاء ؟ ثُمْ عد لي ، وستجدني بين يديك.
حينئذٍ خرج الحارث واتجه صوب صاحبه خارجة بن سنان ، وقص عليه حديث زوجته.
فقال خارجة : والله إني لأرى همةً وعقلاً لا مثيل لهما.
فقال الحارث : هلم إذاً ننطلق إلى القوم ، ونعرض الصلح عليهم بدلاً من نار الحرب والاكتواء بلظاها...
هذا وقد تَحمَّل الحارث في عرضه الصلح على القوم ديات القتلى ، حتى تنازل عن ثلاثة آلاف بعير ، فتوقفت الحرب ، وعاد الحارث إلى زوجته بهيسة مسروراً بالخبر المُنْتَظر ، فتلقفته بهيسة بكل ترحاب ، ودخل عليها ، حتى أنجبت له فيما بعد عدداً من الأولاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق